إذا أردتَ أن تحكُمَ على شَعب، أى شَعب، فابْحثَ عن إدراك مواطنيه لقِيمة تاريخهم وتُراثهم الأثرى، ليس هذا فحسْب، بل ابحث عن تلك اللحظة الفارقة، التى يفهمون فيها قيمة الأثر؛ كجزءٍ من ماضيهم؛ الذى يربطهم بحاضرهم ومستقبلهم، ومن فضل الله على مصر، التاريخ والجُغرافيا والإنسان والطبيعة، ومنارة الأديان، أن منحَها مَزايَا لم يُعطها لغيرها.
وخيراً فعلت مصر حينما تقدمت بشكوى إلى "اليونسكو" ضد هذا التزييف المتعمد؛ لحماية الملكية الفكرية لآثارنا، بعد أن تأثرت حركة السياحة المصرية طوال الفترة الماضية لأسباب عديدة، ولمنع هذا "العبث" مستقبلاً، نطالب حكومتنا بالتحرك السريع؛ لمعرفة تفاصيل أخرى عن التقارير المصورة، التى رصدها الرحالة المصرى "حجاجوفيتش"، والتى تؤكد إنشاء منطقة متكاملة للمستنسخات المصرية "الأهرامات الثلاثة وأبو الهول وآثار أبو رواش" فى مدينة تشينزين الصينية، ذات الطبيعة السياحية الخلابة.
حيث تؤكد معلومات هذا الشاب الوطنى المخلص إن "الصينيين تمكنوا من جذب 15 مليون سائح سنويًا؛ لزيارة منطقة الأهرامات الصينية، موضحاً أن العاملين الصينيين فيها ارتدوا الزى الفرعونى الكامل، وفتحوا مطاعم للأكلات الشرقية – المصرية، واستخدموا الجِمال والخيل لإمتاع زائريهم، بالإضافة إلى تزويد هذه المنطقة السياحية المقلدة بعناصر الصوت والضوء؛ حتى يشعر السائح فعلاً بأنه فى مصر".....!!
وقد جاءت هذه الأخبار كالصاعقة على رءوسنا، وعلى آثارنا وسياحتنا واقتصادنا، خاصة أن هناك دولاً أخرى - كما سبق وذكرنا - مثل أمريكا قد استنسخت من قبل مدينة الأقصر، والشىء نفسه فعلته ألمانيا التى استنسخت تماثيل للملكة المصرية نفرتيتى.....!!
خبراء الآثار والسياحة أكدوا أن "حُمى" الاستنساخ التى تجتاح بلدان العالم الكبرى لآثارنا، ما هى إلا كابوسٌ مُزعج يُهدد حضارتنا، وآثارنا وتاريخنا وثقافتنا، وأيضاً يضرب اقتصادنا فى مقتل، بعد أن أصبحت بوادر الكساد الاقتصادى تنخر فى عرش صناعة السياحة المصرية؛ طبقاً لمخطط الأعداء، أثناء وبعد ما سُمى بـ"ثورات الربيع العربى" التى أذاقت مصر- وعدداً لا بأس به من دول المنطقة - ويلات الدمار والتفجير والفوضى وسفك الدماء؛ بإيعاز من رموز الصهيونية العالمية، وبيد عناصر تكفيرية - إرهابية – إجرامية تدعى – كذبا وافتراءا - الانتماء للإسلام، لكن الإسلام منها برئ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
- كيف سمح مسئولونا لدول الشرق والغرب باستنساخ تلك الآثار واستثمارها فى دعم وانعاش اقتصادهم، فى الوقت الذى نرى فيه اقتصادنا ينتحر دون أن نحرك ساكناً.....؟!، وكيف تتجاهل حكومتنا "لموقرة" حق الشعب فى الملكية الفكرية - بحسب الاتفاقية الموقعة لدول العالم فى بداية العقد الماضى، والمنبثق عنها القانون رقم 82 لسنة 2002 - دون الاستفادة من "رِيع" هذه المستنسخات.....؟!
كما أن المادة 34 من قانون الآثار لعام 2010، تمنع أى جهة من محاكاة الأثر المصرى، بأبعاد مطابقة للأصل إلا بموافقة وزارة الآثار المصرية، وهذه المادة – بكل أمانة - مادة خبيثة جدا؛ لأن بها ثغرات مشينة، ويجب أن تُعدل على الفور، بما يمنع أى مستنسخات لآثارنا، لا بالأبعاد الحقيقية ولا بغيرها، ولنضرب مثلاً بالسائح الذى سيشاهد تمثال أبو الهول المستنسخ لأول مرة فى الصين، ترى ما رد فعله حينما يرى أبو الهول المصرى بعد ذلك.....؟!، بالتأكيد سيقول:
- إن هذا الأثر يشبه الذى سبق ورآه فى الصين، ومن ثم تتحول حضارتنا الفريدة – النادرة - بفعل فاعل - إلى "مسخ" موجود فى كل مكان بالعالم، إذا ظلت قوانيننا العرجاء كما هى ولم تعدل.....!!
وهذا الكلام معناه أن الأعداء مستمرون فى مؤامراتهم بأساليب متطورة؛ تتماشى مع أهدافهم ومصلحة عملائهم الخونة المنتمين لنا اسماً، وهم بالمناسبة كُثر؛ بعدما فشلوا فى اغتيالنا بالدم والرصاص مرة، وباسم الدين مرة ثانية، وبتغيير مناهجنا الدراسية، وسرقة وحرق أمهات الكتب لعلمائنا ومفكرينا مرة ثالثة.
وذلك ضمن جريمة يندي لها جبين البشرية، عندما تم حرق المجمع العلمى بالقاهرة أثناء الفوضى التي عمت سائر البلاد ضمن المشروع الصهيوني المسمى " الخريف العربي "، وهذا المجمع من أعرق المؤسسات العلمية التي أنشئت منذ أكثر من مائتى عام، وقد ضمت مكتبة المجمع العلى 200 ألف كتاب ومجلة، أبرزها أطلس الخاص بفنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا، وأطلس ألمانى عن مصر وإثيوبيا....!!
وحتى يعرف القارئ الكريم حقيقة الأمر وما تتعرض له آثارنا، أقول له بأننى صُدمت من تصريح أحد مسئولينا الكبار فى الآثار؛ عندما ادعى أن " نسخ أبو الهول فى الصين ما هو إلا دعاية كبيرة لآثارنا، ولا يؤثر ذلك في حصيلة مصر من السياحة الأثرية".....!!، ولم يكتف هذا المسئول بذلك، بل انتقد أيضا اعتراض الأثريين المصريين على المستنسخات الأثرية بالخارج، مكرراً ادعاءه بأن "موقفهم ناتج عن عدم فهم كامل لهذا الأمر......!!، وأضاف:
- "إن نسخة أبو الهول الصينية، كانت مكسبًا لمصر من خلال زيادة أعداد السائحين الصينيين القادمين لمصر، كما نصح بعدم اللجوء لأى جهة دولية؛ لأنه طبقًا للقانون - الأعور طبعاً - هذا حقهم......!!، واختتم المسئول المشار إليه كلامه قائلاً: "أما لو تمثال أبى الهول هذا مطابق للأصل، فمن حق مصر مقاضاة الصين وغيرها دولياً.....!!، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
أصحاب الرأى الآخر من المهتمين بهذا الملف ونحن معهم بكل تأكيد، يؤكدون أن " مستنسخ أبو الهول حقق عائداً مادياً للصين يصل إلى سبعة أضعاف ما حققه أبو الهول عندنا فى الفترة نفسها ".... !!: وأن " دخل مدينة الأقصر فى مدينة لاس فيجاس قد وصل إلى80 مليار يورو سنويًا؛ لصالح الولايات المتحدة الأمريكية دون أن نستفيد من هذا المبلغ، أو العائد المادى من مستنسخات الصين وألمانيا بمليم واحد، رغم أن هذا حقنا من هذه المستنسخات حسب القانون الذى ذكرناه......!!
والسؤال الواجب طرحه هنا، هو: من الذى أعطى الأمريكان، أو سمح لهم ولغيرهم بالحصول على الملكية الفكرية لهذه المستنسخات.....؟؟!!، ولماذا تجاهلت وزارة الآثار قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 الذى أصدره مجلس الشعب للمطالبة بحقوقنا من عائد المستنسخات الأثرية بالخارج .....؟؟!!
ثم ما المانع حالياً من قيام الوزارة باستغلال إقبال زوار المستنسخات الأثرية المصرية بالخارج لصالح مصر عن طريق إقامة معارض خارجية للمستنسخات الفرعونية بدلاً من الدول الأجنبية، خاصة أن لدينا تجربة سابقة بمعرض الآثار المستنسخة فى مدينة ألمانية صغيرة تسمى "نورمبرج" زاره أربعة ملايين ونصف المليون زائر ألمانى....!!
وقد وصل سعر تذكرة الدخول للمعرض 17 يورو في حينه، أى نحو 80 مليون يورو، بما يعادل 800 مليون جنيه مصرى فى هذا التوقيت....!!، وهناك معرض آخر مستنسخ لعالم آثار مشهور يدعى أريك هورننج، لنسخة طبق الأصل لمقبرة توت عنخ آمون، ومعها ألف قطعة أخرى مستنسخة أيضاً فى بعض العواصم الأوروبية، وحقق المعرض ما يزيد على 600 مليون دولار.....!!، وكالعادة، لم تتقاض مصر مليماً واحداً، واسألوا وزراء آثارنا الأفاضل عن السبب.....؟!، ومن الذى سمح لهذا اللص باستنساخ آثارنا حتى يعرضها فى الخارج.....؟؟!
لذا أتمنى – مجرد أمنية ليس إلا - من مسئولينا فى الآثار، وصناع القرار بالدولة معا، أن يُعجِّلوا بسد الثغرات الحالية فى قانون حماية الملكية الفكرية، ومن ثم يبدأون فى التحرك لطرحه على الجهات القانونية الدولية المعنية بالأمر مثل "اليونسكو"، وغيرها حتى نستطيع إلزام أى دولة بعدم استنساخ أى أثر مصرى تحت أى ذرائع.. والله من وراء القصد.. جزء من مقالنا المنشورة بجريدة الدستور الورقية، والموقع الالكتروني بتاريخ 25/6/2016.