هدى حجاجى أحمد تكتب: مفترق الطرق

هدى حجاجى أحمد تكتب: مفترق الطرق
هدى حجاجى أحمد تكتب: مفترق الطرق

 

كان فى غاية السعادة وهو يمشى بجوار خطيبته الحسناء .... تتشابك أصابعهما وتطل عليهما مدينة الضوء والصخب !... السيارات والباصات والدراجات والمشاة ...من يركض ومن يتسكع أمام لافتات النيون والمعروضات الجذابة فى الفتارين وفجأة تجمدت خطيبته فى مشيتها ...وقف أمامها شاب انيق ...وسيم الطلعة مد لها يده ليصافحها بحرارة ...التفتت لتعرفه بالشاب انه خطيبى السابق قال لها وقد أستبدت به الدهشة فرصة سعيدة صاحت فى أعماقه قبيلة من الغجر ( فرصة زفت وقطران !....بنت الكلب لا تكف عن اللعب بالنار !) ....نظر اليهما الشاب الوسيم وقالت بلطف وهو يرسم ابتسامة على شفتيه : حقيقى ..أنها فرصة سعيدة ثم خص الفتاة بالكلام : يلغى تحياتى وسلاماتى للاسرة ...مع السلامة !.... ومضى فى حال سبيله...... اشتعلت النار فى جوفه .... كان يمكن ان تلطف المسألة ان تقول عنه انه زميل الدراسة أو زميل فى العمل او فى الجامعة او أى شئ ...اما ان تقول عنه انه خطيبها القديم فهذه وقاحة وصراحة لا تطاق ...وكرر لنفسه ...صراحة ....صراحة ....بل وقاحة وقلة ادب النيران تتاجج فى اعماقه ...لكنه راح كانسان متحضر يناقش الامر مع نفسه ....وماذا عن ذلك ...هل كان ينبغى ان تتجاهله رغم وقوفه المفاجىء أمامها ؟.....ماذا حدث حتى يغضب هو من انصار (الخطوبة ) نعم الخطوبة ...فترة لاثبات النجاح او الفشل فى مشروع الزواج ...لماذا يطالبها بالكذب ؟...... هل يرتاح للتمثيل فى الحياة ...يتذكر كلامه لها ( الحقيقة لها طعم ..الحقيقة ولا نهم أن تكون مرة او حلوة )....آه ...اهى مجرد كلمات سمعها ورددها كببغاء واجه نفسك يا أنسان !...تنهد ....يبدو انه يتألم من الصراحة ....الصراحة ليست راحة كما يقولون أنه شرقى لا يطيق العلاقات المكشوفة ....لم يتعود على المساحات العارية ...يجتر كلامه معها ....لقد سكب فى راسها أنه رجل عملى ...يؤمن بأن الماضى ملك للفتاة قبل الفتى ...وتبدا المسؤلية بعد القران ..العبث بعد الزواج هو الخطأ البشع ...وهو صميم الخيانة لميثاق الاسرة وهدم لقيمة الثقة والمحبة المتبادلة بين الزوجين هذه كانت شعاراته مقبول على أرض الحقيقة هاأنذا أرتعد فى اول فرصة ...واسقط فى اول اختبار مجرد مقابلة مع خطيبها السابق أحدثت زالزال لماذا ...لماذا ....لماذا ؟ ....كنت اعرف انها كانت مخطوبة وفسخت خطوبتها .... ولكنى لم أسال لمذا ؟.... فأين الصدمة ؟ لماذا تتأجج النار فى كيانى ؟! مرارة فى حلقه ....شوكة تمتد فى رقبته ...خطيب سابق معناه انسان بشحم ولحم واطراف ...آه اطراف وهل كان يظنه شبحا ما هذا الشلال من الحقد ...ثم أن اللقاء تم فى حضورى وعلى مسافة نصف متر منى ...فى شارع عام ...فلماذا هذا البركان ؟... لماذا اعمى والتعصب كل ذلك الادعاء ....والنيران لا تكف عن الثوران فى اعماق اعماقه لماذا لا يجاهر بما فى نفسه المظلمة ...ويقول لها ان هذا الحادث كشفه على حقيقته ...غراه انه شرقى حتى العظم فى صميم أعماقه ألف فلاح يصرخ ويحتج ...ألف معترض على الادعاءات العصرية ....صوت يقول بمنتهى الجلافة (فى حاجة غلط ) نظر اليها ....وجدها - تلعق الآيس كريم فى بساطة الاطفال قال لها فجأة كأنما يريد أن يعكر صفوها وينسف هدوء روحها - كم ظلت خطوبتكما ؟ - قالت بهدوء وبصوت حريرى : سنة واحدة فقط - نظر الى وجهها الأبيض الصغير المحاط بشعر اسود كالليل - - أهو من العائلة ؟ - لا .... كان يسكن جنبا قالتها كأنها تغنى !... تفرس فى عينيها السوداوين - ها ....ولا شك ان معرفتك به تمتد قبل الخطوبة ؟ - نعم ....جارنا أنت تعرف ملاعب الصبا ...وهو ابن ناس نودهم ونعرفهم جيدا ...وهو مكافح من عائلة بسيطة - كانت الردود كالمسامير ....لكنه أراد أن يقتحم صرح البساطة - لماذا انفصلتما ؟...عفوا للسؤال - بأصباعها النحيلة المرصعة بالمانيكير رفعت خصلة تهدلت على الجبين .ونظرت اليه ...تنبهت لمحاولة الغزو والكدر - أهو تحقيق ؟...انسيت أننا خرجنا للنزهة ؟! قال وهو يكظم الغيظ اذا سمحت أريد أن أعرف ... رحبت بالمضى فى الحديث فقالت بلغة محايدة : كنا على وشك الزواج وحدث ان تعرضت أسرته لكارثة مالية بالأضافة الى اصابة امه بمرض خبيث سحب كل ما لديه من نقود ..واستدان من هنا وهناك ..وارتبك ماليا توقفت عن الأستمرار لتذكره ....على فكرة أمه ماتت منذ اسبوع فقط وذهبت للعزاء عندهم اذا سبب الانفصال ....ظروف مادية ...مجرد ظروف مادية نظرت فى عينيه ...تجابهه وهل تقلل من قيمة الظروف المادية .انها الطعام والسكن والاثاث والثياب وآلاف التفاصيل التى لا تنتهى ! هكذا الامر ! (مالها تتحدث كآدم سميث ؟) ردت ببرود واستمرت كانها جراح ماهر ك هكذا الامر بلا زيادة ولا نقصان ! النيران تلعق أعماقه ...المنطق يضربه بقبضة حديدية ....الصراحة الشرسة 1 الصراحة الجهنمية !...الهواء ينكمش فى صدره ...تعتصره القبضة الحديدية من أحشائه قال كمن يستعذب العذاب هل كنتى تحبينه ؟ نظرت اليه فى تأمل ودهشة ...ثم باستنكار ...ما لوزم هذا السؤال ؟ من فضلك ...اجيبى بمنتهى الصراحة لا أكرهه بالطبع ...بل احترمه جدا ...فهو مناضل ..مثقف ....شريف هذا لا يفيد الاجابة عن سؤالى ....هل كنتى تحبينه ؟ فهمت مراده ...لا تتنازل ...لا ترضيه ..قالت بصوت أخصائية اجتماعية اسمعنى جيدا ....المرأة الشرقية تحب الرجل بعد الزواج ....اما قبل ذلك فلا انها عواطف بالية فى مهب الريح حب رسمى كما تشاء ....لا تهم الاسماء الغثيان ...لا يدرى أين تهب الروائح الكريهة ..جلسا فى الكازينو المرصع بالزهور والاشجار والمناضد النظيفة سيل من الضواء ينهمر عليهما .... مال عليها وغامة بسؤال لا يناسب المكان والزمان وقال اذا تحسنت الاحوال وتضاعف دخلى ...فهل اطلب منك ترك وظيفتك ...وتصبحى ربة بيت فقط رجعت الى الوراء ...وتفرست فى وجهه وقالت وهى تضغط على الحروف لا أقبل بالطبع لماذا ....وهذا ما تطمح فيه آى امرأة ؟ لا تطمح المرأة لما تقول ....وعن نفسى فالعمل يصقل شخصيتى ...ويؤكد استقلاليتى ...واظننا تكلمنا فى هذا الموضوع من قبل ...والعمل كما قلت لك مرارا وتكرارا ....ليس النقود ...انما تحقيق الذات ...وعطاء للناس أمسك بكفها وقال لها ....كنت أحسب الناس تشتغل من أجل النقود ...وتربية الاطفال أفضل عمل للمرأة والمجتمع هذا جزء من الرسالة ...وليس كل الرسالة ...والبعد الاقتصادى لا يمكن تجاهله ...ابحث الموضوع من وجهة نظرى أنا ....العمل هواء اتنفسه ....قضايا أعيشها ...افكار ...مشاركات ...معارك ...نضال ( سحبت كفها من كفه ) قال لها وقد شعر بأنه يحمل السلم بالعرض : نعود خرجا من الكازينو ..سارا فى الشارع الطويل الممتد كجدل ممل ... جاءت سيارة مسرعة فوق مساحة راكدة من الماء ...اندفع الماء كالصواريخ فغطت الرصيف ومن عليه بالوحل والماء النجس .... قال لها فى قرف : لقد توحلتا ...وهذا جزاء حبك للتمشية قالت فى اصرار وبساطة وهدوء ...سنغير ملابسنا على كل حال قال وكأنه يخاطب اعماقه السخيفة : فعلا ....نحن فى حاجة لتغير كل شئ ! وعاد من طريق آخر .