بعد 74 عام على انتهاء أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ "الحرب العالمية الثانية"، يبدو أن سياسية الاعتذار عن الأخطاء، والاعترافات بالمسئولية عن الكوارث التي حدثت، هي سمة احتفالات الأطراف المشاركة فى أكبر جريمة ضد الإنسانية لعام 2019.
ففى اليابان ، عبر امبراطور اليابان ناروهيتو، عن شعوره "بندم عميق"، لممارسات بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، وأضاف : عند التفكير في ماضينا والشعور بالندم العميق، أتمنى بصدق ألا يتكرر دمار الحرب"، "أشعر مجددا بحزن كبير حيال العدد الكبير للقتلى وعائلاتهم".
وكذلك انتهى رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبي : "قد نقشت دروس التاريخ في أعماق قلوبنا"، وتعهد بعدم تكرار الدمار الذي خلفته الحرب ، و"لن ندخر جهدا من أجل التعاون مع المجتمع الدولي في سبيل عهد سلمي جديد مليء بالأمل".
أما رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، فقال : نأمل أن تلعب اليابان دورا رئيسيا في تحقيق السلام والازدهار في شرق آسيا بينما تتأمل ماضيا جلب الشقاء لجيرانها"، وتابع " أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا: إذا اختارت اليابان طريق الحوار والتعاون فسوف نتكاتف معها بكل سرور".
ماكرون وتضحيات ابناء أفريقيا
وعلى ذات المنوال سار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بدعوته لتكريم جنود المستعمرات الفرنسية السابقة بأفريقيا، والاعتراف بتضحياتهم من أجل تحرير منطقة بروفانس (جنوب فرنسا، في أغسطس 1944، قائلا "الحرية جاءت من البحر الأبيض المتوسط" و"فرنسا تملك في ذاتها جانبا من أفريقيا... ودون تضحيات هؤلاء لما عشنا أحرارا".، ودعا رؤساء البلديات إطلاق أسماء هؤلاء المقاتلين على الشوارع والساحات الفرنسية.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، فقد اعترفت منذ يناير الماضى فى يناير الماضى ، أن بلادها "تتحمل مسؤولية" الجرائم التي ارتكبها الاحتلال النازي في اليونان خلال الحرب العالمية الثانية.
60 مليون ضحية
فبعد 74 عاما من استسلام اليابان وانتهاء أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ ، سيذكر التاريخ أنها خلفت أكثر من 60 مليون قتيل يمثلون 2.5% من إجمالي تعداد السكان العالمي فى هذه الأثناء، منهم 17 مليون عسكرى، و5 ملايين أسير ماتوا في الأسر، خلافا لملايين لقوا حتفهم نتيجة أمراض أو مجاعات ذات علاقة مباشر بالحرب.
جرائم الجيش الامبراطوري
ولكن لماذا يعتذر امبراطور اليابان ويعبر عن شعوره بالندم العميق عما حدث فى الحرب العالمية الثانية؟
الجيش الامبراطوري الياباني، قام فى هذا التوقيت بالعديد من المذابح في مختلف دول الشرق الأقصى وغرب المحيط الهادي، وتعتبر مذبحة نانجنج في الصين من أكبر المذابح التي عصفت بأكثر من 250 ألف ضحية خارج عمليات العسكرية، هذا غير ما قامت به القوات اليابانية من قتل الآلاف تحت مسمى تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وتعرف بعمليات الوحدة 731، وتعرض بعض الضحايا إلى الاغتصاب واستخدم البعض في تفجير حقل ألغام.
معركة العلمين
ويعتبر اعتراف الرئيس الفرنسي بدور المستعمرات الأفريقية ودورها الكبير يعود إلى أن قادة الحرب تفننوا فى الزج بالمستعمرات في أتون هذه الحرب، وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا نظرا لعظم وإمكانيات مستعمراتهما، ولم تسلم مصر وليبيا وتونس والجزائر، من أن تكون ميدانا ساخنا للحرب بين الحلفاء والمحور، وأن تشهد على حروب طاحنة أدت لسقوط آلاف الضحايا ومنها معركة العلمين التي شكلت منعطف خطير في تاريخ الحرب العالمية.
شرارة الحرب الثانية
الأسباب الحقيقة لهذه الكارثة العسكرية والجريمة كانت أبعد بكثير من النزاع (الألماني – البولندي) حول ممر وميناء دانتزج، فهي صراع على النفوذ وتقسيم الثروات وأرث ما بعد الحرب العالمية الأولى، بعدما تغير في رسم خريطة العالم، وخسرت ألمانيا 12.5% من مساحتها، و12% من سكانها، و15% من إنتاجها الزراعي، و10% من صناعتها، و74% من إنتاجها من خام الحديد، وتقلَّصت مساحة السواحل الألمانية على بحر البلطيق وبحر الشمال، ومنع الوحدة بين ألمانيا والنمسا التي تضم أكبر مجموعة من الألمان تعيش خارج ألمانيا.
ومع تولِّي النازيين بزعامة هتلر للحكم في ألمانيا تعرض ميزان القوى في أوروبا للخطر، وكانت سياسة هتلر الخارجية تهدف في البداية إلى إزالة عار الهزيمة وتبعاتها عن ألمانيا، وشرع في إعادة تسليح ألمانيا، 1935،وامتلاك السلاح الجوي، وألغى التحديد الصارم للقوات البحرية الألمانية مقابل اعترافه بتفوق القوات البحرية البريطانية، استطاع أن يفصل بريطانيا عن الحلف الذي أقامته فرنسا مع الاتحاد السوفيتي وزاد عدد الجيش الألماني إلى (300) ألف مقاتل بدلاً من (100) ألف، ثم فرض الخدمة العسكرية الإجبارية، وإقامة جيش دائم في السلم يُقدر بنصف مليون جندي.
هتلر وبدء تشكيل التحالف والمحور
تطورت الأحداث، واحتل هتلر النمسا مارس 1938م، باسم "الرايخ الثالث"، ثم سيطر على تشيكوسلوفاكيا ومحاولة السيطرة على بولندا، وقامت إيطاليا بغزو ألبانيا، ووقَّعت روما وبرلين ميثاقًا عسكريًا يقضي بالتعامل كحلفاء ، في المقابل حدث تقارب (فرنسي – بريطاني) مماثل، وتعهد الإنجليز بضمان استقلال بولندا.
وفى سبتمبر 1939، كانت القوات الألمانية تجتاز الحدود البولندية، وتشعل شرارة الحرب العالمية الثانية، واضطرت بريطانيا وفرنسا لتوجيه إنذار نهائي لألمانيا، ودخل الجيش الألماني الدانمارك والنرويج وهولندا وبلجيكا وفرنسا والبلقان، لكنه فشل في احتلال بريطانيا.
رجال الشرطة الأربع ووصاية الأقوياء
ديسمبر 1941، وضع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت تسمية "الأمم المتحدة" للحلفاء واقترحه على رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل. وأشار إلى الدول الثلاثة الكبار (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي) والصين بأنهم "وصاية الأقوياء". ثم أطلق عليهم في وقت لاحق اسم ( رجال الشرطة الأربع).. كان إعلان الأمم المتحدة في 1 يناير 1942 عبارة عن الأسس للأمم المتحدة الحديثة. خلال مؤتمر بوتسدام في يوليو-اغسطس 1945، اقترح هاري ترومان خليفة روزفلت بأن على وزراء خارجية الصين وفرنسا والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أن يصوغوا معاهدات السلام ويرسموا المستوطنات الحدودية لاوروبا. الأمر الذي أدى إلى إنشاء مجلس وزراء خارجية" الخمسة الكبار "،وبعد ذلك بوقت قصير جُعلت تلك الدول كـعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
نقطة التحول الكبرى
أهم أخطاء هتلر هو مهاجمة الاتحاد السوفيتي في يونيو 1941، والتى تسببت أنه ترك بريطانيا خلفه كقاعدة استراتيجية توجه منها الهجمات إليه، وفى ذات الأثناء قام اليابانيون بمهاجمة الأسطول الأمريكي بالمحيط الهادي وميناء بيرل هاربر، وأغرقوا أغلب قواته وأصبحوا على مقربة من استراليا، بما يعد إعلان مشاركة رئيسية في الحرب العالمية الثانية.
وكانت تلك الضربة بمثابة إجراء وقائي لكي يصبح الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي بعيداً عن الحرب التي كانت تخطط اليابان لشنِّها في جنوب شرق آسيا ضد بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة.
وشارك فى الهجوم موجتين جويتين بـ 353 طائرة حربية، انطلقت من ستة حاملات يابانية وغواصات ، وتم اغراق وتدمير 8 بوارج حربية و6 طوربيد ومدمِّرات، وزارعة ألغام وتدمير 188 طائرة، نتج عن كل ذلك قتل 2،402 شخص وإصابة 1،282 جريح عسكرى أمريكي، وخسائر اليابان لم تزيد عن تدمير 29 طائرة وأربع غواصات وقُتل أو أُصيب 65 جندي فقط.
وفى هذه الأثناء بدا الانهيار بين الحلفاء، كما اخترقت القوات الألمانية شمال إفريقيا نحو الشرق الأوسط، في محاولة للاتصال باليابانيين في الهند، لكنها هُزمت في "معركة العلمين"1942 .
بداية النهاية
وهنا تغيرت الصورة بعد هزيمة الأسطول الياباني في معركة (ميداوي)، وهزيمة القائد الألماني رومل في العلمين، واستسلام القوات الألمانية في ستالنجراد بالاتحاد السوفيتي،وبدأ الحلفاء في غزو ألمانيا؛وعبر السوفيت إلى داخل الحدود الألمانية لأول مرة ديسمبر 1944، ونجح الحلفاء فى دخول روما ، وتم إعدام "موسوليني" على أيدى الثوار الإيطاليون ، وانتحر هتلر 30 إبريل 1945، وتم توقيع وثيقة الاستسلام بلا قيد أو شرط من جانب ألمانيا.
وفى 2 سبتمبر 1945 ، وقع اليابان وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط ، بعد قنبلتى هيروشيما ونجازاكي، ورفع العلم الأمريكي فوق طوكيو.
ميثاق الأمم المتحدة
تم الاتفاق على ميثاق الأمم المتحدة أثناء الحرب خلال مؤتمر الأمم المتحدة في المنظمة الدولية، والذي عُقِد بين أبريل ويوليو 1945. وُقِع الميثاق بواسطة 50 دولة في 26 يونيو (بولندا حجزت مكانها وتحولت فيما بعد إلى الدولة الموقعة رقم 51)، وتمت المصادقة عليه رسميا بعد الحرب يوم 24 أكتوبر عام 1945.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع