د.يس العيوطي يكتب : في الخطاب الرئاسي السنوي: ماذا قال بايدن عن الشرق الأوسط؟

د.يس العيوطي يكتب : في الخطاب الرئاسي السنوي: ماذا قال بايدن عن الشرق الأوسط؟
د.يس العيوطي يكتب : في الخطاب الرئاسي السنوي: ماذا قال بايدن عن الشرق الأوسط؟
 
 
لم ينبس ببنت شفه عن الشرق الأوسط. والسبب هو تحول العالم بأجمعه عن الشرق الأوسط ومشاكله التى أغرقت العالم، شرقه وغربه، منذ عام 1945 حتى عام 2010.
سمي ذلك العام 2010 عام "الربيع العربي" ثم أتضح أن نسمات الربيع لم تهب عليه، وإنما هبت عليه صفعات خريف الغضب. فشل الفلسطينيون في رأب الصدع بين رام الله وغزه، وهرب الأخوان المسلمون الى استنبول وقطر ولندن، ولجأت الامارات والبحرين الى التطبيع مع اسرائيل، وهبطت على مصر من السماء خيرات الغاز الطبيعي فى صحرائها شرقاً وغرباً، ولم تعد هناك قناة سويس واحدة بل قناتان تتفوقان على قناة بناما.
واليوم نجد المملكة العربية السعودية تغازل اسرائيل عن طريق الإمارات و البحرين، ثم ترى فى واشنطن شراكة غير مضمونة. ذلك لأن اهتمامات واشنطون قد تحولت من البحر الأبيض المتوسط الى البحر الأسود وأوكرانيا والى المحيط الهادى لكى توقف التحدى الروسى والصيني فى العالم.
هكذا حال دنيا السياسة العالمية. أقبلت الدنيا علينا نحن العرب بسبب البترول وعبقرية المكان الجغرافي، ثم أدبرت عنا لأن القلب الأمريكي ينبض فى أوروبا وشرق آسيا وليس في غرب آسيا أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، وجاء الشعر العربي الأصيل يعزى العرب عن إهمال أمريكا لهم. فقال:
"الدنيا- إن أقبلت، باض الحمام على الوتد
وإن أدبرت، بال الحمار على الأسد"
تخلف العرب راجع الى اهتمامهم بالماضى والخلافات وإهمالهم لما يمليه واقع الحاضر.
تخلف العرب يجعلهم يرون العالم من خلال المرآة الخلفية للسيارة.
تخلف العرب يتمثل فى مواصلتهم العداء بعضهم لبعض. وصدق قول الشاعر المصرى الذى تغنت به ام كلثوم بصدد الخلاف بين مصر والسودان حين صدحت:
إلاما الخُلفُ   بينكما إلاما .. وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكمو لبعض .. وتبدون العداوة والخصاما
ولولا النيل لامصر استقرت.. على حال ولا السودان داما
مصيبة مصر الكبرى نجمت عن اهتمامنا بالشرق العربى، وإهمالنا لجنوب الوادى. أرادت الثورة الناصرية أن يكون تخليد جمال عبد الناصر زعيما للعرب، لاراعياً لأحوال وادي النيل، شماله وجنوبه. حينما طرد عبد الناصر محمد نجيب السوداني الأصل عام 1954، أعلن اسماعيل الأزهري استقلال السودان عن مصر عام 1956 رغما عن أن الاستفتاء نجم عن 8 أصوات للاتحاد ضد صوت واحد للانفصال.
غادر فاروق مصر إلى إيطاليا على ظهر "المحروسة" فى 26 يولية 1952، وغادر معه لقبه "ملك مصر والسودان" وظهر غلاف "روز اليوسف" وعليه صورة وحش اسود وتحته عنوان "الفساد يغادر مصر" الفساد جاء فى محاولات الانقلاب الناصرى المسمى بـ"الثورة" وضع كل مصائب التخلف فى مصر على أبواب قصر عابدين وقصر القبة. قالوا: "هزمنا فى الفلوجة لأن البنادق التى تسلمناها كانت تنفجر في أيدينا حين إطلاقها".كذب في كذب هزمتنا اسرائيل فى اعوام 1956، 1967 لأسباب لم يشأ محمد حسنين هيكل أن يكتب عنها فى مقالاته كل يوم جمعه وعنوانها "بصراحة" وكان يجب أن يكون عنوانها "بصفاقة".
كتب هيكل كتاب "فلسفة الثورة" لعبد الناصر واصفاً فيه ثلاث دوائر تدور مصر فيها: العرب والإسلام وإفريقيا ولكن استاذ العصر لطفى السيد باشا قال: "أقيموا الأسوار حول مصر" الثورة الحقيقية جاءت على يد محمد أنور السادات عام 1970. أعاد السادات مصر إلى أصولها، وحطم خط بارليف شرق قناة السويس بعد استعدادات طيلة سبع سنوات عن طريق استخدام ترع مصر كنماذج لاختراق القناة.
وكان العبور التاريخي فى 6 اكتوبر عام 1973 الذى جعل موشى دايان يدخل باكيا مكتب جولدا مائير رئيسة الوزراء قائلاً "لقد سقط المعبد مرة أخرى" يعنى اسرائيل.
استرد الجندى المصرى كرامة مصر والجيش لأنه كان يدافع عن تراب بلده، لاعن تراب الشرق العربي فى فلسطين. الفارق بعيد بين عبد الناصر وأنور السادات: الأول رأى المجد فى زعامته للعرب، والثانى رأى المجد فى تأكيد مصرية مصر تاركاً العرب فى الشرق لامكانياتهم وسياساتهم وحيلهم. جروا مصر الى ساحة القتال التى استهجنها اسماعيل صدقى حين دخلت القوات المصرية ارض فلسطين عام 1948 لمنع اسرائيل من القيام على انقاض الاراضي العربية.
وهنا يؤكد لنا التاريخ أن لطفى السيد باشا واسماعيل صدقى باشا هما عنوان الشموخ المصرى. أما هيكل فكان عنواناً لشموخ عبد الناصر الذى فسر الهزيمة التاريخية فى يونية عام 1967 التى كشطت اسرائيل فيها السلاح الجوى المصرى فى 3 ساعات تفسيراً يدل على عذر اقبح من ذنب. قال عبد الناصر "جاءنا العدو من الغرب وكنا ننتظره من الشرق" نسى هو، نائبه المشير عبد الحكيم عامر ماقاله الأجداد "الحرب خدعة"
وانتهى الأمر بأن صفى عبد الناصر عبد الحكيم عامر، شريكه فى الفلوجة إذ أن زعيم العرب، عبد الناصر، كان يؤمن بأن "الغاية تبرر الوسيلة".
أضاع عبد الناصر السودان، العمق الأستراتيجي لمصر حيث الأشقاء والأطيان والمياه، واتضح هذا حينما أوفد صلاح سالم الى الجنوب السودانى يرقص.
الشرق هو "باب الريح، سده واستريح" والجنوب هو باب الخير ومستقبل الأجيال، ومسيرة النيل الخالد من الجنوب الى الشمال. مستقبل أكبر دولة عربية وهى مصر فى الجنوب لا فى الشرق.
أدرك السادات هذا حينما سافر الى اسرائيل عام 1977 وتوج تلك الزيارة بمعاهدة 1979 مع اسرائيل. وعادت مصر الى أحوالها الداخلية ومستقبلها مع السودان. ولكن الفلسطينيون راوا فى تلك التطورات فقدانهم للأعتماد على مصر التى تحملت من أجلهم فوق طاقتها.
وحينما أستشهد السادات فى اكتوبر عام 1981، رقص الفلسطينيون على انغام بوركت اليد التى شدت الزناد. فرحوا بمقتل رئيس مصر التى لم يقتل فيها رئيس من قبل ذلك بحوالي 700 سنة. ذلك لأن الزعامات الفلسطينية تمارس الفساد والتربح الفاحش من القضية. زعامات تؤمن بدفع مصائبهم الى مصر، بدلاً من الإيمان بوجوب رأب الصدع بينهم. هناك فلسطين رام الله، وفلسطين غزة. هما دولتان فى الشكل فقط. يشجعون العون الأجنبى لهما دون الإعلان عن ميزانيتهم لكى يخفوا سرقاتهم لقوت الشارع الفلسطيني.
وكان من الطبيعي أن تقلد الأمارات والبحرين ماقامت به مصر والأردن من تطبيع العلاقات مع اسرائيل. صاح عباس من قصره "هذى خيانة" وهى صيحة رجل رأى فى لقبه "رئيس فلسطين" الخير كل الخير وليس له حق الفيتو على قرارات سيادية عربية .ليت عباس كان على شاكلة الزعيم الأفريقي مانديلا. ولكن الجهاد من أجل رفعة الوطن ليست من أولوياته. ولذا تستمر الانقسامات الفلسطينية بين رام الله وغزة وهى انقسامات تتناسى أن الصهاينة يقبعون على صدروهم غير خائفين من اية انتفاضه فى الداخل لأن الداخل يرى فى استمرار الوضع تأمينا لاستمرار تضخم أموالهم فى البنوك الأجنبية.
على مصر أن تؤكد اهتمامها بالجنوب، وألا ترى فى الشرق إلا مشاكل من صنع عرب الشرق بإستثناء الأردن والسعودية.
دوامة من الأمواج تدور وتدور وتدور دون نهاية وحينما أحس العالم بأن تلك الدوامة لافائدة منها تناسى الشرق الأوسط وجاء الخطاب السنوى الأول عن حالة الأتحاد على لسان جوزيف بادين لتؤكد هذا النسيان بحذف أي كلمة عن الشرق الأوسط من ذلك البيان التاريخي.
أكد ذلك البيان تفوق الديمقراطية على الديكتاتورية. ومصادرة أموال بوتين وأعوانه، والمحافظة على سلامة وأمن كل الراضي الداخلة فى إطار الناتو NATO وعودة أمريكا الى التصنيع، ودرء خطر التمدد الصيني، وخلق الوظائف في أمريكا.
أكد الرئيس الأمريكي أهمية إعادة تحديث البنية التحتية بما في ذلك انشاء او تجديد 65000 ميلاً من الطرق السريعة والكبارى، وتصنيع الاليكترونيات بدلاً من استيرادها من الخارج وأشار بخلق 370 الفا من الوظائف الجديدة وبضرورة القضاء على جائحة كوفيد والسرطان وتخفيض نفقات الانتاج لاتخفيض الاجور، ومقاضاة شركات الأدوية التى تبالغ فى أسعار منتجاتها.
وصف بايدن كل هذا تحت عنوان "برنامج إنقاذ أمريكا" America’s Rescue Pln " وأدخل فيه فرض ضرائب أكثر على الشركات الضخمة، ومحاسبة نقل الشركات الى الخارج بدلاً من تدريب الأمريكيين فى الداخل ، ونادى بشعار "صنع فى امريكا" 
وقال أن الرأسمالية المتنافسة ليست استغلالاً بل تشجيعاً على تحسين المنتجات وأضاف ان التدريب على تطوير المهارات أفضل من الشهادات.
وهاجم القائلين بخفض ميزانيات الشرطة، وانحاز الى زيادتها لتأمين الشرع الأمريكي. وقال بفحص خلفية المواطن حين شراء مسدس أو بندقية. ولذا دعا بغير كلام الى حذف النص الدستوري على شرعية امتلاك الفرد للسلاح.
