التقيا والشيب كلل لحية كل منهما
وبخطوات قوية ، متزنة ، بطيئة اقتربا وبعينان ثاقبتا النظر حدقا بمقلة بعضهما.
ارتسمت شبه ابتسامة مع تنهد سخرية واهتزاز رأس لتحية تحمل معانٍ ، فقد مر قطار العمر على العديد من المحطات
كثيرٌ هم الذين تركو العربة وكثيرٌ آخرون صعدوا صعدوا فيها.
كان الربح والخسارة كفتا ميزان تتأرجحان دائماً.
مع تلك الابتسامة وتلك التحية قيل الكثير.
فأنت وأنا يا صاحبي نعلم بأننا ذاهبان كما أتينا
وأن ما تصارعنا مع الحياة لأجله هو ليس لنا ، إلا أننا أصرينا واستمرينا وها هي السخرية اليوم عائدنا من تلك المعارك، فهل من تقيم وهل من تراجع أو ندم؟
غادرا وبقي التساؤل منتصباً ، فأطلت الحقيقة تواجه الزمن وتراكمات سنينه.
نظرت له متسائلة "وماذا بعد"؟
حملت الحقيقة على وجهها ابتسامة باردة، ساخرة بعد أن راقبت تراكم سنين الزمن وهرولة من يعيشها في البحث والجمع والطرح ثم بالتكديس والتباهي وفي أحسن الحالات بالإحسان للغير سعياً للرضاء عن النفس على أمل المردود في الآخرة.
"ماذا بعد"؟
رد الزمن المتعب من تعاقب أيامه وهرولته فيها إلى حيث تطال يده وحواسه الخمسة، رد بهدوء إنسانٍ حكيم قائلاً: أيتها الحقيقة إعلمي أنك كنت أمامي في كل لحظة لتوقفي طموحي وتحبطي من عزيمتي وتَحُدي من تطلعاتي قائلة "أنك يا إنسان إلى العدم أنت سائر وأن ما تجنيه هو ليس لك وأن سنينك معدودة".
نعم، لقد كنتي أمامي دائماً لكني دائماً كان علي أن أدير ظهري لك لأستمر وأنمو و أكتنز .
هي الحياة أيتها الحقيقة وكلاكما لا يجتمعان إلا بي
فحذاري من توبيخك الأعمى
إعلمي أني جسرٌ للحياة وعلي أنا ومن بعدي الكثيرين أن ندير ظهورنا لك لنستمر عالمين بأنك تقفين في آخر الطريق
أزيحي ذاك الشحوب عن وجهك الباهت فكلانا يعلم أننا لا نصلح أن نلتقي إلا في النهايات.