الرواية الأصلية:
من اشهر الروايات التي كتبها 1831م ومن بعدها البؤساء 1862م الكاتب والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو أعظم الأدباء في العالم والذي وضع على عاتقه نصرة المظلومين في كل أعماله التي تمس القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره والتي اصبحت فيما بعد قضايا الإنسان في كل زمان ومكان وتناولتها أقلام الكتاب في العالم بصور مختلفة واقتباسات متعددة لتصبح ايقونة الأعمال الأدبية وربما مرجعاً درامياً لكل من أراد ان يكتب عن مظلومية البسطاء بموضوعية وبجوهر أخلاقي ألهم معظم الأدباء في العالم كله بأعماله التي تصل لحوالي ستين عملاً شعرياً وروائياًليبث في روح المتلقي قيم العدل والحب والحرية.
النص المصري وسحر اللهجة المصرية:
للأديب الراحل الرائع أسامه نور الدين الذي اقتبس عمله المسرحي المصري من جوهر العمل الأصلي لفيكتور هوجو بعد أن اختزل احداث كثيرة من الرواية الأصلية وحافظ فيه فقط على العناصر الدرامية التي تتوافق مع الذهنية المصرية وتعرج به على قضاياه المختلفة في بيئته سواءً على المستوى الثقافي أوالاجتماعي أوالسياسي، ومن ثم قرر - باحتراف - أن يحافظ على زمان ومكان الرواية الحقيقي في القرن الخامس عشر وفترة حكم لويس الحادي عشر وحيث تدور الأحداث في محيط كنيسة نوتردام بمدينة باريس لإيمانه أن قضايا الإنسان هي وحدة واحدة سواء كان مواطناً شرقياً أو غربياً، ومن ثم كان النص المسرحي مراعياً بوعي على تسليط الضوء على قيم العدل والحريةونبذ الظلم والكبت والتنمر التي دار حولها فيكتور هوجو في روايته، والمدهش أن أسامة نور الدين كتب النص باللهجة المصرية العامية، واستطاع أن يظهر في لغة الحوار سحر اللهجة العامية المصرية وانها تحمل في جوفها قدرة على ترجمة أي نص عالمي دون التقليل من قيمته أو الإخلال بأركانه الأدبية، ومن ثم فقد كان انتقاء الراحل الأديب للكلمات والعبارات انتقاء ( جواهرجي ) استطاع فيه أن ينقل ترجمته باللغة العامية لمستوى آخر من القيمة والقدرة والثراء أيضاً.
الإنتاج:
لاشك أن مسرح الطليعة تحت إدارة المخرج عادل حسان لم يبخل انتاجياً في تقديم هذا العرض بالصورة التي يجب أن يظهر بها للجمهور سواءً في الديكور أو الملابس اللذان كونا الصورة الجمالية لعالمية العرض على مسرح محسوب على وزارة الثقافة المصرية وحتى صار أيقونة من أيقونات مسرح الطليعة منذ انشاؤه.
الديكور والحفاظ على البناء المعماري للدراما:
جاء في ستة مناظر للدكتور حمدي عطية الذي حافظ على روح زمان ومكان الرواية كما كتبها فيكتور هوجو فنقل ببراعة تصميمه للديكور المشاهد من واقعه لواقع احداث الرواية وكأنه أحد أبطالها، كما راعى في التصميم أن يبرز تفاصيل العمارة وكأنها كاتدرائية نوتردام أو كأنها حواري باريس في القرن الخامس عشر وهي مسالة تدل على احتراف ووعي حقيقيين عهدناهما في قدرة مصمم الديكور الدكتور حمدي عطية ووعيه بالحدث الدرامي الذي يجسده بتصميماته التي يملأ بها فراغ المسرح.
الأزياء والملابس:
لقد اجادت نعيمة عجمي في تنفيذ الأزياء واستطاعت أن تجسد روح وزمن الرواية بقدرتها على تصميم زي كل فئة من تلك الفئات التي تعيش في القرن الخامس عشر سواء غجر أو رجال دين أو سلطة أو قضاء كما يليق بذلك الزمان وكما يليق باحترام المشاهد الذي خرج ليشاهد عملاً عالمياً ومن ثم- في تقديري – كانت الأزياء أحد اهم أركان قيمة العمل المسرحي وواحدة من أهم عوامل نجاحه.
الموسيقى والاستعراضات:
لاشك أنها الضلع الثالث الأهم بعد الديكور والملابس، حيث أعطت للعرض المسرحي تدفقاً وحيوية ورسمت ودعمت أحداث المسرحية بشكل أضاف للدراما وتسلسل الأحداث والتخفيف من حدة الفقر والبؤس والظلم التي تتعرض له احداث الرواية.
الإضاءة:
أبرز جمال الشريف جمال الديكور وجمال الأزياء وكان تصوره في تصميم الاضاءة لا يخلو أيضاً من اظهار المشاعر النفسية للمثل خاصة في المشاهد الخاصة التي يكون فيها الحوار مكثفاً أو فلسفياً في صورة مونولوج أو ديالوج أو تلك اللحظات التي تختلف من المرح والحب والظلم والتعذيب والتي استطاعت الإضاءة أن تبرزها وتجسد معناها المقصود من العمل في وجدان المشاهد.
الممثلين:
أروع ما شدني هووعي الممثلين بدقة الإيقاع الزمني والحركي، أدى الجميع أدوارهم باحتراف يحمدوا عليه، ولم يكن هناك بطل نجم للعرض وإنما كان الكل هم بطل ونجم العرض سواء شاعر باريس أو الأحدب أو رجل الدين أو الراقصة أو القاضي أو رجل السلطة أو ملك الغجر ، وكل أفراد العمل فوق خشبة المسرح وكان عدده 25 ممثل وممثلة الجميع كان يؤدي دوره باحتراف وكثير من الحب للشخصية التي يقوم بها.
الإخراج:
استطاع المخرج ناصر عبد المنعم أن يستجمع كل طاقات العمل المسرحي من نص وديكور وازياء واضاءة ويحركها ويرسم طبيعتها النفسية والدرامية ثم يجسدها في أداء طاقم العمل ليقدم لنا في النهاية عملاً فنياً راقياً ويجعل منه أيقونة من أيقونات الأعمال المسرحية العالمية التي قدمها المسرح المصري.
اختبئ فيما تبقى لك من عشق
ليس هناك عقلاً فارغاً وإنما .. هناك عقل أنهكته الأفكار القديمة .. والأفكار كالطبيعة .. لا تحيا إلا بالتجدد المستمر .. شروق ضوء الشمس .. وميلاد نور القمر .. لتمحي ظلام النفس .. والأفكار في محيط العقل تكون كالجبال تحتاج لمتسلق محترف .. تسلقها.. وكالبحار تحتاج لغواص محترف .. غُصها .. وكالسهول تحتاج لفلاح محترف .. افلحها .. فإن غامت من فوقك الدنيا .. أو عس عليك الليل .. اختبئ فيما تبقى لك من عشق .. فهو ملاذ الواصلين والفكرة التي لا تتشوه بالتقادم!! ( م أ )