كانت صالة ومسرح بديعة مصابنى أحد أهم الكازينوهات والصالات قديما، وتخرج فيه العديد من عمالقة الفن والطرب والرقص والغناء، ومنهم فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب وسامية جمال وتحية كاريوكا وغيرهم الكثير، وكانت الست بديعة صاحبة شخصية قوية تضع العديد من القواعد الصارمة، لتضمن سير العمل فى مسرحها بشكل منتظم وتبذل كل جهودها لتدريب الفنانين وتقديم فقرات تبهر الجمهور.
وإذا كنا فى العصر الحالى تأخذ المسارح إجازة خلال شهر رمضان، وتوقف المسرحيات عروضها لحين انتهاء شهر الصيام لتستأنف بعده نشاطها الفنى، فإن الأمر كان يختلف كثيرا فى الماضى، حيث كان شارع عماد الدين يعج بالفنون، ويشهد نشاطا كبيرا خلال شهر رمضان.
واعتادت الفنانة الكبيرة بديعة مصابنى أن تقيم سرادقا خلف مسرحها بشارع عماد الدين، تقدم فيه وجبات سحور وإفطار للصائمين طوال شهر رمضان، رغم أنها مسيحية، كما كانت تعطى الصائمات من الفنانات العاملات بفرقتها إجازة مدفوعة الأجر طوال شهر رمضان، ومن بينهن جميلة التركية وخيرية صدقى وسعاد عبده وجمالات حسن، وجميعهن من راقصات شارع عماد الدين الشهيرات.
كانت بديعة مصابنى تروج إعلانات للكازينو والمسرح الخاص، وتعلن فيها عن تنظيم برامج ترفيهية يومية بمناسبة شهر رمضان، وتكتب فى هذه الإعلانات: «تقدم بديعة مصابنى، بمناسبة شهر رمضان المعظم، برنامجًا ممتازًا يوميًا، على مسرح كازينو أوبرا فى ميدان إبراهيم باشا، ونلفت عناية حضرات رواد الكازينو أن المطعم أعد ألوانًا شرقية شهية من الأطعمة خاصة بالإفطار»، وروج الإعلان لأطباق خشاف تحمل اسم صاحبة الكازينو حيث جاء خلاله عبارة: «اطلبوا خشاف بديعة الممتاز».
وكانت بديعة مصابنى أحد أشهر نجوم الفن الذين شاركوا بأعمال سينمائية خلال بداية الأربعينيات، ومنهم فاطمة رشدى وأمينة رزق وآسيا وميمى شكيب وعزيزة أمير وليلى مراد وكوكا ورجاء عبده وعقيلة راتب، ومن الرجال يوسف وهبى ومحمد عبدالوهاب ومحمود ذو الفقار وبدر لاما وسليمان نجيب ونجيب الريحانى وعلى الكسار، وكانت السينما تعرض أفلاما لكل هؤلاء النجوم خلال شهر رمضان.
وشهدت هذه الفترة أحداث الحرب العالمية الثانية، التى اقتربت فيها جيوش هتلر وروميل من مصر.
وخلال هذه الفترة، سخرت بديعة مصابنى فرقتها المسرحية للدعاية ضد هتلر وجيوشه، وكانت تتقاضى أموالا ضخمة مقابل تقديم روايات وتابلوهات تهاجم فيها هتلر وتصوره فى صورة مجرم حرب، ووقتها كانت جيوش روميل قائد قوات هتلر تتوغل فى الصحراء الغربية حتى وصلت إلى منطقة العلمين، وخشيت بديعة مصابنى من أن يتم القبض عليها إذا دخل الألمان مصر، ونجحت قوات هتلر فى الوصول للقاهرة، وكان ذلك فى رمضان.
وأمام هذه المخاوف، قررت بديعة مصابنى الهرب إلى بيروت، فسافرت فى 27 رمضان خوفا من الألمان، وعادت بعد عيد الفطر حين تأكدت من هزيمة الألمان، وأيقنت أن خطر هتلر قد زال.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع