مصر والأردن.. ثنائية إقليمية شكلت نواة الصمود الإقليمى فى مواجهة دعوات إسرائيل.. خصوصية العلاقة بينهما قدمت نموذجا لـ"الرعاية التكاملية" للقضية.. وشراكتهما لعبت الدور الرئيسى فى بناء الاستقرار بالمنطقة

مصر والأردن.. ثنائية إقليمية شكلت نواة الصمود الإقليمى فى مواجهة دعوات إسرائيل.. خصوصية العلاقة بينهما قدمت نموذجا لـ"الرعاية التكاملية" للقضية.. وشراكتهما لعبت الدور الرئيسى فى بناء الاستقرار بالمنطقة
مصر والأردن.. ثنائية إقليمية شكلت نواة الصمود الإقليمى فى مواجهة دعوات إسرائيل.. خصوصية العلاقة بينهما قدمت نموذجا لـ"الرعاية التكاملية" للقضية.. وشراكتهما لعبت الدور الرئيسى فى بناء الاستقرار بالمنطقة

في الوقت الذي لعبة فيه الثنائية التي دشنتها القاهرة، من باريس، دورا رئيسيا في حشد أوروبا، في ظل التغيير الكبير في المواقف التي تبنتها دول القارة على المستوى الفردي، من جانب، أو الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، تجاه الأوضاع المأساوية التي شهد قطاع غزة في الآونة الأخيرة، إلا أن ثمة ثنائية أخرى، أرستها مصر، في السنوات الأخيرة، مع الأردن، ساهمت في تعزيز صلابة الإقليم، وقدرته على الصمود، خلال الأزمة الحالية، في ضوء حقيقة مفادها أن العدوان على غزة لم يكن يستهدف القطاع فقط، وإنما كانت له أهداف أخرى أوسع نطاقا، تعكس طموحاته التي يسعى إلى إحيائها في السيطرة، والهيمنة، سواء على فلسطين، عبر تقويض قضيتها، أو على مستوى الإقليم بأسره من خلال تصدير الفوضى.

وبالنظر إلى الأهداف التي سعت الدولة العبرية إلى تحقيقها من وراء العدوان الوحشي على قطاع غزة، نجد أن مشاهد الدماء والدمار كانت تتجاوز تلك الرقعة الجغرافية المحاصرة بالقصف، وهو ما بدا في الدعوات المشبوهة التي أطلقتها مع بداية العدوان، وعلى رأسها التهجير، والذي يمثل استهدافا للقضية الفلسطينية عبر تصفيتها، من جانب، واستهدافا كذلك للإقليم، عبر تصدير الفوضى، خاصة لدول الجوار، وفي القلب منهم مصر والأردن، باعتبارهما أكبر الداعمين للحق الفلسطيني، عل أساس الشرعية الدولية، وهو ما يمثل محاولة صريحة لاستهداف المنطقة، وإعادتها إلى المستنقع الذي سقطت فيه خلال العقد الماضي، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، بعد سنوات من الاستقرار النسبي، وهو ما يمثل كابوسا لدولة الاحتلال، خاصة وأن تلك الحالة من الاستقرار أعادت قدرا من الزخم لفلسطين، ونجحت في إعادتها إلى الواجهة على المستوى الإقليمي.

والحديث عن الاستقرار، وإن كان نسبيا، على المستوى الإقليمي، لا يمكن أن يتجاهل "ثنائية" مصر والأردن، باعتبارهما نقطة الارتكاز، في إدارة الشراكات بين القوى الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت العلاقة القوية بين البلدين، منطلقا لشراكات أوسع، على غرار شراكتهما مع العراق، والتي استعت بعد ذلك في إطار مؤتمر بغداد، والذي ضم العديد من الدول الأخرى، على رأسها السعودية وتركيا وفرنسا، وإيران، مما ساهم في تحريك المياه الراكدة، في العلاقة بين القوى الإقليمية المتصارعة، ومن ثم البناء على ذلك عبر تعزيز المصالح المشتركة، لتتوارى خلفها النقاط الخلافية، فتتحول الحالة الإقليمية ذات الطبيعة "الصراعية" إلى ما يمكن تسميته بـ"الشراكة التنافسية".

الشراكات التي دشنتها مصر والأردن لا تقتصر في ثمارها على مؤتمر بغداد، وإنما امتدت إلى البعد الاقتصادي، من خلال شراكتهما الصناعية مع الإمارات والبحرين، وهو ما يعكس تواكبا مع المستجدات التي يشهدها العالم، في ظل الحاجة إلى تحقيق أكبر قدر من التكامل السياسي والاقتصادي، ناهيك عن التعاون فيما يتعلق بالقضايا الدولية والأمنية.

الشراكات التي دشنتها مصر والأردن على المستوى الإقليمي، لعبت دورا رئيسيا في تحقيق قدر كبير من الاستقرار، بعد سنوات الفوضى، التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي، وهو ما بدا في سلسلة من المصالحات بين القوى الرئيسية، من جانب، بينما تجلت في أبهى صورها خلال العدوان على قطاع غزة، في إطار توافقي حول ثوابت القضية الفلسطينية، وفي القلب منها حل الدولتين، ورفض التهجير، ناهيك عن انعقاد القمة العربية الإسلامية، في الرياض، والتي تمثل حشدا إقليميا يعكس حالة من الصمود "الدبلوماسي" أمام محاولات الاحتلال لتقويض الحق الفلسطيني من جانب، والقضاء على ما تحقق في السنوات الماضية من استقرار وتنمية من جانب آخر.

وتبقى "خصوصية" العلاقة بين مصر والأردن انعكاسا صريحا لحالة من التوافق، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية والإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي تمثل نموذجا لـ"الرعاية التكاملية"، ففي الوقت الذي لعبت فيه القاهرة دورا رئيسيا في رعاية القضية والدفاع عنها سياسيا، كانت عمان راعيا للمقدسات الدينية في مدينة القدس، وهو ما يمثل لحالة من تكامل الأدوار، التي يمكن تعميمها على مختلف القضايا الدولية والإقليمية الأخرى، بعيدا عن الرؤية القائمة على الاستئثار، والتي تمثل أحد أهم سمات الحقبة الدولية المنقضية، والتي سعت خلالها القوى الدولية الحاكمة للعالم إلى تعزيزها، في إطار يمكن من خلاله تعزيز هيمنتها، عبر تقوية دور حلفائها، في مختلف مناطق العالم، مقابل الدوران في فلكها.

وفي السياق نفسه، يبدو الدور الكبير الذي تلعبه قطر، بمثابة تعزيز لتلك الحالة القابلة للاتساع، حيث ساهمت بصورة كبيرة في اتفاق الهدنة الذي تحقق بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، والذي يمثل نقطة انطلاق مهمة نحو وقف إطلاق النار الشامل والكامل في قطاع غزة، ومنها إلى بدء مرحلة جديدة من المفاوضات، وصولا إلى الحل النهائي، وإنهاء حالة الصراع، الطويل الأمد والذي استمر لعقود طويلة دون حل بسبب المواقف التي اتسمت بقدر كبير من الانحياز، من قبل القوى الدولية الكبرى، لصالح طرف على حساب الآخر، مما قوض أي أمل في تحقيق العدالة الدولية، واستعادة الحق الفلسطيني، والذي لم يراوح الأوراق لسنوات، في ظل الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال دون مواقف دولية رادعة في مواجهتها.

وهنا يمكن القول بأن مصر والأردن يمثلان معا ثنائية إقليمية، تمكنت من مواجهة دعوات الاحتلال الإسرائيلي لتهجير سكان غزة، بينما عملا معا على تعزيز الصمود الإقليمي عبر نجاحهما المنقطع النظير في استقطاب القوى المتصارعة في شراكات من شأنها تحقيق مصالح الجميع، مما خفف كثيرا من حدة الصراع، نحو التوافق حول المشتركات، لتصبح مسألة العدوان على غزة أحد أهم المشاهد التي تجلت فيها حالة الالتفاف الإقليمي حول القضية التي طالما وصفها الجميع بـ"المركزية" في مواجهة محاولة صريحة لاستهداف القضية ومن ورائها الإقليم بأسره.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع