وفقا للقواعد العامة للمسئولية المدنية، فإن الصحفي يتحمل التبعية القانونية عن أعماله تجاه الآخرين، وهذه التبعية هي أساس المسئولية المدنية، والتى بدورها تختلف فى طبيعتها من حيث مصدر التعدي أو الخطأ الصادر عن الصحفي أثناء تأديته لعمله، حيث تكون مسئولية عقدية فى حال كان الخطأ نتيجة إخلال الالتزام سابق ناشئ عن عقد صحيح بينه وبين المتضرر من هذا الإخلال، كما تكون المسئولية المدنية تقصيرية لو صدر من الصحفي إخلال بالواجب القانوني العام الذي يفرض اليقظة والحذر فى سلوكه وعمله تجاه الآخرين.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم آلاف الصحفيين وهى مسئولية الصحفي مدنيا عن نشر ما يمس سمعة الآخرين حتى وإن كان منقولا من بلاغ للنيابة، وذلك فى الوقت الذي كثرت فيها الوقائع الخاصة بالسب والقذف والتشهير، ودور قانون العقوبات فى حصانة النشر على الرغم أن للصحفي الحق في الحصول على الأنباء والمعلومات والإحصائيات من مصادرها وله حق نشرها – بحسب الخبير القانونى والمحامى يوسف عبد الحميد سرحان.
مدى مسئولية الصحفي مدنيا عن نشر ما يمس سمعة الآخرين
فى البداية - من المعروف أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه - وعلى ما جرى به التشريع - هو من مسائل القانون التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، ودل المشرع بما نص عليه في المادتين 189، 190 من قانون العقوبات على أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائي ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية، لأن هذه كلها ليست علانية إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم، فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها أو ما يتخذ في شأنها من ضبط وحبس وتفتيش واتهام وإحالة إلى المحاكمة، فإنما ينشر ذلك على مسئوليته، إذ أن حرية الصحفي لا تعدو حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تجاوزها إلا بتشريع خاص، ومن ثم فإنه يلتزم فيما ينشره بالمقومات الأساسية المنصوص عليها في الدستور – وفقا لـ"سرحان".
وإذ كانت المادة الخامسة من قانون سلطة الصحافة الصادر برقم 148 لسنة 1980 - والذي يحكم واقعة النزاع قبل إلغائه بقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 - تنص على أن "للصحفي الحق في الحصول على الأنباء والمعلومات والإحصائيات من مصادرها وله حق نشرها ولا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته إلا إذا كان في حدود القانون"، إلا أن ذلك ليس بالفعل المباح على إطلاقه، وإنما هو محدود بالضوابط المنظمة له، ومنها أن يكون النشر في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم أو انتهاك محارم القانون وهو ما لم يخرج عليه الأمر في القانون القائم – الكلام لـ"سرحان".
تصدى محكمة النقض للأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض المصرية، التصدى لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم الطعن 1833 لسنة 62 ق جلسة 9 يوليو 1998 حيث قالت المحكمة فى حيثيات حكمها - إذ كان الثابت من الأوراق أن الصحيفة التي يمثلها المطعون ضدهما قد نشرت أن الرقابة الإدارية أحالت "س.ع" إلى النيابة العامة - لاستغلال سلطة نفوذه بالضغط على بعض المسئولين لإتمام الإفراج عن مساحة أرض للسيدة "ف.ل" داخل الكتلة السكنية مقابل حصوله على مساحة قيمتها مائة ألف جنيه - بما يعني اتهام الطاعن الذي يشغل الصفة النيابية التي أوردها الخبر والمساس بسمعته، وذلك قبل أن يتحدد موقفه بصفة نهائية, وهو مسلك ينم عن التسرع ويعد ضرباً من ضروب الخطأ الموجب للمسئولية المدنية والذي لا يشترط لتحققه - خلافاً للمسئولية الجنائية - توافر سوء النية لدى مرتكبه.
يستوي في ذلك أن تكون العبارات المنشورة منقولة عن الغير أو من إنشاء الناشر، ذلك بأن نقل الكتابة التي تتضمن مساساً بسمعة الآخرين ونشرها يعتبر كالنشر الجديد سواء بسواء، ولا يقبل من أحد للإفلات من المسئولية أن يتذرع بأن تلك الكتابة منقولة عن جهة أخرى، إذ الواجب يقضي على من ينقل كتابة بأن يتحقق قبل إقدامه على النشر من أن تلك الكتابة لا تنطوي على أية مخالفة أو خطأ، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر وأقام قضاءه برفض دعوى التعويض التي أقامها الطاعن على ما ذهب إليه من أن ما نسبته الجريدة إلى الطاعن لم يتعد نقل بلاغ الرقابة الإدارية وتقريرها إلى النيابة العامة وهو من قبيل النشر المباح، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع