حكايات من غزة.. المصرفي الفلسطيني فكري جودة لـ"اليوم السابع": شعبنا حي ولن يموت.. معارك يومية في القطاع على الماء والدواء والوقود.. محو عائلات كاملة من السجل المدنى.. باقون على أرضنا ما بقي الزعتر والزيتون..صور

نوثق اليوم حكاية جديدة من غزة التى تتعرض لعدوان إسرائيلى وحشى منذ السابع من أكتوبر الجارى، بطل هذه القصة هو المصرفى الفلسطينى المتقاعد فكرى جودة وهو فلسطينى ولد فى الكويت وعمل بها عدة سنوات ثم انتقل إلى العاصمة بغداد لكنه تمسك فى نهاية المطاف بالعودة إلى غزة، مؤكدا أن الفلسطينى مهما ترك وطنه لأى سبب من الأسباب إلا أنه يتمسك بأرضه ولم ولن يفرط بها أبدا.

فكرى جودة شخصية فلسطينية مرحة للغاية وهو عدو للحزن والإحباط والاكتئاب ومهما تحدثت معه لا تمل أبدا فهو شخصية عروبية تؤمن بمبادئ القومية العربية ووحدة الشعوب، إلا أن حديثه معنا هذه المرة كان مختلفا وبدا الراجل مصدوما ورافضا للحديث إلا أنه حرص فى النهاية على توثيق قصته.

يقول المصرفى الفلسطيني: "اللهم صيبا نافعا" ..كانت تلك الكلمات التى تمتمت بها صباح السبت 7 أكتوبر الجارى ظنا منى أننى استمع لصوت رعد ومطر، لكن صوت الرعد استمر وتوالى وتعالى بشكل مذهل لأستفيق على ما أسمته المقاومة طوفان الأقصى، اليوم مع نهاية أكتوبر، ما الذى حدث فى حياتى فى هذه الأيام القليلة كثير وكبير بحيث يصعب تقدير حجمه وتأثيره .

ووصف المصرفى الفلسطينى فكرى جودة فى حديثه لـ"اليوم السابع" ما يجرى فى غزة من دمار ودماء وكوارث إنسانية بشى "يفوق كل خيال"، لافتا إلى أن ما حدث فى الساعات الأولى هو الأهم حيث انتهت المعركة كما بدأت فى 7 أكتوبر الجارى، فقد كٌسرت هيبة جيش ودولة، وبارت سلعة القوة التى لا تقهر، وخيم الفشل على مخططات خّطط لها وحيكت بعضها فوق الطاولة وكثير منها فى الظلام .

وتابع : قد نتفق أو نختلف على الكثير من التفاصيل، لكننا حتما متفقين أن ما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله أبدا .. فقدنا أحبابا وتم محو عائلات كاملة من السجل المدنى، أصبنا فى أنفسنا وأمننا وأموالنا وأملاكنا.. أصبنا فى كل شيء عدا إيماننا بحتمية النصر الذى بشرنا به رب العالمين، نحيا ونستشهد على نيّة الرباط فى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

وأضاف المصرفى الفلسطينى فى نبرة اعتزاز بالهزيمة التى لحقت بجيش الاحتلال الإسرائيلى فى السابع من أكتوبر الجاري: قد لا أحيا لغد أرى فيه هذه الكلمات منشورة، ولكن لا بأس فنحن شعب حى لا يموت.. منذ أكثر من 20 يوما تجد جلّ الناس فى غزة يرحلون وينتقلون لا نمط محدد، فتجد أهل حى الرمال يتجهون نحو منازل عائلاتهم فى أحياء الشجاعية أو التفاح والزيتون والدرج، وتجد أهل شمال غزة يلوذون برفح وأهل المدن بالريف وأهل الريف بالمخيّم، تحرك عشوائى غلب عليه قليلا التوجه جنوب وادى غزة، حيث عمل الصهاينة بكل ما لديهم من أسلحة نفسية لدفع السكان للزحف جنوبا لأهداف معلنة وأخرى غير ذلك.

ونزح أكثر من مليون فلسطينى من منازلهم فى الشمال والمنطقة الوسطى إلى جنوب القطاع ومناطق متفرقة أخرى فى ظل الحرب النفسية التى يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلى على الفلسطينيين للتهجير القسرى من أرضهم إلى خارج قطاع غزة.

وعن تفاصيل يوم الفلسطينيين فى غزة خلال العدوان يقول فكرى جودة: يومنا روتينى بحيث نصلى الفجر - لمن قدر الله لهم النجاة - من الليالى الدامية، ثم يخرج المواطنين للشارع المثقل بالركام ورماد الحرب فى كل خطوة فيجدوا المنتصرين فى معارك طوابير الخبز قد انتصروا بتأمين خبز يوم وأولادهم وأولاد من يستضيفونهم من نازحين فى بيوتهم.

يستكمل المصرفى الفلسطينى وصف الوضع الإنسانى فى غزة بالقول: تجد معارك الماء وشحن البطاريات وملاحقة الأدوية والوقود والاتصالات والانترنت والمكاره الصحية، تجد فى كل تلك المعارك منتصرين ومنهزمين.. لكنك لن تجد منتصرا واحدا فى غزة فى معركة تأمين فزع أطفاله من الموت الأحمر المتربص عند كل شهيق قد لا يتلوه زفير... تجد من غادر طلبا للسلامة قد ذهب لحتفه... تسمع عن عائلات كاملة قد محيت من سجل الأحياء... تسمع قصصا لم تكن لتسمعها سوى فى كتب الخيال من مفارقات الموت والحياة... تتأكد أن الموت والحياة فى غزة سيان.

يعانى قطاع غزة من أزمات متلاحقة فى ظل نقص الوقود والأدوية ومياه صالحة للشرب وقطع للاتصالات والانترنت والكهرباء، وهو ما دفع مصر للضغط على الأطراف الإقليمية والدولية بضرورة ادخال كافة المساعدات بدون قيد أو شرط.

عن حياته خارج فلسطين لعقود يتحدث المصرفى الفلسطينى عما وصفه بـ"رومانسية الفكرة" خارج الوطن، موضحا أنه لطالما يحلم بالعودة إلى وطنه وبناء حياته هناك فى عالم لا يعلم عنه الكثير سوى قصص والديه وكبار أسرته، ويتابع قائلا: جاءت لحظة العودة للوطن، دخلته شابا يافعا، لكنى كنت كالسائح المستجد لا أعرف الكثير عن مفردات الحياة والرباط فى أرض الرباط، هنا كان لإيقاع الحياة الصاخب فى غزة - عاصمة السلطة الفلسطينية - الكلمة العليا، وكانت الأهداف مادية ذاتية بحتة، قد يغلفها بعض روحانيات فكرة الرباط.

ويضيف قائلا: بعد ذلك مرحلة الإنجاز والرخاء النسبى التى جعلت الفكرة مناسبة وقابلة للترويج والاعتناق... ثم جاء اختبار الحروب والمآسى منذ 2008 وحتى كتابة هذه السطور، فى هذه المرحلة تطور إدراك فكرة الرباط فى نفسى تطورا عميقا ومعقدا وحتى متناقض... ففى هذه المرحلة أستطيع المغادرة والعيش مرتاح من وجع الراس، كما أن أبنائى كبروا وانضموا لطابور العاطلين عن العمل ... كما ساءت الخدمات وضاق الأفق السياسى وساءت أخلاق العامة والخاصة من الناس.

يتابع قائلا: برغم ما سبق وجدت أن ارتباطى بهذه البقعة من الأرض قد تجذر، وأن مفهوم الرباط قد نضج واكتمل فى ظل الأزمات والمعاناة .. الأمر تداخل هنا على ما يبدو فى جيناتنا الكنعانية العنيدة، وإدراكنا لأن كل ما حولنا قد صُمّم لطردنا طوعيا إلى الخارج فى أى خارج لأن همهم الأول ألاّ نبقى هنا.

وأكد المصرفى الفلسطينى المتقاعد أنه فى ظل العدوان الإسرائيلى الحالى على غزة ارتبط بوطنه أقوى، مضيفا: أسافر كثيرا لكن ليس لأكثر من أسبوعين .. تعرفت على مجتمعات وحياة هانئة وادعة وواعدة لكن لم ينجح أى منها نزع هذا الحب وهذه النزعة للتحدى والعبادة لـ "الرباط" هذا المصطلح الذى تردد على آذنى منذ 40 عاما اتعامل معه الأن بشكل مختلف.. أتحدث معكم والقصف يشعل المحيط حولى... ولا يحضرنى سوى قول: نحن باقون، ما بقى الزعتر والزيتون.

 

إسرائيل تدمر منازل المدنيين
إسرائيل تدمر منازل المدنيين

 

فكري جودة
فكري جودة

 

منزل المواطن فكري جودة
منزل المواطن فكري جودة

 

منزل فكري جودة بعد تدميره
منزل فكري جودة بعد تدميره

 

منزل فكري جودة
منزل فكري جودة

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع