أصبح مع ثورة الاتصالات والتطور التكنولوجي تسجيل المكالمات والتجسس على التليفون أو غيرها من وسائل الاتصال الأخرى من الأمور اليسير حدوثه، وأن الأصل العام يعد هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك لأن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة سواء كان بالتنصت على المكالمات التليفونية أو تسجيلها، وكذلك التقاط الصور ونشرها يعد تعديا صارخا على نص دستورى يصون ويحمى الحياة الخاصة لكل إنسان.
وتنص المادة 57 من دستور 2014 على أن: "للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة وفقا لأحكام القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها".
إن المشرع يجرم تسجيل المكالمات الشخصية عبر الهاتف أو التقاط فيديوهات أو صور ونشرها أو الاعتداء علي الحياة الخاصة دون الحصول على إذن من النيابة أو القاضي المختص حسب الأحوال، وإذا تم تسجيل مكالمة دون إذن قضائي أو بدون رضا المجني عليه وكان مضمون المكالمة المسجلة قد يشكل جريمة فإن هذه التسجيلات لا يعتد بها قانوناً ولا ينتج أي أثر قانوني أمام المحكمة وتعرض الذي قام بتسجيلها للمساءلة القانونية.
إن التصنّت وتسجيل المحادثات عن طريق الهاتف أو أي وسيلة أخرى في أماكن خاصة، بدون اتباع الطرق القانونية يعد جريمة جنائية وفقا لنص المادتين 309 مكرر، 309 مكرر أ) من قانون العقوبات، فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وقام بتسجيل محادثة أو التقاط صور وفيديوهات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون، وذلك في غير الاحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضا المجني عليه، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الاجهزة كما يحكم بمحو التسجيلات الحاصلة عنها أو إعدامها.
وتعتبر هاتان المادتان إضافة مهمة إلى ضمانات الحرية الشخصية إذ انهما يجرمان الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة عن طريق استراق السمع أو تسجيل المحادثات فى أماكن خاصة أو عن طريق التليفون أو التقاط صورة شخصية فى مكان خاص أو إذاعة هذه التسجيلات أو التهديد بها، وهاتان المادتان تتوافقان مع نص المادة 57 من دستور 2014.
فأسرار الحياة الخاصة التي فى المكالمات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال الأخرى هي ملك لأفرادها ولا يجوز استراق السمع، أو نقلها أو نشرها ويعد ذلك جريمة يعاقب عليها القانون كما استراق السمع (التنصت) على المكالمات التليفونية أو الرسائل الخاصة أو الإلكترونية أو تسجيل المحادثات التى تجرى فى مكان خاص أو عن طريق التليفون أو نقلها أو تصوير شخص فى مكان خاص.
تجدر الإشارة إلى أنه يستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره في مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، فأن التصوير في الأماكن العامة غير مخالف للقانون طالما أنه لم يتناف مع الآداب العامة، وأن المكان غير محظور التصوير فيه، ولكن لابد من ضرورة الالتزام بالحفاظ على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين أثناء التصوير، باعتبار الاعتداء عليها جريمة يعاقب عليها القانون ، كما لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك كونها ملك للعامة ويشترط في ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية.
أما إذا تم التهديد بإفشاء أمر من الأمور التى تم التحصل عليها عن طريق التنصت أو التسجيل أو التصوير يعاقب الفاعل بالسجن مدة قد تصل إلى 5 سنوات كما إذا قام موظف عام بالتنصت أو التسجيل أو النقل أو التصوير يعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 15 سنة واذا كان الفاعل صحفيا هنا تضاف إلى مواد الاتهام المادة 21 من قانون الصحافة ويحكم عليه بالعقوبة الأشد وفقا لنص المادة 32 من قانون العقوبات.
وتنص المادة (25) من قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 والمتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.
كما تنص المادة 76 فقرة 2 من قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 على أنه مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.
وهذا مؤداه إن القانون جرم فعل الإزعاج أو المضايقة المتعمدة، فأي إزعاج أو مضايقة تتم عبر جميع أجهزة الاتصالات يشكل جريمة طبقاً للمادة سالفة الذكر فمن يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الانترنت أو علي التليفون المحمول تتضمن إزعاجاً أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكبا لهذه الجريمة.
ويجب ثبوت الاتهامات المنسوب صدورها إلى المتهم من قيامه بسب المجني عليه عن طريق الهاتف وتعمده مضايقة وإزعاج المجني عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات التي تنطوي على توافر ركني تلك الجرائم في حق المتهم وهما:
1- الركن المادي والمتمثل في قيامه بإرسال رسائل إلى المجني عليه تشكل جريمة فضلاً عما سببته من إزعاج ومضايقة المجني عليه.
2- الركن المعنوي وهو علمه بمباشرته نشاطه الإجرامي محل الركن المادي لتلك الجرائم واتجاه إرداته إلى تحقيق ذلك.
وعلى القاضي تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجاً أو مضايقة للمتلقى من عدمه فهى مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى أخرى، حيث تنص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات كل من تسبب عمداً في إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات التليفونية يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كما أن الإزعاج وفقاً لنص المادة 166 مكرر عقوبات لا يقتصر علي السب والقذف لأن المشرع قد عالجها في المادة 308 مكرر بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المواطن، اما إذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها عملاً بالمادة 32 /1 عقوبات.
لذلك يجب أن تترسخ في الثقافة الجمعية للمواطنين حماية الحرية الشخصية واحترام خصوصية الآخرين.