مكان صغير ومساحته أمتار قليلة إلا أنك بمجرد دخوله تشم رائحة الزمن الجميل فى كل أركانه وبين القطع الخشبية الملقاة بجانبه والتحف المصنعة من الخشب والجيتار القديم المعلق بأحد حوائطه، إنه محل عم أسامة أقدم محل لصناعة الأركيت بالفيوم والذى يقوم بصناعة مختلف الاشكار من الفوانيس الأركيت بالإضافة إلى تصميم الماكيت لطلاب كليات الهندسة بشكل يدوى متقن ودقيق بعيدا عن ماكينات القطع بالليزر والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة فى صناعة الأركيت وما زالت منتجاته مطلوبة ومسيطرة بسوق الأركيت بمحافظة الفيوم.
وقال أسامة لـ"اليوم السابع"، إنه يعمل بالأركيت منذ أكثر من 40 سنة، وهى هواية وليست دراسة، وهو حاصل على دبلوم ثانوى صناعى قسم كهرباء، ولكنه كان يهوى شغل الأركيت وكان كل شىء يشاهده يفكر كيف يصنع مثله من الخشب وبشكل فنى مميز وجميل، فكان يتردد على محل يمتلكه والده يقوم فيه بإصلاح الأجهزة الكهربائية وقرر أن يخصص جزءًا من هذا المحل لصناعة منتجات يدوية من الأركيت وبدأ بالفعل فى عمل منتجات وبدأ يتقن المهنة خاصة أنه كان لا يمتلك عملا فى هذا الوقت وقرر أن تكون هذه مهنته ومصدر دخله.
ولفت أسامة إلى أنه بدأ فى تطوير نفسه وكان لديه منشار يدوى وبعد ذلك ادخر من دخله من منتجات الأركيت وقام بشراء منشار كهربائى حتى يكون تقفيل منتجاته بجودة عالية، مضيفًا أن أهم الأشكال التى قام بتصنيعها من الأركيت وكانت نسخة مصغرة من الحقيقة وحققت له مبيعات كبيرة برج إيفل وساعة بيج بن وكانت بداية أن يكون له عدد كبير من الزبائن، مشيرًا إلى أن له منتجات يصل طولها إلى أكثر من 3 أمتار خاصة المراكب التى يتم وضعها ديكورات بالمنازل وتستغرق صناعة المركب حوالى 3 أيام.
وأشار صانع الأركيت بالفيوم إلى أنه الآن أصبح يقوم بتصميم "الماكيت" للعديد من طلاب الهندسة والفنون الجميلة والتربية النوعية ويتعامل مع أى رسم يقدمه له الطلاب ويحوله إلى حقيقة خلال ساعات قليلة، وحتى إذا لم يكن لدى الطلاب رسمة بعينها ويحدثونه عن تخيلهم ورؤيتهم للشكل الذى يريدون نموذج له من الأركيت يقوم بتنفيذها كما كانوا يتخيلونها.
وأشار أسامة إلى أنه يعشق العزف على الجيتار وقام بصناعة اول جيتار عزف عليه من قطع خشبية لديه ثم تعليم على يد مدرب محترف وأصبح كل يوم يجلس فى محله الصغير بين منتجات الأركيت ويعزف على الجيتار.
وأكد أسامة، أنه لولا أنه يعشق هذه المهنة كان تركها منذ سنوات حيث أن جهدها يفوق دخلها بمراحل كبيرة وهو ما يجعل الكثير من الشباب فى حالة عزوف عن العمل بهذه المهنة وعن تعلم أبنائه للمهنة لفت أسامة إلى أنهم لديهم فكرة عن صناعة الأركيت ويمكنهم عمل منتجات ولكنهم لا يهوون ذلك، لذلك لن يستمروا فهذه المهنة لن يستمر بها إلا من يحبها، وعن أسعار منتجاته لفت صانع الأركيت بالفيوم إلى أن الأسعار ارتفعت هذا العام بنسبة 50% بسبب ارتفاع أسعار الخامات وترتفع كلما زاد حجم الجسم المطلوب عمله وزادت الحلى الموضوعة فيه ولكن كل المنتجات بجودة واحدة وتعيش لسنوات طويلة.
وعن المنتجات الصينية التى غزت الأسواق لفت أقدم صانع أركيت بالفيوم إلى أنه رغم الشكل اللافت لهذه المنتجات إلا أن جودتها ليست عالية ولكن منتجات الأركيت هى فى النهاية كتلة خشبية لا يفنيها الزمن ويتوارثها الأجيال.
وأكد أنه يرحب بتعليم الشباب بالمجان ولن يتقاضى أى أجر على تعليمهم فى سبيل الحفاظ على المهنة وتطويرها.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع