الجلوس خلف الستائر
"ليس هناك دليل دامغ على صدق ما يقوله " رغم ذلك نحن نحب أن نتسمع له و نستلذ بحديثه الكاذب, لأنه ينبش في أمور كثيرة لا علم له بها, فقط يريد أن يحدث الفارق و يظهر في الصورة على حساب أشياء كثيرة, قد تحدّث ألمًا و جرحًا لا يشفي منه المصاب بهذه الشائعات, التي رسمها فقط ناقل للخبر الكاذب, و لأن "كلام النمام مثل اللقم الحلوة و هو ينزل إلى مخادع البطن " و لأننا نحن نفضّل الخوض في سماع مغامرات و فضائح لا أصل لها من الصحة مجرد باب من أبواب التسلية و النزهة العقلية, مثلما تنتظر الأرض العطشى رذاذ المطر, هكذا نحن النفوس العطشى لكن لست مجرد رذاذ بحسب لا بل سيول ربما فيضانات من الأكاذيب في حق الآخرين و بالأخص المعارف و الأقارب و الذين كرمهم الله, هنا نبتدع قصص و حكايات لا أصل لها, مجرد سرد فني رائع تتخلله حبكة دراماتيكية أو تراجيدية أو كوميدية, تزين قصته الملعونة, ثم إن كانت في قصته فيها بعض من الحقيقة و التي لا تشكل عشرة في المئة من الحقيقية الكلية, تجده يستمتع بسرد الأحداث الخرافية التي يمزجها بنكهة تشعر أن كلامه حقيقي لا رياء فيه,و المضحك المبكي عندما يأتي صاحب القصة أو بطل الرواية تُخرس الألسنة و تُصَم الأذان كأن شيئًا لم يكن, تسمع جملة واحدة مكررة باطلة أتمني لو تنتهي من قاموس رياءهم " لسه كنا في سيرتك بالخير عليم ربنا " ثم تتسع الحلقة من جديد يصبح بطل الرواية مستمع لقصة أخرى لبطل جديد أو بطلة جديدة.
ثم يشتكي هؤلاء من ضيق الحال, و عبوس الوجه المستمر, أخي العزيز المواطن الكريم هل سألت نفسك: كم ساعة قضيتها في مثل هذه الروايات الباطلة الكاذبة المتعفنة,أستاذي الوقور حاول فقط أن تحسب مثل هذه الجلسات, كم تستغرق من الوقت على المقاهي و أثناء العمل, المعيشة صعبة مع الكسل و الخمول و المرض, الأمور تزداد سوءً و تعقيدًا لأننا نحن نريدها هكذا, نحن فرضنا على أنفسنا أن نجلس خلف الستائر المظلمة لشهوة غريبة لا تجدي أي نفع أطلاقًا, مجرد تسلية تطوّق حول عنقك قيود عظيمة, حتى قوانين الفيزياء تقول: "لكل فعل رد فعل مساوِ له في المقدار و مضاد له في الاتجاه"أليس كذلك ما تقوله ظلمًا و باهتانًا في حق الآخرين يعاد عليك بنفس المقدار أو أكثر.
الجلوس في الأماكن المغلقة خلف الستائر المغلقة, هي الخيانة للإنسانية بكل صورها, فقط أنت تَقتل أبرياء دون وجه حق؛ عندما تخوض في أعراضهم و شرفهم بمسلسل من الأحداث خالي تمامًا من الحقيقة, عزيزي الإنسان حرر نفسك من الأوهام و الأكاذيب التي تُعيش فيها, أنت تحوي كل العيوب دونما تشعر بذلك. لأن فاقد الشيء لا يعطيه فقط مرن نفسك أن تكون حر من قيود النميمة.