ثم أثار قاعة الكونجرس بمن فيها من نواب وشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالمناداة بوجوب احترام وممارسة الحق فى الاقتراع والترشيح وذلك بحسب "قانون حرية التصويت" Freedom To Vote Act.
وهنا هاجم تدفق التمويل على المرشحين لشراء الأصوات قائلاً "سوف نحقق فى أمر هذا التمويل". ولهذا خلفية خطيرة إذ كانت المحكمة الأمريكية العليا قد اشارت الى أن للمال مثل ما للفرد من حرية التعبير، وذلك فى القضية الهامة بعنوان "المواطنون المتحدون" Citizens United من أسوأ قرارات تلك المحكمة ذات الشأن الشامخ فى حكم أمريكا.
ويرى بايدن اهتمامه بالصحة العقلية لقدماء المحاربين وخاصة الذين عادوا من ميادين القتال فى أفغانستان والعراق. وقال إن السوشيال ميديا سوف تحاسب على ماتنشره ذلك لأن عهد ترامب شهد استخدام تلك الوسائل لنشر الأكاذيب التى دستها روسيا فى الداخل الامريكي المفتوح أمام كل المصادر وكل الآراء.
ثم هنأ احد قضاة المحكمة الامريكية العليا، ستيفين براير على خدماته للعدالة والقضاء طيلة خدماته التى توشك على نهايتها بتفاعده. وكنت ضيفاً على هذا القاضى العظيم فى مبنى المحكمة فى واشنطن. دعانى منذ اعوام لزيارته وأحضر معه ابنه وابنته وأخذت الصور التى تزين مكتبى إلى الآن. وقال لى "مش عيب عليك ألا تزور هذه المحمة التى أنت عضو بنقابتها؟" واعتذرت بالعذر العربي الشهير "مش عايز اشغلكم" وابتسم مقدماً لى فنجان الشاى وقال: "أنت لست صريحاً فى هذا القول" وابتسمت فى خجل.
أشار بايدن بيده إلى القاضى براير ليقف لقبول تهاني الكونجرس. وهنا وقفت وحدى فى حجرة مكتبي بمنزلى بضواحى مدينة نيويورك، لأحيي أحد عظماء القانون والعدالة فى امريكا الذى احتضنى فى مكتبه وشجعنى على متابعة جهادى فى سبيل سيادة القانون، ولم لا؟ نحن المهاجرون الى امريكا من مصر علينا أن نسهم فى أرض الهجرة بكل مانستطيع إعلاءً لشأن مصر فى الخارج غير منتظرين جزاء ولا شكوراً ولا أوسمة ولا القاب سوى أن يقول التاريخ عنا "أفادوا بهجرتهم وطنهم الأم، مصر الخالدة".
لم يذكر بادين "الشرق الأوسط" في بيانه السنوى عن "حالة الاتحاد" ولكننا نحن ذوى الأصول فى مصر نذكر الشرق الاوسط كاطار واسع، كالسرادق الكبير الذى يقام فى المناسابات لإحياء الذكريات عن الأحياء والأموات.
هذه مهمتنا وهذه رسالتنا بما فى ذلك تعليم الأجيال الجديدة لمهاجرى أمريكا اللغة العربية، لغة الأم، لغة الوطن، هى الرباط الذى يضم العرب جميعا من المحيط الى الخليج.
وليت جامعة الدول العربية تعكس هذا الحال. هي فى الواقع جامعة الدول الناطقة بالعربية" ومسميات الأسماء هى استذكار للتاريخ والتراث. ولن ننسى أن "ميراثنا هو تراثنا" وكما قال أحمد شوقي:
"تلك آثارنا تدل علينا.. فانظروا بعدنا لإلى الآثار" ومن أهم آثارنا أن مصر قدمت لنا التعليم بالمجانية!!
وهذه هى خطبة الاتحاد التى نحفظها عن ظهر قلب!!