تعدّ مسألة الزيادة السكانية في مصر من أخطر القضايا الاجتماعيّة التي تواجه الدولة، إذ إن معدل الزيادة السنوية يصل إلى 2.5 مليون مواطن سنويا، وهذه الزيادة تمثل ضغطاً هائلاً وخطرا كبيرا على التنمية الاقتصادية والمجتمعية في البلاد
فوفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، تجاوز عدد سكان مصر المائة مليون نسمة في عام 2020 ، وقدر العدد في 15 فبراير 2021 بنحو 101.5 مليون نسمة أي أنه في غضون ثلاثة أعوام زاد عدد سكان الجمهورية بنحو 5 مليون نسمة ، وهو ما يعني أن النمو السكاني ما زال مرتفعا في حدود 5, 2 ٪ سنويا.
ان تجاوزارتفاع عدد السكان متخطيا المائة مليون له تبعاته الكارثية على مستقبل الاقتصاد المصري الذي يشهد منذ أكثر من 4 سنوات تحولات هيكيلية جزريه عميقة وغير مسبوقه , تهدف إلى النهوض به وتنويع مصادر دخله. فقد أقدم الرئيس السيسي وحكومته على القيام بإصلاحات اقتصادية عميقة وجريئة حظيت بمديح صندوق النقد الدولي. وغير ذلك فإن أية حكومة مصرية وقد بدأت هذه الإصلاحات تعطي ثمارها المتمثلة في مؤشرات عدة أبرزها تجاوز معدلات النمو الاقتصادي 5,5 بالمائة سنويا وزيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية وتنفيذ مشاريع ضخمة في البنىه التحتية وزيادة الصادرات بنحو ملياري دولار سنويا خلال السنوات الثلاث الماضية.
أن الزيادة السكانية المتسارعة في المجتمع المصري تعتبر من العقبات الرئيسية أمام هذه الجهود التنموية في العديد من المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمية، كما أنها حجر عثرة في طريق نجاح السياسات الرامية لمكافحة البطالة والفقر، بالإضافة إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والحد من نصيب الفرد من الموارد الطبيعية والدخل القومي. إذ إن معدلات النمو الاقتصادي لا بد أن تعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف معدلات النمو السكاني، حتى يشعر المواطنون بأثر النمو الاقتصادي، وأثر برامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية.
من اسباب الزيادة السكانيه في مصر:
زيادة عدد المواليد مع انخفاض نسبة الوفيات بين المواليد بسبب ارتفاع مستوي الرعاية الطبية ، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تؤيد الزواج المبكر، ، وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وعدم الاكتفاء بطفلين، كما أنه ما زالت ثقافة كثرة الإنجاب التي تكونت عبر أزمنة طويلة في المجتمع المصري قائمة. كما ان استخدام الاطفال كقوة عمل من اكبر اسباب ارتفاع نسبة الانجاب في الريف المصري بالاضافه ان الدور الاعلامي والتوعوي لم يساهم بدوره الفعال في التوعيه المطلوبه , وبالنسبه لادارة الدولة ومؤسساتها المسؤله لم تصل الي حلول نافذه مكتمله حتي الان للتصدي وحل مشكلة الانفجار السكاني برغم انها تسعي جاهده في الاونه الاخيرة من خلال البرلمان ومجلس الشيوخ من اجل تشريع وتفعيل القواعد المنظمه للاسرة لتحقيق خفض معدلات الانجاب والتوعيه المجتمعيه بمصر .
* من اوجه الخطورة من تزايد عدد السكان المطرد :
لا تكمن مشكلة مصرمع زيادة عدد السكان في التهامها لثمار النمو فحسب، بل أيضا في تسببها لتضائل وتاكل الاراضي الزراعية ومصادر المياه المحدودة. وتقع هذه الأراضي التي تشكل فقط 5 بالمائة من مساحة البلاد على طرفي نهر النيل الذي يشكل مصدر المياه شبه الوحيد بجانب مشكلة سد النهضه القائمه واحتمال قيام دول اخري ببناء مشاريع مماثله علييالنهر . وقد أظهرت خبرات العقود الخمس الماضية أنه كلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمراني على حساب ما تبقى من الأراضي الزراعية التي كانت حتى ستينات القرن الماضي تنتج ما يزيد على حاجة المصريين من القمح والأرز. أما اليوم فقد أضحت البلاد من أكثر بلدان العالم المستوردة للحبوب. كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الخمسين سنة الماضية.
ويعتبر المجتمع المصري من أكثر المجتمعات تعدادا شبابياً على مستوى العالم، حيث قدرت الإحصائيات في تقرير الأمم المتحدة للزيادة السكانية لسنة 2019، أن نسبة الشريحة الشبابية تصل إلى 60 في المائة من التركيبة السكانية، مما يقتضي خلق فرص عمل لتجنيب الشباب مستقبلا غلق الآفاق أو اضطرارهم للهجرة أو دفعهم إلى الارتماء في أحضان التطرف والجريمة.
لذا يجلب التزايد السكاني الكبير آثارا اقتصادية واجتماعية سلبية، وأخطر هذه الآثار هو ما يلحق بالتنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية في مصر، إذ إن السلوك الاقتصادي يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار المجتمعي الذي هو بدوره في حالة تحول نتيجة النمو السكاني، بحيث أصبح المجتمع استهلاكيا أكثر منه مجتمعا منتجا، وهو ما يجعل مصر أمام إشكاليات في السلوك المجتمعي، رغم العمل ببرامج زيادة الوعي الاجتماعي.
