ياسر حمدي يكتب : من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟

ياسر حمدي يكتب : من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟
ياسر حمدي يكتب : من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟

الكل يتحدث عن جشع التجار، لكن أين هي الجهات الرقابية في مصر المسؤولة عن ذلك؟ فمباحث التموين وجهاز حماية المستهلك هما الأهم في الرقابة على محتكري السلع وحائط الصد الأول ضد جشع التجار المتلاعبين بالأسعار، وللموضوعية أختفى هذا الدور الرقابي بدليل تفاقم هذه الأزمة في وقت مبكر عن باقي الدول.
لكن الحقيقة المؤكدة فإن إنفجار الأسعار بهذا الشكل المبالغ فيه تتحمل مسؤوليته الحكومة بدرجة كبيرة، نظرًا لغياب دورها الرقابي والتشريعي الرادع لكل من تسول له نفسه إحتكار سلعة أو تخزينها أو يمتنع عن طرحها بالأسواق، وإن كان هناك قانون يجرم ذلك وفقًا للمادة 71 من قانون حماية المستهلك، والمادة 354 من قانون العقوبات، لكن عقوبة الجشع والإحتكار غير رادعة والدليل ما حدث من إرتفاع مغالى فيه لأسعار السلع في مصر.
وللموضوعية الزيادة الجنونية في أسعار كافة السلع الأساسية والغذائية ليس فقط في مصر وحدها، ولكن في جميع دول العالم وبلا أستثناء، نظرًا لحالة التضخم في الإقتصاد العالمي، بسبب ما خلفته كورونا من أثار سلبية على كافة الأسواق العالمية، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من إرتفاع غير مسبوق لكل المنتجات البترولية والمحروقات وغيرها من مصادر الطاقة المختلفة وبعض الحبوب والسلع الأساسية.
وللموضوعية أيضًا فإن حكومات كل دول العالم باتت عاجزة أما حالة التضخم العالمي في كل الأسواق نظرًا للغزو الروسي لأوكرانيا، فقد إرتفع سعر البترول لأعلى مستوى له وسجل 135 دولار، مع زيادة أسعار الزيوت، والقمح، والذرة، وغيرها من أسعار السلع الغذائية الأساسية، وجميعها نتيجة حتمية للحروب، ومع زيادة حدة التوتر بين الروس والأمريكان بسبب الحرب وفرض العقوبات تزيد الإقتصاد العالمي سواءً، وبالتالي تتأثر معه الأسواق الناشئة بشكل أسوء عن الأسواق الكبرى المتضررة بالسلب هي الأخرى.
والطبيعي فإن مصر كغيرها من باقي دول العالم ستتأثر سلبًا بما يحدث، خصوصًا وأن السوق المصري من الأسواق الناشئة، مع العلم أنه بدأ في التعافي بعد عملية الإصلاح الإقتصادي، لكن لسوء حظنا كورونا بأثارها السلبية والغزو الروسي لأوكرانيا زاد الطين بله، وللموضوعية فإن التضخم العالمي سيؤثر تأثيرًا بالغاً على الإقتصاد المصري، وعلى الرغم من ذلك كله فلن يعفي ما سبق الحكومة من مسؤوليتها تجاه الإرتفاع الجنوني للأسعار، لأنه من الطبيعي أن يكون لديها خطة بديلة وشاملة لمواجهة الأزمات والكوارث التي تطرأ عليها فجأة.
كما أن دورها الرقابي الهش جعل محتكري السلع يتحكمون في إرتفاع الأسعار، من ما يزيد من جشع التجار، وهذه ليست المرة الأولى فمع كل أزمة يتصيد محتكري السوق برفع الأسعار، فهل من المعقول أنه في يوم وليلة يرتفع سعر رغيف العيش السياحي لأكثر من 50%، ويصل سعر طن الدقيق من 6500 جنيه إلى أكثر من 11000 الف جنيه، وغيره من باقي السلع الأساسية التي زاد سعرها لأكثر من 50%، إلا إذا كان هناك أيادي خبيثة لا يسيطر عليها إلا الجشع، وهذا يحمل الحكومة مسؤولية أكبر، ووجب عليها فرض سيطرتها على السوق من خلال تطبيق القوانين الرادعة التي تحكم العلاقة بين رجال الأعمال في ظل النظام الرأسمالي والدولة حتى لا تتكرر واقعة جشع التجار مرة أخرى.
في النهاية، لا أحد يعرف سببًا محددًا لإرتفاع الأسعار: هل هو بسبب جشع التجار نتيجة ضعف الرقابة على الأسواق؟.. أم بسبب إرتفاع الأسعار العالمية؟.. أم بسبب إرتفاع أسعار الخامات المستوردة والشحن نتيجة الحرب؟!.. ويبقى السؤال: كيف يمكن مواجهة ظاهرة انفلات الأسعار؟.. والخلاصة فإن زيادة الأسعار في مصر مبكرًا بهذا الحد وكأن روسيا ضربت القاهرة وليست أوكرانيا، مع العلم أن وزير التموين ورئيس الوزراء أكدا على أن المخزون الإستراتيجي من السلع الأساسية يتخطى الثمانية أشهر، وهذه المدة مطمئنة جدًا، أكاد أجزم أنه يرجع لجشع التجار مع غياب الدور الرقابي للدولة، وعدم سيطرتها على الأسواق، الأمر الذي يفرض على الدولة ضخ السلع الأساسية بالمجمعات الإستهلاكية بأسعار مخفضة، مع إنشاء منظومة إلكترونية بين الجهات الرقابية لمحاصرة المتلاعبين بالأسعار ومواجهتهم بحسم.
وضرورة تكثيف الحملات على الأسواق بجميع المحافظات، ولابد من تعديل التشريعات لمواجهة المحتكرين وضبط الأسواق، مع طباعة أسعار السلع على عبوات المنتجات، بالإضافة إلى تحديد هوامش ربح وسعر عادل للسلع الأساسية فلا يوجد شيء أسمه سوق حر فيما يتعلق بالسلع الأساسية (دقيق وسكر وزيت وأرز ولحوم وخبز، وغيرها من السلع اللازمة لمعيشة المواطن)، فلابد من تحديد هوامش ربح خاصة بها ولا تترك لهوى التجار، مع العلم أن السوق الحر لا يتعارض مع تدخل الدولة لتسعير هذه السلع التي يصل حالياً أرباح بعض التجار منها إلى أكثر من 300% وهو أمر غير موجود في أي دولة رأسمالية على مستوى العالم.