إدوارد فيلبس جرجس يكتب : روسيا وأوكرانيا وكشف المستور

إدوارد فيلبس جرجس يكتب : روسيا وأوكرانيا وكشف المستور
إدوارد فيلبس جرجس يكتب : روسيا وأوكرانيا وكشف المستور
وتبدو لي الحرب الروسية الأوكرانية وكأنها ثلاث صور أو كما يقال الآن " فوتو كوبي " من لوحات سجلها التاريخ أو شبيهة بها إلى حد كبير، سواء كانت هذه اللوحات تحمل المأساة أو الكوميديا السوداء أو السخرية . الصورة الأولى هو ما قام به الرئيس العراقي صدام حسين من حماقة دفعت به وبالعراق إلى الدمار ، منذ 22 عاما تقريبا أي في عام 1990 استيقظ العالم بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة وقد حُشدت القوات العراقية على حدود دولة الكويت ، وقد علا صوت الدكتاتور صدام حسين بأنه سيغزوا الكويت لأن أرض الكويت مقطتعة من أرض العراق ومحافظة من محافظاته ، ولست أعلم لماذا لم ترفع أي دولة من الدول العربية صوتها لتسأله عن مصدره لهذا الإدعاء وتركوه فريسة للغرب ليلعب معه لعبة الذئب مع الديك يوهمه أن صوته وهو يصيح رائع وجميل ليغريه ليغمض عينيه ويصيح ثم يقفز عليه ويفترسه ، نفس اللعبة لعبها الغرب مع صدام حسين وبمنتهى الخبث والذكاء مستغلا غباء الدكتاتور ليدفعه إلى حتفه بل ويأخذ معه العراق إلى الحتف ، رسم له وخطط بحنكة كخطة الذئب لافتراس الديك ، غباء الدكتاتورية دائما تنتهي بتدمير الدكتاتور وللأسف تدمير بلده وشعبه ، لقد شاهدنا عبر التاريخ الكثير من هذه الدكتاتوريات وقد تكون دكتاتورية هتلر المثل الأعلى لها . الصورة الثانية للوحة الحرب الروسية الأوكرانية هي نفس الغباء الذي أصاب الرئيس بوتن وكأنه نفس غباء صدام حسين لكن بصورة أخرى فدائما يلعب الغرب لعبته بما يليق بأي دكتاتور ودرجة الغباء المسيطرة عليه ، الغرب كان يتحين الفرصة ليلعب لعبته مع بوتن لأن روسيا قوي اقتصادها وتمتلك من الطاقة الكثير وهي المصدرة للغاز والنفط إلى أوروبا ، هذا النمو الروسي سبب قلقا للغرب وخاصة أن الرئيس الروسي أصبحت له شعبية كبيرة وأصبح من المتوقع أن ينتخبوه رئيسا دائماً ، فتحين الفرصة ليوقف النمو الروسي وآليته العسكرية المتقدمة وفي نفس الوقت يدمر الرئيس الروسي بوتن لكي لا يبقى في الحكم وقرر أن يعيد سيناريو الرئيس العراقي الذي دفعه لفعلة حمقاء عندما غزا الكويت بغمزة متوارية انساق لها ، جاءت الفرصة على طبق من ذهب عندما رغبت أوكرانيا وبتشجيع من الغرب للانضمام إلى حزب الناتو ، فحشد الرئيس بوتن قواته على حدود أوكرانيا وتغافل الغرب حتى قامت القوات باجتياح أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي وعلى الفور أطلق الغرب على هذا الاجتياح  مسمى الغزو الروسي  بينما سماه الرئيس الروسي مهمة عسكرية وكانت فرصة لقيام الغرب كله وبلا هوادة لينهش في روسيا وفي الرئيس بوتن كما حدث مع صدام حسين مع فارق القوة سواء العسكرية أو الاقتصادية بين العراق وروسيا ولا ننسى الفرق بين غباء دكتاتور وآخر . أما الصورة الثالثة للوحة الحرب الروسية الأكورانية هي مثال للرئيس الغافل ، فالرئيس الأوكراني زيلينسكي لا يختلف عن الرئيس جمال عبد الناصر الذي اعتمد على كلمات  قائد جيشه الغافل بكل ما تحمله الكلمة عن مهامه بل عن كل ما يحدث حوله ودفع بالجيش إلى سيناء المكشوفة ليحارب بجيش لا يعلم بمدى ضعفه وجهل قواته سوى الله ، أقول دفعه لمحاربة إسرائيل المتقدمة قواتها تكنولوجيا بمراحل عن قواتنا وأيضا الفرق الكبير بين الجندي المصري وقتها الذي لا يعرف سوى تأدية التحية العسكرية والخضوع كما علموه قادته الذين لا يهمهم سوى العنجهية  مقارنة بالجندي الإسرائيلي المدرب جيدا ، وفوق هذا لم يأخذ حيطته ويفهم أن إسرائيل مسنودة من أمريكا ، بالتأكيد الفارق كبير بين قواتنا وقتها وقوة الجيش الإسرائيلي ، صحيح قواتنا تملك القوة العددية ، لكن بلا تكتيك وبلا عقل وبلا قيادة واعية ، القادة وقتها لم يكن يملكون سوى لسان الجعحعة بادعاء البطولة الكاذبة فدفعوا الجيش إلى الدمار ودمار الشعب المصري اقتصاديا ومعنويا والموت الذي حصد الكثيرين من الجنود . وإذا عدنا إلى موقف أوكرانيا نجد أن الموقف مشابه جدا وفوتي كوبي من قادة هزيمة يونيو 67  ، موقف مثير للسخرية ، رئيس أوكرانيا زيلينسكي دون تفكير أو وعي وهو رئيس لشعب لا يزيد تعدداده عن 40 مليون وقوة لا تحتسب أمام الجحافل الروسية اندفع ودفع شعبه ليقاتل ثاني اٌقوى جيش عالمي . بالتأكيد هي حرب غير متعادلة على الإطلاق ، لكن الغرب صنع منه بطلا فدفعه الغرور وتصدر للحرب وهو لا يملك حتى مجرد الدفاع وعندما وجد نفسه غارقا صرخ واستنجد وطالب بتدخل الغرب وهو لا يعلم أنه مهما ساعده الغرب فإلى حدود لأن الغرب له حساباته نحو مصالحه ومصالح شعوبه وهو لا يتهور حتى لخطوة واحدة يشعر بأن فيها الضرر ، الرئيس زيلينسكي تحول لصارخ ليلا ونهارا يستجدي الغرب ألا يتخلى عنه وكأنه يدعو إلى حرب نووية عالمية ، لكن لا أعتقد مطلقا أن رأس الدجاجة الذي يملكه ينطبق على الغرب الذي يتخلى عن أقرب الأصدقاء أمام مصالحه الشخصية . هذه الصور الثلاث تكشف فعلا معنى العقل في مجابهة الأمور وخاصة عندما تكون متعلقة بحياة وموت الشعوب . لقد هاج الغرب وماج وبدأ خطته في الإيقاع بالرئيس بوتن بصفة خاصة وروسيا بصفة عامة وسارع بفرض عقوبات على روسيا تخدم مصالحه لكنها لا تفيد كثيرا الرئيس الذي تورط كالديك أمام الذئب ، عقوبات كثيرة متلاحقة وزيارات من مسئولين في الغرب إلى أوكرانيا وكلها لا تأثير لها ، عقوبات غبية منها الإستيلاء على ثروات بعض الروس أو تأميم ممتلكات لهم وكلام وأحاديث أقرب للتفاهة لأنهم جميعا أولا واقعين تحت سيطرة النفط الروسي وثانيا لأن روسيا ليست العراق لأنها تستطيع أن تصمد وترد على هذه العقوبات وقد يكون إصرارها على الدفع بالروبل بدلا من الدولار حول دفة العقوبات إلى الغرب أو على الأقل المعاملة بالمثل ، الرئيس زيلينسكس يصرخ طلبا للإنقاذ والغرب يمد له يده بحذر وبما تمليه مصالحه وهو العالم بأن روسيا لا يستهان بها وخاصة أن الصين تقف معها حتى وإن كات تلعب على الطرفين من أجل مصالحها  وبيلاروسيا تساندها أيضا والغرب يعلم جيدا ما لا يعلمه زيلينيسكي بخبرته الطائشة بأن تورطه مع روسيا يعني حرب عالمية ثالثة أو نووية لا يحمد عقباها على الغرب نفسه ولن ينجو من شرها العالم كله . كان يمكن أن لا تصل الحرب إلى صورتها الحالية لو قبل الرئيس المغرور أو الجاهل بالأمور بما يحدث حوله الصلح مع روسيا والذي سيقبله في النهاية مرغماً بعد أن يكون دمر بلده وشعبه دمارا ماديا ومعنويا ونفسيا .  إن الحرب الروسية الإوكرانية كشفت الكثير من المستور ولعل أفدح عري للمستور هو تدخل بعض الدول كوسيط للسلام وعلى مقدمتها إسرائيل ونطلق ضحكة ساخرة لقبولها كوسيط للسلام وحل النزاع ، إسرائيل التي تعرقل أي مبادرة للسلام في المشكلة الفلسطينية ، أما تركيا وقطر فحدث ولا حرج والحديث عنهما يطول في دعمهما للإرهاب . المستور انكشف وبقوة حتى وصل إلى العري الكامل للعالم كله وقد تأثر تأثرا شديدا على الأقل من الناحية الاقتصادية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية  وضرب الغلاء العالم كله في جميع السلع والمستلزمات البشرية الخاصة بكل الطبقات ، وأصبحت قضية النفط والغاز هي قضية حيوية ، يصيح الغرب بالعقوبات على روسيا وهو المحتاج إلى النفط والغاز ، التخبط واضح جدا في قرارات الرئيس الأمريكي والدول الأوربية  وحزب الناتو ، تخبط وضحت فيه الرعونة في طريقة وإسلوب فرض العقوبات التي أعتقد أنها ستنتهي بالفشل جميعها أمام قوة الدب الروسي ، ومن جهة أخرى الحرب الروسية الإوكرانية كشفت أن العالم كله بالفعل أصبح متشابكاً ، هذا التشابك فرضته الاحتياجات ، وأعتقد أن هذا التشابك يعطي اطمئنانا أنه من الصعب جدا أن يندفع العالم إلى حرب عالمية ثالثة باستخدام القوة النووية ، فلا يزال لدى القادة الكبار بعض العقل الذي يجعلهم حذرين في اللجوء إلى نقطة الفناء للجميع وأيضا قادر أن يكبح جماح هؤلاء القادة الصغار من أصحاب العقول المجوفة الذي يمتلكون هذه الأسلحة وقد يستخدمونها بفكرهم غير الموجود أصلا دون الالتفات إلى النتائج ، نعم كما نقول في الإعلام أن العالم كله أصبح كغرفة واحدة وأيضا أصبح من ناحية الاحتياجات الفعلية كسوق واحد يجب أن يبيع للجميع ويشتري من الجميع باختلاف نوع السلعة ، ولذا وفي الحقيقة أن كشف المستور يبدو واضحا عند حدوث أي مشكلة سواء كبيرة أو صغيرة  وعند كشف المستور تظهر العقول من عدمها والحكمة من عدمها ، والبطولة الحقيقية والبطولات الزائفة ومن يدعو للسلام الحقيقي ومن يمسك بالخنجر خلف ظهره ، العالم يحتاج لعقلاء إذا تعرى أحد الأعضاء وكشف ستره يسارع الباقون بستره بالعقل وليس بانتهاز الفرصة لتحقيق المصالح ، ارجو أن يكون هذا حقيقة وليس حلما أو خيال كاتب ولا يحدث العكس بأن يسارع الجميع لإزاحة الباقي من سترة لينكشف كاملا كما حدث ويحدث في الحرب الروسية الأوكرانية . في النهاية أقول أن رعونة الرئيس الأوكراني كشفت عن المستور أنه لا يصلح للقيادة كرئيس ، لأنه لم  يحرص بالفعل على جلب السلام لبلاده عندما رفض الفرصة الذهبية التي عُرضت عليه من قبل الروس ، بجعل بلاده دولة حيادية دائمة ، كما هو حال سويسرا، دولة تتمتع بكل مواصفات الرقي والازدهار دون أن تكون مضطرة لصرف معظم مواردها الاقتصادية على الماكينة الحربية والتسلح العسكري . والأهم من ذلك أن بلاده ستنعم باستقلاليتها وعدم تبعيتها لهذا التحالف أو ذاك . لو وافق على مثل هذا المشروع السلمي لكان بطلا حقيقيا ، يقتدي به الآخرون من اجل عالم يعمه السلام . لكن الرئيس “زيلينسكي” ليس داعية للسلام، بل للحرب ، حيث أصدر مرسوما يمنع رجال اوكرانيا من مغادرة البلاد ، اي عليهم ان يواجهوا محرقة الحرب رغم أن كل المعطيات تفيد بعدم قدرتهم على الوقوف أمام الجيش الروسي . أن ما حدث منذ بدء الحرب وحتى الآن في أوكرانيا لشئ مزري في الحقيقة ،  رأينا حالة الانفلات الأمنى، والفوضى والخوف والفزع يسيطر على المواطنين الأوكرانيين ، مما دفع الآلاف للفرار خارج الحدود، بينما المئات لجأوا لأنفاق المترو، والمخابئ ، ناهيك عن ارتباك شديد في المرافق العامة ، والقطاعات الخدمية، وعلى رأسها المستشفيات والمجمعات الاستهلاكية والأسواق ومحطات الوقود، واختفت السلع الضرورية، وهنا كانت المقايضة الكارثية بين الأمن والأمان والاستقرار من ناحية ، والفوضى والانفلات الأمني من ناحية ثانية ، نتيجة للتقديرات السياسية الخاطئة والمغامرات العسكرية غير المحسوبة ، ونأمل أن يعود العقل الفار لجميع الأطراف ويجدوا الحل الذي  يحافظ على الباقي من المستور وحتى لا يُنَقِب الإرهاب العالم كله حتى لا تبدو عورته كما نجح في بعض الدول !!!!!!!!!!.