خالد منتصر يكتب: رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟!

خالد منتصر يكتب: رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟!
خالد منتصر يكتب: رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟!

وصلتنى تلك الرسالة، الصرخة الموجعة من الباحث المصرى الشاب شريف أبوالحديد، الذى يعمل الآن فى إنجلترا، ويرفعها إلى رئيس الجمهورية، يكشف بها عن أن التمويل ليس مشكلة البحث العلمى الأولى فى مصر، لكنه الروتين القاتل، الذى فى ظله لو توافرت ميزانية البحث العلمى فى أمريكا لدينا، فلن نتقدم خطوة، وستضيع هباء. تقول الرسالة:

البحث العلمى هو أساس ارتقاء الدول وعماد تطورها، ومع التطور الظاهرى فى حياة المصريين، من حيث استخدام التكنولوجيا، إلا أن إنتاج مصر فى جودة البحث العلمى وتطبيقاته لم تتناسب مع بدايته، منذ إنشاء الجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة)، وتخلف تطبيق البحث العلمى فى مصر هو نتيجة مشاكل عدة، قد يتوهم البعض أن التمويل هو المشكلة الأساسية، ولكن على خلاف هذا المعتقد غير الدقيق، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى إدارة البحث العلمى وسياسته، وليس فى تمويل الأبحاث العلمية، بلغ عدد الباحثين فى مصر 125 ألفاً فى عام 2014 وطبقاً لليونيسكو، فإن 1.5 من ألف عامل فى مصر يعملون فى البحث العلمى، بينما كانت النسبة 11 فى سنغافورة، و7.9 فى أمريكا، و7.8 فى بريطانيا، أما إسرائيل، فكانت النسبة 16 من ألف عامل يعملون فى البحث العلمى، وأما عن إنتاج مصر فى الأوراق البحثية، فجاءت مصر فى المرتبة 31 فى إنتاجية الأوراق البحثية فى مجال التكنولوجيا الحيوية فى عام 2016، وجاءت إسرائيل فى المرتبة الـ41 فى العام نفسه، والمثير للجدل فى هذا أنه فى عام 2014 تم استثمار 801 مليون دولار فى 167 شركة ناشئة إسرائيلية فى مجال التكنولوجيا الحيوية، بينما كان الأمر أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، سواء كان فى الاستثمار، أو عدد الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا الحيوية، وهذا ليس بسبب التمويل فى مصر، ولكن بسبب غياب الرؤية وتدهور حالة حقوق الملكية الفكرية، والهجرة الجماعية للعلماء خارج مصر، مع وجود قوانين تمنع الباحثين فى الجامعات الحكومية من إنشاء شركات ناشئة، فنستطيع أن نقول إن إنتاج مصر فى البحث العلمى، لا يساعد فى تقدم الإنسانية، ولكنه يساعد فى التقدم للترقية.

مشكلة مهمة تواجه جميع الباحثين فى مصر فى مجال العلوم الحيوية، التى تعوق أساس التقدم فى البحث العلمى، وهى مشكلة المورّدين للمستحضرات والكيماويات أو كما أود أن أسمى هذه المشكلة.. مشكلة «شهبندر التجار»، وتكمن حقيقة هذه المشكلة فى أن الشركات الأم فى شتى أنحاء العالم تمنح لمكاتب التوريد فى مصر الأحقية فى توريد منتجاتها. ومن ثم فإن حياة الباحث المصرى تقع تحت رحمة مكاتب التوريد، دون رقابة أو هذا ما أود أن أؤمن به، تستغل هذه المكاتب حاجة الباحث المصرى للكيماويات -التى دونها لا يستطيع أن يحدث فارقاً فى البحث العلمى- وتطلب سعراً أعلى بكثير من السعر الرسمى على صفحة الشركة الأم الإلكترونية، فمثلاً قد يطلب المكتب من الباحث دفع 5000 جنيه مصرى، على منتج ثمنه 100 جنيه إسترلينى فى الصفحة الرئيسية، وليس هذا فحسب، فتوريد الكيماويات أو المستحضرات يستغرق وقتاً طويلاً جداً ما بين الشهرين والأكثر، فى ذلك الوقت يتساءل الباحث المصرى عن معنى الحياة، ولماذا يحدث هذا فى وطنه الحبيب، الذى سافر ثم عاد إليه، مضحياً بكل ما يسر القلب والعين فى الخارج، الحقيقة هى أن هذه المشكلة هى لب تدهور البحث العلمى فى مجال العلوم الحيوية، لأنه دون كيماويات تأتى سريعاً للباحث، لا يستطيع الباحث أن ينتج شيئاً، وإذا ازداد سعر هذه الكيماويات ازداد معها الحمل على كاهل الباحث المصرى، حتى يقع فى جوف الروتين الممل والتخلف الأبدى، مع الإضافة إلى عدم الإنصاف فى تحكيم الأبحاث العلمية فى مصر أو الِمنح التى يتقدم إليها الباحثون، فللأسف بعض المحكّمين لا يفقهون ما يقدم إليهم، ولكنهم يرفضون الإفصاح عن جهلهم، وإلا ضاع العائد المادى، ولذلك فإن معظم الباحثين فى مجال العلوم الحيوية، خاصة الشباب، لا يثقون فى صندوق تطوير العلوم والتكنولوجيا المصرى. ولا يثقون حتى فى جودة التحكيم على أى منحة، مصر مشاركة فيها إذا كان المحكمون من مصر. لا يجب أن نخجل من أن نطلب التحكيم الدولى.. فالخيل والليل والبيداء فقط تعرفنا، وليس القرطاس ولا القلم!

كل هذا يقتل البحث العلمى فى مصر ويسرّع من هجرة العقول المصرية إلى الخارج، وقد عانيت شخصياً من تلك المشكلات، التى كانت الطعنة الغادرة فى عقلى، وكانت السبب الأساسى للسفر إلى الخارج. سافرت بعقلى وظلت روحى فى أرض وطنى، وهذا هو حال الباحثين المصريين فى الخارج، مشتتين ما بين العقل والروح.. الوطن والعلم والتطور والإمضاءات والأختام.

فى النهاية.. قد يطيب للبعض مضاجعة الجهل، ولكن إذا رأينا الفقر والتطرف بيننا فيجب ألا نلوم سوى أنفسنا.

 

التمثال العارى يصرخ

لا تطمئنى يا جزائر

أثار تحطيم تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف بالجزائر من قِبَل مواطن سلفى غضب المثقفين الجزائريين، بل والمثقفين المستنيرين فى العالم العربى كله، فقد كان مشهد هذا الملتحى وهو يكسر التمثال بمعوله بكل انتقام وتشفٍ وكأنه يقتل تنيناً!! كان مشهداً مثيراً للغثيان والقرف والمرارة والحزن، والصدمة أن الجزائر كانت قد اطمأنت أنها قد قضت على الإرهاب بعد أن دفعت أنهار دماء، لكنهم استيقظوا أمس على كارثة أن مفرخة الإرهاب لم تعطل بعد، وأن المستنقع ما زال يُفرز عفن التطرّف، سأختار ثلاثة تعليقات من مثقفين جزائريين معروفين منهم من يعيش فى باريس مثل الكاتب الكبير واسينى الأعرج، ومنهم من يعيش فى لندن، مثل هاجر حمادى، ومنهم من يعيش فى الجزائر نفسها، مثل كمال داود، كتبت هاجر حمادى: «سلفى جزائرى يحطّم تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف، بحيث تهجّم على التمثال وهو لامرأة عارية وأخذ يضربه بالفأس، وانفجر كبته كبركان تناثرت شظاياه على سطح الحضارة، لم يتحمّل هذا المريض المعتوه الإرهابى صنماً عارياً، فبدأ يشوه الأثداء وتفاصيل الصنم على مرأى من المارة، إلى أن جاءت قوات الأمن وألقت عليه القبض..!!، لقد تكلمنا كثيراً عن هذا الدمار الفكرى وحاربناه ونحاربه يومياً، لكن الأمر لا يكفى فى انعدام رجال حقيقيين فى الجزائر ليمنعوا هذه الكارثة، ولم أستغرب كثيراً الأمر لأنّ هذا السلفى هو ابن من ذهبوا إلى أفغانستان، وشاهدوا تحطيم المجاهدين لتمثال بوذا بمباركة القرضاوى آنذاك، وحتى لو تم إعدامه فلن يفيد الأمر، لأنّ هذا الفعل مرتبط بأفكار تُعشّش فى عقول أغلبية الشعب، وتنتشر على مرأى من الدولة وهياكلها الأمنية..!!

أكثر ما آلمنى فى الموضوع هو الرسالة التى وصلتنى من دكتور نمساوى، وهو مختص بالشئون الفكرية والنفسية للمجتمعات الإسلامية، حين قال لى: «لم أكن أتوقع أن أرى تكسير التماثيل فى شمال أفريقيا العريقة حضارياً، بينما أشاهد رياح الموسيقى والفنون تهبّ على صحراء السعودية..!».

شعرت بحرج كبير لكننى صريحة ولا أحب الشعارات الفارغة وتزوير الحقائق، فأجبته قائلة «نعم، هذه حقيقة، وأضف إلى بحوثك أنّ أغلبية الشعب، أو على الأقل، أكثر من نصف الشعب، توافق على أفعال كهذه، وتحمل نفس أفكار هذا المجرم، فقط لا يملكون الجرأة كى يفعلوا مثله خوفاً من الأمن، وكذلك أضف إلى معلوماتك أنّه نفس الأمر ينطبق على بقية دول المشرق والمغرب، وحتى على معظم المهاجرين المسلمين الذين يعيشون عندكم، الأغلبية تحرّم الفنون والتماثيل والحريات وكل ما يندرج فى هذا السياق، الأغلبية تريد الخراب والدمار ونموذج الخلافة لو أتيحت لها فرصة الاختيار، فالكارثة فكرية ويتم تدريسها فى كل المساجد والمؤسسات الدّينية».

أما كمال داود فقد كتب بالفرنسية تحت عنوان: حان وقت محاربة الإسلاميين والفئران الملتحية فى الجزائر بشكل عملى، كتب ما يلى والترجمة لهاجر حمادى:

يا إلهى ما هذه المأساة، ما هذا الشعور بالعجز، وما العمل لإنقاذ البلاد والدفاع عنها!!؟، هل نحمل الأسلحة من جديد؟، هل نُشكّل ميليشيات لحماية أرضنا طالما النظام لا يفعل ولا يريد أن يفعل شيئاً إزاء الوضع الراهن!!؟؟، يجب أن نفكّر بذلك، وإلا فلنستسلم للهزيمة ولنترك لهم الساحة..!!، كيف سنترك بلادنا لهذه الفئران الملتحية، ولهذه الأيديولوجيات الخاضعة!!؟؟، لقد تجاهلنا كثيراً الوضع وأغمضنا أعيننا عنهم، فى حين هم القتلة وليس نحن..!!، لقد شعرنا بالذنب لأنهم استخدموا سلاح الدّين، وجعلوا من أنفسهم أولياء لله وملاكاً لإسلامه، وتم اتهامنا نحن بأننا خونة وغرباء..!، لن ندع أى شىء يمر مرور الكرام، علينا تقديمهم للعدالة والضغط عليها، ومحاصرة المنافقين والفاسدين منهم، ومراقبة ومهاجمة الدول التى تساعدهم وتموّلهم..!

كتب واسينى الأعرج هذا التعليق القصير البليغ الحزين:

«عين الفوارة.. القتلة مروا من هنا، النحت الرخامى الجميل فى شكل امرأة معطاءة للخير من خلال تدفق مائها وأنوثتها، أو عين الفوارة التى يتبرك بها السطايفيون الطيبون، تعرضت صباح اليوم للتحطيم المنظم من طرف شخص هيئته لا تنبئ بأنه مجنون. فقد اختار تدمير ثدييها وتشويه وجهها. من قال إن القتلة انتهوا أو خرجوا؟ إنهم يعيشون بيننا، بل فينا».