أجمل التهاني بعيد القيامة المجيد؛ لا زلنا في أفراح القيامة المجيدة؛ وكما ذكرت في العدد الماضي؛ إنني سأكتب عن ثلاث نقاط؛ أولها أحداث الصليب التي كتبت عنهاوأتمم هنا القيامة وما بعدها الصعود وحلول الروح القدس على التلاميذ.
2 _ القيامة
القيامة؛ قيامة السيد المسيح؛ الفرح لكل البشرية؛ فرح الخلاص من الموت الأبدي؛ فرح الأبدية في سماء لا يمكن لفكرنا أن يصل إلى جمالها؛ ما لم تره عين ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمحبيه؛ نعيش أفراحها كما وردت بالإنجيل المقدس. يالها من قيامة؛ كلما قرأت أو كتبت أو تأملت أحداثها؛ أشعر بأن العالم كله كان ميتا وقام؛ ولما لا؛ أليس العالم كله قام من الموت الأبدي بقيامته؛ نعم؛ إن لم يكن هو قام! هل كان العالم سيقوم ؟ ؛ أحيانا أسأل نفسي ؛ هل أنا دفعت ثمنا في هذا فداء الذي فتح أمام الجميع باب السماء والأبدية ؛ أنظر في يدي لأرى أثار المسامير بل أنظر في يد كل من يقابلني في الطريق أقول لعلي أنا خاطئ لا أستحق أن أحمل هذه الأثار ؛ ترتد عيني عن يدي وعن كل الأيادي وهى خائبة عن الحصول على نتيجة مرضية ؛ أقول لنفسي هل أصبحت في شك تلميذه توما وأقول إن لم أر الثقوب في يديه والطعنة في جنبه لا أصدق أنه قام ؛ أغمض عيني وأتخيله معلقا على الصليب ؛ تنير الإجابة عيني وكل عقلي ؛ أنت لم تدفع شعرة واحدة من شعر رأسك ثمنا لهذا الفداء ؛ مليارات الثقوب في كل يد من يديه الطاهرتين ؛ أسمع صوت الحقيقة الباهرة كضوء الشمس في الظهيرة ؛ نعمفي يديه يوجد ثقب يدك وثقوب أيدي كل العالم ؛ هذه اليد الطاهرة المقدسة تحملت كل مسامير البشر الذي رقدوا والأحياء ومن لم يولدوا بعد ولكل الأجيال القادمة وحتى قيامة الجميع من الموت في يوم الدينونة ؛ أرى في طعنة جنبه مليارات الطعنات ؛ أنهار من الماء المقدس والدماء القانية تنزف كشلالات هادرة ؛ ماء الحياة الذي غسلنا من خطيئتنا والدماء الذكية التي أعلنت الفداء ؛ ليست الخطيئة الأولى فقط ؛ لكن لكل خطيئة منذ ولادتنا وحتى رحلينا إن انتهت بالتوبة . أتخيل أحيانا أن الخيال فيما يسمونها "عجلة الزمن " حقيقة وأقول كم كنت سأدفع ثمنا لها وأنا الفقير لتعود بي إلى هذا الزمن لأرى هذا المنظر الرائع والفريد والذي لا يمكن وصفه بقلم مهما حاولت أو حاول أي أحد؛ قيامة رب المجد؛ يأتيني صوت محمل برائحة أطياب كفنه؛ صوت محمل بضحكة المحبة؛ ألم تقرأ ما قلته لتلاميذي " تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي "؛ فأجيب فورا حاشا يا سيدي أن أشك في قيامتك ؛ لكن عظمة القيامة هي التي ذهبت بي إلى هذا الخيال ؛ يعود الصوت المحمل بضحكة المحبة ؛ أعلم ؛ ولهذا أنت كتبت عنها.
نقاط مستوحاة من القيامة
***********************
1-التلميذ توما وشكه ؛ هل ألوم على توما ؛ إطلاقا ؛ بل أشكره ؛ جَسَدَ شك الإنسان الضعيف في إيمانه بشكل رائع ؛ حتى لا ألوم ضعف إيمان أي أحد الذي يمكن أن يتحول إلى قوة مضاعفة ومضاعفة إلى الإيمان القوي في لحظة تأمل صادقة ؛ التلميذ توما من المؤكد أنه هرب مع الذين هربوا عند القبض عليه ؛ أعذرهم جميعا ؛ صدمة داهمتهم ؛ هل يمكن للمعلم الذي علمهم أعظم التعاليم وبهرهم بمعجزاته التي من المستحيل أن تكون إلا لمن يملك جوهر الآب أن يستسلم لثلة من الخدم والجنود جاءوا للقبض عليه ؛ بالتأكيد لم يصدقوا أنه قادر أن يطلب من أبيه اثنى عشر جيشا ليحميه ؛ لم يصدقوا أنه سيستسلم بهذه السهولة ويذهب معهم وهم يعرفون جبروت وإجرام هؤلاء الجلادين الذين سيقع بين أيديهم ؛ لم يكن قد فهموا أو استوعبوا بعد بالرغم من أنه قالها لهم مرارا كثيرا بأن أبن الإنسان سيصلب وبعد ثلاثة أيام يقوم ؛ هربوا وفي داخلهم طعنات وليس طعنة واحدة ؛ خوف لا حدود له من أن يأتي الدور عليهم لأنهم كانوا تلاميذه ؛ ألتمس لهم العذر ؛ لأنهم حتى هذه اللحظة لم يفهموا تماما ؛ ولهذا ألتمس العذر لتلميذه توما عندما شك ؛ لكن عندما ظهر له السيد المسيح وأراه ثقوب يديه وطعنة جنبه سجد قائلا ربوني ؛ لكن السيد المسيح لم يوبخه ؛ لكن قال قولته التي يجب أن تكون فينا جميعا " طوبى لمن آمن ولم ير " .
2 - ما أجمل حديث يسوع المسيح مع مريم المجدلية ؛ المرأة الخاطئة التي أخرج منها سبعة شياطين ؛ تابت وأصبحت معه ومع التلاميذ دائما ؛ حديث الأب لأبنته عندما ناداها باسمها " يا مريم " وهي تذرف الدموع تبحث عنه في القبر الفارغ ؛ في ذلك الوقت كان قد قام من الموت وعلى وشك الصعود إلى السماء التي نزل منها ؛ لكن بساطته ووداعته ومحبته التي لا تنقص أبدا حتى لو كنا خطاه؛ ظهر لها قبل أن يظهر لتلاميذه ليثبت لنا أن الله يُسر بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بار؛ ظهر لها ليجبر بخاطرها كما نقول بلغتنا وقد أحبته محبة فائقة . بل أعطاها فرح الرسالة؛ أذهبي إلى اخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي، وأبيكم، وإلهي، وإلهكم. أقف قليلا بل كثيرا إن لم يكن بالكلمات لكن بالعقل والفكر ؛ قال لمريم المجدلية " لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي " ؛ قد يظن البعض أنه في طلبه منها عدم لمسه لأنها كانت خاطئة وحتى أن تابت ؛ بالتأكيد لم يكن يقصد هذه ؛ لأنه غفر لها خطاياها ؛ ومن غفر الأبن خطاياه فهو أصبح بريئا من كل الخطايا مهما كانت ؛ لكن أعتقد أنه كان يريد أن أول من يلمسه بعد أن أتم الفداء هو الآب ؛ يحتاج للمسة الآب أولا ؛ لتنسيه كل ما ذاقه على أيدي قساة القلوب وهو في ناسوته ولم يلجأ أبدا إلى جوهر اللاهوت ليحميه من شيطانهم ؛ يحتاج لأن يسمع صوت الآب لمرة ثالثة ( سمعها مرة عندما ذهب عندما كان في نهر الأردن أثناء عماده على يد يوحنا المعمدان ؛ ومرة ثانية على جبل التجلي مع موسى وإيليا ومعه تلاميذه بطرس ويوحنا ويعقوب ) " أنت ابني الحبيب " الذي أتممت ما أريده وأشتاق إليهكي أرى خليقة يدي آدم وحواء ونسلهما في الجنة ثانية التي أعددتها لهم قبل أن يوجدوا ؛ نعم هذا هوما أفكر فيه بالضبط ؛ يصعد إلى الآب أولا؛ ثم ينزل بعد ذلك إلى الأرض ثانية لكي يشاهده كل تلاميذه ويتلامسوا معه ومع محبته الفائقة التي بلا حدود لكل البشر ؛ من المؤكد أيضا أنه خلال الأربعين يوما بعد القيامة كان في السماء ولم يكن ينزل إلا ليثبت إيمان تلاميذه ويعدهم بإرسال الروح القدس في الخمسين ؛ السيد المسيح انتهى وجوده الأرضي كناسوت بعد أن أسلم نفسه على الصليب . قد يسأل البعض لماذا لم يظهر للذين حاكموه وصلبوه ليؤمنوا ؛ الأجابة بسيطة وفي غاية البساطة أن الذين لم يؤمنوا بأقواله وأعماله ومعجزاته لا يستحقوا أن يظهر لهم وهو في مجده ؛ الثانية هل يظهر لهؤلاء الذين دفعوا رشوة للحراس كي ينكروا قيامته ويقولون أن التلاميذ أتوا ليلا وسرقوا جسده ؛ هل يظهر لمبصرين لا يبصرون ولهم أذان ولا يسمعون ؛ كما قال عنهم ؛ ترك الموضوع لتلاميذه وكل الذين آمنوا به حتى لا يسلبهم حقهم ؛ هو أختارهم من أجل أن يبشروا باسمه ؛ فإن لم يسمعوا من تلاميذه أيضا ؛ أعتقد من وجهة نظري أنهم لا يستحقون الرحمة ؛ أقول هذا رأيي الخاص ليس تدخلا في عمله في مجيئه الثاني لأن بشريتنا لا تستطيع أن تحكم على أي انسان لأن رؤيتنا قصيرة المدى جدا بالنسبة لمن سيدين برحمته وحكمته في الآخرة .
3-عندما قام السيد المسيح لم يكن يحمل ملامح الناسوت قبل الصلب؛ لكن أيضا له شكل ابن الإنسان ؛ الناسوت الأول هو الذي مات على الصليب من أجل كل البشر ؛ هو ناسوت الخليقة الأولى التي أخطأت وحمل خطيئتها كل نسلها حتى فداء السيد المسيح ؛ ناسوت قيامته الذي تغير يقول لنا أفرحوا فأنكم جميعا عفيتم من الخطيئة الأبدية التي انتهت على الصليب فاحرصوا على ناسوتكم الجديد أن يبقى بلا خطيئة حتى مجيئه الثاني لتكونوا أبرارا أمامي وأقول لكم أدخلوا إلى الفرح الأبدي ؛ السيد المسيح ظل على ناسوته حتى لا نشعر بالغربة عنه بعد قيامته ؛وأيضا عندما يأتي للدينونة في المجئ الثاني ؛ إن كانت ملامح وجهه قد تغيرت فهو ليقول لنا أنه لم يجئ لوجه واحد لكنه أتى لجميع الوجوه التي تؤمن به .
الصعود وحلول الروح القدس.
************************
كل نبوءات العهد القديم للوصول إلى هذه اللحظة التي تقف أمامها الأزمنة تحققت جميعها ؛ تحققت بمجئ يسوع المسيح ابن الله بناسوته ولاهوته ؛ الكلمةالممتلئة بالنعمة والحق والمجد كما لوحيد من الآب ؛ الكلمة التي تجسدت بالروح القدس في أحشاء السيدة العذراء مريم وجاءت للحياة المظلمة فأنارتها بنجم ساطع في المشرق ؛ الكلمة صارا معلما ونبيا ؛ وترك ثروة لا تقدر بأي ثمن لتلاميذه وكل من آمن به من الوصايا والأعمال والمعجزات التي لو كتبت لا تسعها كتب العالم كله ؛ هذه الكلمات التي ختم بها التلميذ يوحنا بشارته التي كتبها كشاهد حق لا يخطئ لأن هذا الحق امتلا به خلال سنوات يرافق معلمه في كل خطوة ؛ ترك كل شيء وتبعه ؛ فجاءت كلماته مجسمة لكل من يقرأها وكأنها أحداث اللحظة يبهر نورها القلوب ؛ لحظة تجمعت فيها كل حياة السيد المسيح على الأرض ؛ حياة حارب فيها الشيطان وكل شياطينه الذين اتحدوا معه ليحاربوا من قيل عنه قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيل مدخن لا يطفئ وهذا القول تحول لحقيقة ورآه الجميع بعيونهم ؛ عيون جميلة قبلته وعيون شريرة رفضته وقاومت نعمته وحقه ومجده ووضعوا على ظهره صليب الموت ؛ أحداث صعبة ومؤلمة وأبن الإنسان يحمل الصليب الذي سيموت فوقه من أجل البشرية كلها ؛ لكن كل هذه الأحزان تحولت إلى أفراح الأبدية بنزوله إلى الجحيم وإخراج كل من رقدوا في الظلام إلى النور ؛ وقام ليعلن بشارة القيامة لكل البشرية وتهنئة الفداء ؛ ثبت إيمان تلاميذه وأرسل إليهم الروح القدس وكأنه يفتح كل أبواب عقولهم وقلوبهم ليقبلوا الروح المعزي الذي أوشك أن يرسله إليهم . لحظات الصعود : أشعر بعجز قلمي عن تصويرها وكيف كان شعور كل من وقف ورأى ذلك النور الذي لا يوصف وهو يصعد إلى السماء ؛ العيون شاخصة لأعلى والقلوب تكاد تقفز من الصدور حتى عجزت العيون البشرية الضعيفة عن التتبع حتى أبواب السماء التي انفتحت ليأخذه الآب في حضنه ؛ يردد والملائكة تردد خلفه ؛ هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ؛ هذا هو ابني الحبيب الذي قلت لكم له اسمعوا ؛ هذا هو ابني الحبيب الذي أثلج صدري وأزاح عنكم حكم الموت الأبدي الذي حكمت به على أبيكم آدم وندمت ؛ هذا هو ابني الحبيب الذي أحسست بخوفه وحزنه وألامه وهو يضع جسده الطاهر فوق الصليب ويردد لا تكن مشيئتي بل مشيئتك أيها الآب ؛ هذا هو أبني الحبيب الذي سيرسل لكم نبضات من الروح القدس فتنبض بداخلكم ؛ تبشرون بموته وتعترفون بقيامته وتسيرون بكل خطوات بل قفزات الفرح لتصلوا إلى اليوم الذي تشعرون بفرحة الاستشهاد لتتقابلوا ثانية مع معلمكم الذي علمكم المحبة وأحبكم وأحببتموه ؛ نعم أحب خاصته إلى المنتهى . اتخيل السيدة العذراء مريم وسط أحداث القيامة والصعود ؛ من المؤكد أن السيف الذي جاز في نفسها عندما رأت ابنها على الصليب تحول إلى سيف من النور يقشع ظلمات الأيام الثلاثة التي قضاها في القبر ؛ تتذكر كل كلمة قالها الملاك وقت البشارة ؛ تراه طفلا في حضن سمعان الشيخ وهو يتنبأ له ؛ تراه طفلا ونبية حنة بنت فنوئيل وقد وقفت تسبح الرب عندما رأته وتتحدث عنه مع الواقفين ؛ تراه أمامها يكبر في خضوع المحبة ؛ تراه في كلماته الممتلئة نعمة ؛ تتذكر معجزاته التي كانت تحفظها في قلبها ؛ والآن تراه في قيامته وصعوده إلى السماء وعلم تام أنه سيضمها أليه لتكون الشفيعة دائما لكل من يطلبها.
كم كنت جميلا يا يسوع المسيح وأنت على الأرض؛ وكم هو جمالك الآن وأنت في حضن الآب. التلاميذ عادوا معا ؛ الانبهار بصعود معلمهم يملأ كل ذرة في كيانهم ؛ كل واحد يسترجع كلماته التي قالها لهم أكثر من مرة عن موته وقيامته وصعوده إلى أبيه ؛ تشرق في رؤوسهم كلماته عن الروح المعزي الذي سيرسله لهم ؛ يعزيهم عن عدم وجوده على الأرض كما كان خلال هذه السنوات ؛ نعم يعلمون أنه معهم حتى وهو في السماء ؛ لكن ناسوته الجميل الحلو الممتلئ بالمحبة والحنان الذي اعتادوا أن يكون معهم ويوجههم في كل خطوة حتى فارقهم ؛ لكن الوعد في داخلهم يعزيهم ؛ وعد إرسال الروح المعزي ؛ الروح القدس ؛ الذي سيحولهم إلى طبيعة أخرى ؛ قوة البشارة يتحملون من أجلها كل ألم حتى ألم الصلب ؛ أنه الروح القدس المنبثق من الآب " الأقنوم الثالث "