منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين فى غزة، يوم 7 أكتوبر، كانت مصر أول الذين بذلوا الجهود لاحتواء الموقف، محذرة من التصعيد فى قطاع غزة وتداعياته الخطيرة على حياة المدنيين ومستقبل عملية السلام.
وفور وقوع الأحداث - فى 7 أكتوبرالماضى - تابع الرئيس عبدالفتاح السيسى الموقف العام للأحداث من خلال مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى، وذلك فى ضوء تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، موجها بتكثيف الاتصالات المصرية لاحتواء الموقف ومنع المزيد من التصعيد بين الطرفين.
والمتابع لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية وعدد كبير من الدول الغربية الكبرى، فى بداية اندلاع الأحداث، يدرك جيدا الانحياز الواضح والصريح لصالح الاحتلال الإسرائيلى على حساب المدنيين والأبرياء فى قطاع غزة، ومن ثم خلقت التحركات المصرية المكثفة بقيادة الرئيس السيسى حالة من التوازن النسبى، لصالح القضية الفلسطينية، وبعد اتصالات وتحركات غير مسبوقة، تغير الموقف الأمريكى والغربى بشكل كبير، وتعالت الأصوات التى تدين الجرائم الوحشية للاحتلال بحق المدنيين.
وجاء إصرار مصر وتمسكها بموقفها المعلن الذى ليس فيه تأويل، بضرورة حماية المدنيين ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضى المصرية والأردنية، والتحذير من أن هذا الاتجاه سيؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية، ليفتت أطماع الاحتلال وداعميه، ويشكل رأيا عاما دوليا يتبنى مواقف مصر ووجهات نظرها، بعدما كانت الكفة مائلة برمتها لصالح أطماع الاحتلال.
لا شك أن الاحتلال جن جنونه، فأصبح يتصرف كثور هائج، بسبب تعريته أمام العالم، وهنا يجب الإشادة بالموقف المصرى التاريخى الملتزم بالدفاع عن القضية الفلسطينية، والمتمسك بحل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967 بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لأن تحركات القاهرة غيرت من نبرة الإدارة الأمريكية بشكل ملحوظ، كما جعلت القوى المهيمنة فى أوروبا فى وضع لا تحسد عليه، فبعدما كانوا يتبنون الرواية الإسرائيلية بكل بجاحة، صاروا اليوم يتحدثون عن ضرورة حماية المدنيين، وهناك أصوات أممية انحازت إلى التحركات المصرية بأن ما يقوم به الاحتلال يرقى إلى حد الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى الشقيق فى غزة.
ويمكن القول، إن الموقف الأمريكى فى بداية الأزمة كان منحازا بشكل فاجر لصالح وحشية الاحتلال، إلا أن نبرة الإدارة الأمريكية وعلى لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، بدأت تخفت وتتحدث عن ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء، إضافة إلى تأكيد الرئيس السيسى خلال استقباله وفدا من الحزبين الديمقراطى والجمهورى بمجلس الشيوخ الأمريكى، رفضه استهداف المدنيين وسياسات العقاب الجماعى وتهجير الفلسطينيين، وشدد على وجوب تسوية القضية الفلسطينية بالحل العادل والشامل.
ويمكن أيضا أن نفهم تغير النبرة بعدما زار وزير خارجية الولايات المتحدة «أنتونى بلينكن»، القاهرة فى 15 أكتوبر الماضى، حيث حرص الرئيس السيسى، خلال استقباله وزير الخارجية الأمريكى، على توصيل رسائله على الهواء مباشرة، ليؤكد أن مواقف القاهرة المعلنة هى نفسها التى تتمسك بها فى الاجتماعات المغلقة.
جاء «بلينكن» إلى القاهرة، بعد زيارته لإسرائيل، حاملا رسائل البيت الأبيض التى لا تتعاطى مع الموقف المصرى الرسمى والشعبى، لكن الرئيس السيسى أصر على توصيل رسائله إلى الولايات المتحدة والعالم على الهواء، وشدد على ضرورة إيقاف تطورات الأزمة الحالية التى من الممكن أن يكون لها تداعيات على منطقة الشرق الأوسط، مضيفا: «12500 فلسطينى قتلوا بسبب جولات العنف المتكررة فى غزة.. التأخير فى حل القضية الفلسطينية يترتب عليه المزيد من الضحايا.. ورد الفعل الإسرائيلى تجاوز مبدأ حق الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعى».
الرئيس السيسى، مرر خلال هذا اللقاء عددا من الرسائل تؤكد ثوابت الدولة المصرية وموقفها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، وقال إننا بحاجة للتحرك بقوة وبعزم لخفض التوتر وتيسير دخول المساعدات لقطاع غزة المحاصر دون مياه أو كهرباء أو وقود، ويجب ضرورة الاستماع للمعنيين بالقضية والعالمين بأسباب الأزمة.
الرئيس السيسى، وجه رسالة مباشرة إلى «بلينكن» نفسه الذى تفاخر عند زيارته لإسرائيل بأن أصوله يهودية، ليقول الرئيس، إن اليهود الذين كانوا بمصر لم يتعرضوا لأى شكل من أشكال القمع أو الاستهداف، كما لم يحدث فى المنطقة العربية أن تم استهداف اليهود على مدار التاريخ القديم والحديث، لافتا إلى أن اليهود تم استهدافهم فقط فى الدول الأوروبية، لكن لم يحدث ذلك مطلقا فى الدول العربية، مضيفا: «تربيت فى حى كان بجوارى يهود ولم يحدث أى مشكلة».
الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» أيضا الذى استفز العالم عند زيارته لإسرائيل ودفاعه المستميت عن الاحتلال، لم يظهر بتعجرفه وانحيازه عندما جاء إلى القاهرة، وعقب مباحثاته مع الرئيس السيسى فى قصر الاتحادية تغير حديثه ونبرته، فيما مزح البعض بأن نسخة ماكرون التى ظهرت فى القدس تختلف عن تلك التى ظهرت فى القاهرة، وهو ما يؤكد على قوة الرئيس السيسى وصلابة موقفه.
وفى 21 أكتوبر استضافت مصر قمة القاهرة للسلام، حيث وجه الرئيس السيسى مجموعة من الرسائل، مشددا على أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث على حساب مصر أبدا، ومتسائلا أين قيم الحضارة الإنسانية التى شيدناها على امتداد الألفيات؟ وأين المساواة بين أرواح البشر دون تمييز؟
وما يدل على نجاح القاهرة فى تحقيق الهدف من هذا المؤتمر، هو البيان الذى أصدرته رئاسة الجمهورية المصرية بمناسبة انعقاد قمة القاهرة للسلام 2023، حيث رفضت مصر رغبة المسؤولين الغربيين فى القمة بصدور بيان توافقى يدين «حماس» ويؤكد على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، وبالتالى جاء بيان مصر منفردا ليؤكد أن مصر لن تقبل أبدا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أى دولة بالمنطقة.. ولن تتهاون للحظة فى الحفاظ على سيادتها وأمنها القومى.
وكان أول اتصال تلقاه الرئيس السيسى، يوم اندلاع الأحداث فى 7 أكتوبر من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وحذر الرئيس السيسى من خطورة تردى الموقف وانزلاقه لمزيد من العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة، ودخول المنطقة فى حلقة مفرغة من التوتر تهدد الاستقرار والأمن الإقليميين.
ثم تبعها اتصالات هاتفية - منذ السابع من أكتوبر وحتى الأول من نوفمبر الجارى - تلقاها الرئيس السيسى من محمد شياع السودانى، رئيس وزراء جمهورية العراق، والملك عبدالله الثانى بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وشارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبى، والرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكارل نيهامر مستشار النمسا، والرئيس القبرصى نيكوس خريستودوليدس، وأنطونيو جوتيريش، سكرتير عام الأمم المتحدة، والأمير محمد بن سلمان، ولى عهد المملكة العربية السعودية، والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، والشيخ تميم بن حمد آل ثانى، أمير دولة قطر، والسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، وأنطونيو تايانى، نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولى الإيطالى، وأورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ومارك روته، رئيس وزراء هولندا، وريشى سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ويوناس جاهر ستوره، رئيس وزراء النرويج، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وجاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى، والرئيس الأمريكى جو بايدن، وفوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان، ومِتَه فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، وناريندرا مودى، رئيس وزراء الهند.
وفى 19 أكتوبر عقد الرئيس السيسى وعاهل الأردن الملك عبدالله الثانى بن الحسين، قمة بالقاهرة، رفضا خلالها التهجير القسرى للفلسطينيين من أراضيهم إلى مصر أو الأردن.
وفى 20 أكتوبر، شدد الرئيس السيسى - خلال مباحثات عقدها مع رئيس الوزراء البريطانى «ريشى سوناك» فى القاهرة - على ضرورة استمرار تدفق المساعدات إلى قطاع غزة من مواد طبية وإنسانية لمساعدة 2.3 مليون فلسطينى موجودين فى القطاع؛ مضيفا: «يجب أن نتحرك جميعا من أجل احتواء التطورات والتى قد لا يمكن السيطرة عليها فى المنطقة».. مضيفا «أن تداعياتها تتجاوز حق الدفاع عن النفس التى دائما نتحدث عنها»، مشيرا إلى أن هناك حاجة للتنسيق والتعاون من أجل ألا تنزلق المنطقة فى حرب على المستوى الإقليمى بالكامل ويكون تأثيرها مدمرا على المنطقة وعلى السلام.
وفى 27 أكتوبر رحب الرئيس السيسى بمشروع القرار العربى الذى تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالوقف الفورى للعنف فى غزة، وهو ما تشاركت فيه دول العالم المحبة للسلام والاستقرار، متابعا: نأمل أن نشهد قريبا وقف العنف فى غزة والحفاظ على حياة المدنيين.
وفى 28 أكتوبر، وخلال مداخلة للرئيس السيسى، بافتتاح الملتقى والمعرض الدولى للصناعة، حذر الرئيس السيسى من اتساع رقعة الصراع بسبب الحرب فى غزة والمنطقة ستصبح قنبلة موقوتة تؤذينا جميعا.. ويؤكد: حريصون على لعب دور إيجابى لأن الاستقرار مهم جدا للمنطقة.. ومصر دولة قوية جدا لا تُمس.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع