الشاعر والمفكرالفلسطينى رشدى الماضى لصحيفة صوت بلادى: أنا وقصيدتى نرى كل شيء فى الوجود شعرا من الله

الشاعر والمفكرالفلسطينى رشدى الماضى لصحيفة صوت بلادى: أنا وقصيدتى نرى كل شيء فى الوجود شعرا من الله
الشاعر والمفكرالفلسطينى رشدى الماضى لصحيفة صوت بلادى: أنا وقصيدتى نرى كل شيء فى الوجود شعرا من الله

أعظم اصدقائى المطر وقصيدتى ادمنت ركوب القطار

 

أجرى الحوار د. محمد ضباشه

 

للشعر روح واعدة تستلهم الحب والشوق والطموح من عالم الخيال وتصل بالمتلقى إلى وديان من الروعة والإنطلاق إلى حياة أفضل  ،  وهو أيضا لسان العرب وذاكرة الامة يغرد بصوت مسموع أحيانا وأحيانا أخرى بصمت مقموع  ،  وفى هذه الفسحة الحواربة نسافر بالقراء الأعزاء إلى العالم الخاص المليء بالروعة وجمال الروح وإبداع القلم لأحد الشعراء العرب  فدعونا فى البداية نرجب  به الشاعر والمفكر الفلسطينى رشدى الماضى ونطرح عليه السؤال الأول

 

س1:   من هو الشاعر والمفكر الفلسطينى رشدى الماضى من جهة مولده وسيرته العلمية والأدبية  ؟

ج 1- ..أنا رشدي الماضي، الذي كانت حيفا عروس البحر مسقط رأسهِ، وقرية إجزم المُهَدّمة هي الأصل، حيث عاشت فيها عائلة الماضي، التي عٌرفت بـ"ملوك السّاحل" ... وقد أنهيت في حيفا دراستي الابتدائية والثانوية والجامعيّة، مُتخصّصا في موضوعيّ اللغة العربيّة والتّاريخ...

عملت في سلك التّربية والتّعليم قرابة 40 عاما، في المدارس الابتدائيّة، فالإعداديّة فالثّانويّة، معلّما، مربّيا، نائبا للمدير ومديرًا عاما لمدرسة "المتنبي" في حيفا...

هذا، وقد خرجتُ في نهاية القرن الفارط الى التَّقاعد المبكر للتّفرّغ "لقصيدتي" وللنَّشاط الثَّقافيّ، تطوعا، في مؤسساتنا الثّقافيّة داخل وخارج مدينتي حيفا، وهذاما أُواصل القيام به حتى هذه الأيّام... هذا ولا بدّ أن أضيف: بأني حاصل على جائزة القدس للثقافة، من وزارة الثقافة الفلسطينيّة، ولقب ساعر الإنسانيّة من أكاديميّة الشعر في إيطاليا... وشهادة الدكتوراة الفخرية من المؤسسة الثقافيّة العليا الفلسطينية. وقد تُرجمت قصائدي الى الانجليزيّة والفرنسيّة والايطاليّة والرومانيّة والعبريّة.

 

 

 

س2- كغيرك من الشعراء لابد أن تكون لديك بدايات على درب الأدب والكلمة الوضيئة متى وأين كانت أول تجربة شعرية لك  ؟

ج.. 2- أخي وشاعري الدكتور محمد...أنا وقصيدتي توأمان سياميان، نجيْءُ الينا دون موعد ومن غير انتظار ويأخذ كلٌّ منّا مِن آخرهِ ما يشاء...لكن إن أردتُ أنْ أُحدّد لها بداية، أعود الى أواسك السِّتّينات من القرن الفارط، حين بدأتُ بنشر قصائدي آنذاك في الصّحف والمجلات التي كانت تصدر، وأخصّ بالذكر: "الاتحاد" و"المرصاد" و"الأنباء"...طبعا، هذا بالإضافة الى مشاركاتي في النّدوات والمهرجانات الشِّعريّة التي كانت تُعقد وتقام في مختلف مدننا وقرانا العربية في شتّى أنحاء البلاد، مِمّا جعل "القصيدة الخطابيّة" تتصدّر مشهدنا الشِّعريّ لعدّة سنوات ومعها جنبا الى جنب "القصيدة الاحتفالية"..

 

 

 

س3-  لكل شاعر مفردات ينسج منها حروفه فما هى مفردات الشعر لديك  ؟

ج.. 3- الشِّعر أخي، وجه آخر لأسئلة الإنسان الخالدة عن الحياة... وكتابتهُ "قصيدةً" تمارس داخل منطق وداخل لغة، تنشغل بذاتها، تمحو وتحجب أكثر مِمّا تكشف وتبين، فتأتي الكلمة دون أن يكون لها معنى مُحدّد معلوم، وتُصبح بالنّتيجة "وعاء" يحفظ المعنى من خلال علاقة تنشأ بين الكلمات، وتصير العلاقة بين كلمة وكلمة لا متناهية ويُصْبح المعنى بالنتيجة أيضا لامتناهيا...وهكذا تصير الكتابة حَدَثا مفتوحا على الممكن والمُحْتمل، وإذا أردتَ مُفردة تتسيّد نسيج مفرداتي، أذكر لك "الأسطورة" كنصّ يعتصر في رحابِهِ جميع الأَزمنة، لكنّهُ يمكن أنْ تُبْقِيَهُ مشروطا بلحظتكَ التّاريخيّة التي تعيشها كشاعر هذه الأيّام، لأنّ "الأسطورة" تاريخ هجرة لا إقامة... لتظلُّ الأفكار تولد منذورة ً للسِّفر...فأنا أخي، أعظم أصدقائي: المطر، وقصيدتي أدمنت ركوب القطار...

 

 

س4- يقال أن بعض الشعراء يكتبون قصائدهم والبعض الأخر تكتبه القصيدة فمن أى الشعراء أنت  ؟  وكيف تولد القصيدة لديك  ؟

ج...4- دَعْني هنا، شاعري الغالي، أقولها عاليا: أنا وقصيدتي فجائيّا الولادة والحضور.. نُطِلُّ معا دهشةً هادئة... حركةً وطاقة شعريّة تبدأ من الذّات، ومنها تعبر الى الخارج، تغور، تغوص، تخترق، لا لكي تُنْتِج الدّلالات، إنّما الرّموز، ولأنَّها تَعي أنّ الزّمن لغز واحد كبير، وأرض مجهولة اللحظة الرّاهنة، فهي تُعطي لعشَّاقِها مفاتيح هذا اللغز...

وبعد أن تطرح عليهم الأسئلة المصيريّة التي تهمّ الانسان وعلاقتهِ بالعالم... وبعد أن تُنهي سفرها تعود ثانية الى إليَّ، الى "الذات" حيث تُخْتزنُ هناك... لتخرج لاحقا ثانية، ولكن في تجربة أخرى جديدة...

 

 

س5- هناك من الشعراء الذين يعبشون فى جلباب الخليل بن أحمد الفراهيدى ويتمسكون بالكتابة على بحوره  وهناك من ارتدى عباءة المعاصرة و واتجه الى الشعر الحر او شعر التفعيلة من اى الفريقين الشاعر رشدى الماضى  ؟

ج.. 5-أدعو، أخي، وأرجو أن لا أُغضب أحدا،  وإنْ غضب أستميح العذر منه، نعم!!! أدعو أن لا نضع تعريفا للقصيدة، فهي إبنة الحريّة المطلقة، التي تقاوم القضبان، والأسلاك والأشواك والجدران...فالقصيدة نصّ نَلِجُهُ مفعل حاضر ولكن لرؤية متغيّرة في ذاتها ومن ذاتها وهي واحد مُنْقسم يحملنا من خارجه الى داخله...تتأمّل النَّبض الواضح المجرّد للحظة الحاضرة... أبجديّتها حَيَّة مُشْتعلة أَلقًا ومُنْتقاة، لغة أحاسيس، نفس وعاطفة، ومن الطّبيعة... تختفي بالإنزياح، الخرف والتّعبير بالصورة البيانيّة، أو الرَّمز.. جرسها هادئ رقيق،  تُضفي أبعادا تأويليّة تدور بمحيط الإشارة، وتنفتح، نصًّا، على مضامين عديدة وقراءات مُتعدّدة... هي شاعري... سيرةٌ تأملية وتُقرأ بالحواس...

 

 

س6- القصيدة لديك تحمل ابعاد كثيرة ذاتية ووطنية وإنسانية هل لنا ان تحدثنا عن أبعاد قصائدك  ؟

ج.. 6- قصيدتي الحبُّ... والحبُّ قصيدتي وهي تُقَدّمُهُ لكلّ حبيب كاملا متكاملا، حروفا، نقاط وعلامات تحاور كلَّ ألوان الربيع،  أليسَ الحبُّ الحقيقي، يا شاعري!!! عدوّ الانقسام والتّقسيم والتجزئة!!!حُبّي... يُنزِّهُ الباري عزّ وَجَلّ... ويُبْقي الآخرين وَطَنَه؛ وطنًا كبيرًا يَسْكُنُ الجميعُ حضنَهُ... يمضون نحو الطّمأنيْنة متطهّرين أنقيا فلا يتوهون عن بوابات السَّماء المُشرعة...قصيدتي... تستولد معنى وطنها الكبير من نسيج يميل الى الأوطان الحُرّة التي لا تستدعي الجغرافيا...هي تحاور وطن شعر يحاور الأوطان الأُخرى التي تبذر الأحلام والسَّلام لتنمو سنابل عشق تُمْطِرُ أرضها صباحات مورقة

 

 

 

س7- لكل شاعر قصيدة تكون الاقرب إلى نفسه فهل لك قصيدة من هذا النوع   ؟

ج..  7-كلُّ قصيدة في عِقْد إبداعاتي، هي أًصدق الصُّحب، لأَنّي بالجمال أُبْصِر كلَّ واحدة على حِدة..فإذا حَدَثَ أخي، وَوَضَعْتُ في "جَنَّة الشِّعر" ستسمعني أَصْرخ قائلا: آه يا قصيدتي... يا لؤلؤتي في المحارة!!!كُلُّ قصيدة لي هي حجرة خضراء في عمارة القلب والشِّعر سقفٌ لها.فكيف لي حين أعود الى داري في قلبي ألّا أزورها غرفةً غرفة!!!

 

 

 

س8-  هل استطاع الشعر أن يغير مجرى الأحداث فى الواقع العربى وخاصة فى حل الصراع العربى الاسرائيلى والفقر والارهاب والمشكلات الاقتصادية التى يعانى منها العرب أم ما زال الشعراء يعيشون فى ابراج عاجية لا ترى ولا تسمع صوت الواقع المرير  ؟

ج.. 8- برأيي المتواضع شاعري الدكتور محمد... من الضّروريّ ألّا نرى في القصيدة وكأنّها "موظّفة في مشروع التّغيير..." كي لا نمس ولادتها قصيدة حُرَّة تختزن طاقة هائلة وتتَّسِم بِسِمةٍ جمالية ذات قُدْرة على إثارة المُتعة والدّهشة الهادئة.ويحضرني هنا ما قاله المُفكّر د. هـ. لورانس: "الزمن لغز واحد كبير" وهو أرض مجهولة اللحظة الرّاهنة... فتأتي القصيدة لتُعْطي مفتاحا لهذا اللّغز...القصيدة أخي، تَعي حتّى النُّخاع، أنّ علاقة الانسان الفرد بالوقع علاقة دراميّة... لذلك ما تقوم به هو عدم سَعْيها أنْ تُغيّر هذا الواقع بصورة مباشرة، بل تقدّم له وجهة نظرها الى هذا الواقع لترتسم أمامه الوجه الآخر لأسئلتهِ كإنسان عن الحياة... أقصد، أسئلته المصيريّة الخاصّة بعلاقته بالزّمن الذي يعيشه... لتجعله بالنتيجة قادرًا، بواسطة البحث والتّجريب المستمرين على خلخلة ما هو قائم واستبداله بما يراه مناسبا…

 

 

س9-  هل يؤمن الشاعر رشدى الماضى بان الشعر إلهام من الله  وهل لحب الوطن مكانا فى اشعارك  ؟

ج.. 9- أنا وقصيدتي سيّدي... نرى كلَّ شيء في الوجود شعرا من الله... شعرا إلهيّا... فهو حاضر في كلّ ما أكتب دون أن أوشيهِ بأيّ سؤال فلسفي!!! أبكي مع صباح مدينتي حين نرى طيرا يرتعش، وف أرض المعذّبين أسافر في القمة... وفي ما خيّم عليهم من عتمة هجينة أزامل القمر... وأمام الشِّفاه العَطشى أصاحب المطر.نحن اثنان، نكبر على ظهور خيولنا... أحلاما مشروعة مُشرعة... فلا يصدأ لنا دم لأنّهُ شرارات في الرّيح تصير كلمات كعصافير قوس قُزحسنظلّ للآخرين التّاريخ والقصّة... تعرفان مَصَبّهما حتى في شوارع اللَّهب... تعرفانه كلمة لا تبكي، بل تُغنّي... تغنّي مستقبلا فمهُ مليء بالشِّعر وملكوت المعجزة...

 

 

س10-  هل كان الإحتلال الاسرائيلى لفلسطين دور فى اتجاهك الى الشعر أم كان حجر عثرة فى مشوارك الأدبى  ؟

ج...10- سامحكَ الله أخي!!! أتريدني أن أفتح الباب بيدي وألج أرضَا "مزروعة بالألغام"!!! أنا لا أملُّ ولا أكلّ يوميا من العمل لكسب الأصدقاء... ستبقى أخي "القصيدة" عروسًا خارجة على ليل السَّبايا... وهي تختار "العريس" الذي تريد أن تكتبه ويكتبها، ستظل المسافة بيني وبين أخواتي وأخوتي المبدعين سيلا يخرج نورًا منّي وثمّ يعود منهم إليّ.

 

 

 

س11- فى النهاية أسأل حضرتك عن الشعراء فى العصر الحالى الذين يستحقون لقب شاعر  وما هى صفات ااشاعر الفذ لديك  ؟

ج.. 11- كلُّ قصيدة أخي يكتبها مبدع، باللّغة والأسلوب اللذين يرتئيهما، هي بالنسبة لي أرض إبداع تموج بروح ونار الجمال والقداسة... فهو اعتصر فيها كل داخله حتّى الثُّمالة... لتخرج نهارات من الياسمين والدَّفلى لتظل مقيمة دائمة في مدينة الشِّعر... كلُّ الشُّعراء أخوتي الذين لم تلدهم أمّي وكل قصائدهم أبنائي وبناتي الذين يرافقونني في أسفاري بين الكلمات.

 

 

كل الشكر والتقدير لحضرتك على هذا اللقاء الماتع متمنيا لكم مزيدا من التألق والابداع فى مسيرتكم الأدبية