من ابرز اضرار الزيادة السكانية انخفاض الناتج المحلي وعجز الموازنة والبطالة:
من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري لما له من تداعيات اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة، حيث يعصف بكافة الجهود الإنمائية، ويحول دون جني ثمارها في تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين والارتقاء بمستوى رفاهتهم.
مما يؤدي الي زيادة الطلب على السلع والخدمات والوحدات السكنية وبالتالي ارتفاع الاسعار ومعدلات البطالة والفقر لاسيما وأن الدولة لا تستطيع توفير فرص العمل المطلوبة والمتزايدة سنويًا.مما سيؤدي الي زيادة المخصّصات العامة للإنفاق على الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والمواصلات والإسكان والحماية الاجتماعية والأمن، وذلك على حساب مخصصات رأسمالي الانفاق على المشروعات التنموية في قطاعات الإنتاج الرئيسية كالزراعة والصناعة التحولية والتصدير والبنية الاساسيه لمرافق الدولة .
* خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة لخفض معدلات الانجاب :
وجاءت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المقدمة من وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، ووافق عليها البرلمان بغرفتية (النواب، الشيوخ) لتستعرض تفصيلا مخاطر الزيادة السكانية، بدءاً من المنظور الاقتصادى حيث يترتب على تنامي السكان على نحو متسارع تواضع معدلات الادخار والاستثمار، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانخفاض مستويات الناتج المحلي الإجمالي ، وتفاقم عجز الموازنة العامة والميزان التجاري للدولة.
ومن المنظور الاجتماعي ، تتمخض الزيادات السكانية غير المنضبطة عن ارتفاع معدلات الفقر ، وضعف القوة الشرائية للمواطنين ، واتساع التفاوتات الدخلية بين الفئات الاجتماعية ، وتصاعد معدلات الأمية بشكل مطرد ، فضلًا عن تدهور حال المرافق العامة والبنية الأساسية ، وتدني مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وعدم التكافؤ في توزيع السلع والخدمات العامة .
وتشير الخطة، إلي أنه من هذا المنطلق تعد قضية النمو السكاني المتسارع من أهم القضايا التي تبذل الدولة جهودا حثيثة لمجابهتها وتضعها على رأس سلم أولوياتها ، بهدف الحد من تأثيراتها السلبية على مقومات التنمية الشاملة وعدالة التوزيع ، اتفاقا ورؤية مصر2030 التي تهدف إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن وترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي .
برامج تنظيم الاسرة تستهدف خفض معدلات الانجاب من 1 ال 2 طفل لكل سيدة بحلول عام 2032 ..
وتحذر الحكومة، أنه لو استمر الحال على ما هو عليه الآن ، فإنه بحلول عام 2030 ، من المقدر أن يقفز تعداد مصر إلى 123 مليون نسمة ، ثم إلى 150 مليون عام 2040، وإلى 193 مليون نسمة عام 2050، مسجلا بذلك ما يقرب من ضعف التعداد الحالي للجمهورية .
وتشير خطة التنمية، إلي أنه حال تراجع معدلات النمو السكاني في الفترات البينية إلى 1,7 ٪ و 1,5 ٪ و 1,3 ٪ سنويا على التوالي ، لأمكن إبطاء عجلة النمو السكاني ليصبح التعداد المناظر 153 مليون نسمة في نهاية الفترة (2050)، أي قصر الزيادة السكانية على 52 مليون بدلا من 92 مليون نسمة، بفارق 40 مليون نسمة.
وإدراكا لخطورة الزيادة السكانية غير المنضبطة، تستهدف الحكومة من خلال برامج تنظيم الأسرة خفض معدلات الإنجاب عن 3.4 طفل / سيدة عام 2017 بصورة تدريجية إلي نحو 2.1 طفل / سيدة عام 2023 ثم إلي 1.6 طفل / سيدة عام 2052 بفعل الإلتزام بالتدابير وتطبيق السياسيات الفاعلة لضبط النمو السكاني وذلك بالمقارنة بسيناريو متوسط يصل معه معدل الانجاب إلي 1.9 طفل لكل سيدة في عام 2052.
متطلبات تحقيق النجاح المطلوب في خفض عدد السكان :
لذلك يجب وضع خطة استراتيجية عاجلة يتم الاتفاق على تطبيقها خلال السنوات القادمة، من خلال تقديم رؤية واضحة يتم البدء فى تطبيقها فورًا للحد من الزيادة السكانية، كما يجب على الإعلام والصحافة تبنى ذلك الأمر لزيادة وعى المواطنين حول أهمية تنظيم الأسرة بطريقة علمية مخططة يتم الاتفاق عليها.
ومما يعنيه ذلك على سبيل المثال أن دور بعض مؤسسات الدولة والإعلام لا يكفي لتحقيق هدف الحملة الحالية المتمثل بخفض معدل الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة. فالمطلوب هنا أيضا حملة وطنية تشمل أيضا تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمساجد والكنائس والتعليم وباقي وسائل الإعلام بشكل أكبر في عملية التوعية بمخاطر النمو السكاني على هذه الشاكلة وتقديم الحوافز اللازمة لها بهذا الخصوص. وفيما يتعلق بفرص العمل فإنه من الضروري تشجيع المرأة ودعمها في الحصول عليها بنسبة لا تقل عن 50 بالمائة مثلها مثل الرجل. فالمرأة الموظفة عموما تنجب أطفالا أقل وتعطي أهمية أكبر لتعليم أبنائها مقارنة بالمرأة التي تقوم فقط بالأعمال المنزلية.