حكايات المؤثرين.. أحمد رشدى.. درّب الفدائيين لمقاومة الاحتلال الإنجليزى.. ورشح رأفت الهجان وقهر "تجارة الكيف".. وأعاد الانضباط إلى الشارع.. وحربه على الفساد عجّلت برحيله وخصومه حاربوه بـ"أحداث الأمن المركزى"

حكايات المؤثرين.. أحمد رشدى.. درّب الفدائيين لمقاومة الاحتلال الإنجليزى.. ورشح رأفت الهجان وقهر "تجارة الكيف".. وأعاد الانضباط إلى الشارع.. وحربه على الفساد عجّلت برحيله وخصومه حاربوه بـ"أحداث الأمن المركزى"
حكايات المؤثرين.. أحمد رشدى.. درّب الفدائيين لمقاومة الاحتلال الإنجليزى.. ورشح رأفت الهجان وقهر "تجارة الكيف".. وأعاد الانضباط إلى الشارع.. وحربه على الفساد عجّلت برحيله وخصومه حاربوه بـ"أحداث الأمن المركزى"
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».

 

قبل عدة سنوات من الآن، التقينا فى منطقة «الباطنية» بقلب القاهرة، رجلا عجوزا، تخاف أن تصافحه بقوة فيسط منك أرضا، رغم ملامح الشيخوخة التى ارتسمت على وجهه، إلا أنه ما زال يتذكر جيدا، تلك الطوابير التى كانت تمتد لمسافات طويلة فى المناطق ذاتها قبل عشرات السنوات من الآن لشراء المخدرات، وكيف كانت مملكة الباطنية مزاجا للجميع.

 

يعود العجوز بظهره للخلف، وكأنه يعود لسنوات طويلة للوراء، عندما انتعش سوق الكيف بالباطنية، حتى ظهر ذاك «الجنرال»، الذى لن ينسى أحد اسمه «أحمد رشدى»، فقضى على «الصنف» وأسدل فصول النهاية على تجارة المخدرات بالمنطقة، وبات الاسم الذى نغص على تجار الكيف حياتهم، بعدما تساقطوا فى قبضته الواحد تلو الآخر، حتى تمت إقالته، ليعلن فلول تجار المخدرات، عن صفقة أسموها «باى باى رشدى» ابتهاجا برحيله.

 

«رشدى» لم يكن وزير داخلية عاديا، فقد نجح فى تحقيق المعادلة الصعبة، القضاء على المخدرات وتحقيق الانضباط.


مولد قيادة أمنية

«أحمد رشدى محمود عيد»، لم يدر الموظف وهو يسجل شهادة الميلاد لطفل جديد فى 29 أكتوبر سنة 1924 بمدينة بركة السبع فى المنوفية، أنه يوثق ميلاد واحدا سيكون من أهم القيادات الأمنية فى وزارة الداخلية لاحقا.


دوره فى مكافحة الإنجليز

رجل أمنى من طراز خاص، تجرى الوطنية فى عروقه، حيث لعب «رشدى» دورا مهما عندما كان ضابطا فى بداية حياته، وذلك فى أعقاب إعلان مصطفى باشا النحاس، رئيس الحكومة المصرية فى ذلك الوقت، فى أكتوبر 1951 إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية التى سبق أن وقعها النحاس باشا عام 1936، وهو القرار الذى فتح الباب على مصراعيه أمام انطلاق حرب التحرير الوطنية ضد قوات الاحتلال البريطانى الموجودة آنذاك فى منطقة قناة السويس ومدنها، فدرب «رشدى» مع آخرين من ضباط وأعضاء جهاز الشرطة فى ذلك الوقت، المتطوعين من مختلف القوى السياسية الوطنية المصرية، للقيام بعمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال البريطانى، وتقديم المعلومات الاستخباراتية اللازمة لقادة حرب التحرير الوطنية حول أماكن وجود وتمركز وتحركات وأنشطة قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة، وتسهيل وصول المتطوعين من العسكريين والمدنيين إلى مدن القناة للقيام بعمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال ثم يقوم بتسهيل وتأمين مغادرتهم المنطقة بعد ذلك بسلام بعد نجاح عمليات المقاومة تلك.


تطهير الباطنية

الحرب ضد المحتل، لم تكن الحرب الوحيدة التى خاضها أحمد رشدى، لكنه خاض حروبا أخرى، أبرزها الحرب على «المخدرات»، حيث شهدت فترة الثمانينيات انتشارا غير مسبوق لتجارة المخدارت، وأصبحت منطقة الباطنية قبلة وسوقا لتلك التجارة غير المشروعة حيث كانت تباع علنيا فى الشوارع الكبرى، وعجز رجال الأمن وقتها فى القضاء على هذه المنطقة، بسبب تجنيد كبار تجار الكيف للمخبرين والمرشدين.
 

 لجأ «رشدى» إلى خطة ماكرة لضرب منطقة الباطنية، وتجفيف منابع بيع تجارة المخدرات، حيث نظمت وزارة الداخلية حفلا لتكريم العاملين و توزيع الهدايا‏،‏ تمت دعوة كل المرشدين والمخبرين له‏،‏ وعلى هامش الحفل باغتت قوات الأمن مدججة بالسلاح والكلاب البوليسية شوارع وحوارى الباطنية‏، وكانت الضربة موجعة‏ لأباطرة الباطنية.
 

«رشدى» قال بعدها فى لقاء تلفزيونى مبتسما: «بعد خروجى من الوزارة انتشرت شائعة بوجود نوع جديد من المخدرات أطلق عليه التجار: باى باى رشدى».


أسس لانضباط الشارع

«أحمد رشدى» خاض حروبا أخرى، أيضا، متمثلة فى محاربته الفوضى وفرض التعامل بشكل حضارى فى الأحداث الجماهيرية، وأوقات الذروة اليومية، فقبل تطبيق خطته لفرض الانضباط فى الشارع المصرى قرر «رشدى» اختبار مدى قدرة المواطنين على تنظيم أنفسهم بشكل حضارى، فكانت هناك مباراة لكرة القدم فى استاد القاهرة‏،‏ أصدر «رشدى» قرارا بعدم وجود الأمن هناك وحضر بنفسه ليشاهد رد فعل المواطنين، وبعد أقل من ربع ساعة كانت النتيجة غير مرضية، فأمر قواته بالحضور لتنظيم الصفوف‏، وقرر أن تكون هناك خطة تفرض الانضباط فى الشارع‏.‏
 

أجبر «رشدى» القيادات الأمنية بالوزارة بالانتشار فى الشارع بنفسها لتنفيذ خطة الانضباط، وهو القرار الذى كان له أثر كبير على المواطنين رؤيتهم قيادات ورتبا كبيرة تساعد فى عودة الانضباط والقضاء على الفوضى، حيث كان هذا الأمر غريبا وقتها، إلى أن تحول إلى عرف أمنى قائم حتى الآن.
 

خطة «رشدى» فى عودة الانضباط كان تعتمد فى جوهرها على بث الطمأنينة والحرص فى نفوس المواطنين بوجود قيادات الوزارة فى الشارع، وعودة الرصيف للمارة والمخالفات يدفعها المشاة قبل السيارات‏، والدوريات المتحركة تتجمع فى نقطة كل نصف ساعة‏، فيعود إلى اللواء أحمد رشدى دفع المخالفات الفورية لأول مرة‏، وانتشرت فى هذه الفترة أيضا من ضمن خطة ضبط الشارع ملاحقة «الموظفين المزوغين» من عملهم، فأصدر‏ أوامر للضباط بسؤال المارة عن كونه موظفا من عدمه، وفى حالة الإجابة بنعم يتم إبلاغ الجهة التى يعمل بها، وبمرور الوقت نجحت خطة عودة الانضباط فى الشارع المصرى والتى سرعان ما اختفت باستقالته‏.


حربه على الفساد عجلت بالإطاحة به

حربا جديدة خاضها «رشدى» ضد الفساد فلم يخش مسؤولا أو قيادة، حيث أعلن قضايا فساد بالرغم من حساسيتها وتورط شخصيات عامة بها وقتها، لتخرج عساكر الأمن المركزى يجوبون شوارع القاهرة بعدها فيما عرف بـ«أحداث الأمن المركزى»، والتى أطاحت به من الوزارة سنة 1986.

«رشدى» نفسه علق عليها بعد مرور 28 سنة، مؤكدا فى تصريحات صحفية، أن الذين دبروا أحداث الامن المركزى وخلق حالة من الفوضى حينذاك، هم قيادات بارزة فى مؤسسات عدة.


وزير الشارع

«رشدى» لم يهدأ، ولم يكن يعرف العمل المكتبى، فقد كان «وزير شارع»، يطمئن بنفسه على سير العمل، فمن ضمن الروايات والحكايات التى لا تنتهى عن «رشدى» تنكره ونزوله إلى الأقسام والمديريات لمتابعة كيفية معاملة رجال الشرطة للمواطنين، حيث دخل مسن إلى قسم الأزبكية عليه ملامح الإعياء الشديد يستند على عصاه، يلبس ملابس بسيطة، ومصابا أعلى جبهته اليمنى ليحرر محضرا لمن اعتدوا عليه، وعند دخوله وجد مجموعة من ضباط القسم يلعبون ويتسامرون فإذا به ينادى عليهم، فيرد أحدهم قائلا: «مالك عاوز ايه على آخر الليل؟»، فيجيب الرجل: «أريد أن أحرر محضرا فى من ضربنى» فيجيب الضابط : «أترزع هناك لحد ما نشوف لك صرفة».
 

ولكن العجوز لم ينتظر الضابط، وتوجه على الفور إلى مكتب مأمور القسم، وعندما قرع الباب ودخل عليه قائلا: «أريد أن أحرر محضرا والسادة الضباط لا يستجيبون لى»، فإذا بالمأمور ينهال على ذلك العجوز سبا، فما كان من الرجل العجوز، إلا أن رمى العصا على الأرض ورفع الكمامة التى كان يضعها على جرحه الزائف، ناظرا إلى المأمور الذى تسمرت قدماه فور وضوح الرؤية لوجه ذلك العجوز، حيث تبين أنه «وزير الداخلية»، ليصدر قراراته الصارمة ضدهم جميعا.


تجنيد رأفت الهجان

حكايات «رشدى» طويلة وعظيمة، لو كلفنا القلم بسردها لتعب ومل من كثرتها، فبعد تخرج أحمد رشدى من كلية الشرطة، يتردد أنه ممن ساهموا فى ترشيح اسم «رفعت الجمال» الشهير بـ«رأفت الهجان‏»، ليؤدى دوره الوطنى العظيم.


رحلة النهاية فى حياته

حالة من الحب والرضا الشعبى حظى بها أحمد رشدى من المواطنين، رغم مرور السنوات على خروجه من الداخلية، حيث تم انتخابه عضوا بمجلس الشعب عن دائرة بركة السبع، محافظة المنوفية.

وكما جاء القاهرة، من قلب الأرياف ببركة السبع، عاد إليها بعد 88 سنة، لكنه هذه المرة محمولا على نعوش الموت، حيث وافته المنية فى 24 يونيو 2013، لتنتهى حياة رجل أمنى من طراز خاص تعلقت قلوب الناس به، فإن العظماء لا يموتون و«رشدى» كان عظيما فى قلوب الناس، فموعدنا معه فى جنات ونهر، فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع