تعتبر الرشوة من أخطر الآفات التي تصيب أيّ مجتمع من المجتمعات في هذا العالم لأنها تضر جهود التنمية والإصلاح وتضر حقوق المواطنين ، وللاسف الشديد هناك موظفون فاسدون جشعون غابت عنهم ضمائرهم واستحلوا المال العام.
وتبذل الجهات المعنية بالدولة مجهودات مضنية لضرب أوكار الفساد وحماية مقدرات الدولة وحقوق المواطنين.
الرشوة معناها متاجرة الموظف العام بأعمال وظيفته من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ تتمثّل في الكسب غير المشروع من الوظيفة، على حساب المصلحة العامة. عن طريق الطلب أو الأخذ أو قبوله لنفسه أو لغيره عطية من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يعد من أعمال وظيفته أو الاخلال بواجب من واجباتها.
وأن الرشوة من جرائم ذوي الصفة الخاصة في القانون لأنها تفترض في مُرتكِبها صفة خاصة لا تقوم الجريمة بدونها؛ وهي: كون المُرتشي موظفاً عاماً مُختصاً بالعمل الذي تلقّى الرشوة للقيام به، وبناءً على هذه الصفة المُفترَضة، تعدّ جريمة الرشوة، كذلك، من جرائم الوظيفة العامة في مصر.
ويعد في حكم الموظف العام وفق صريح نص المادة 111 من قانون العقوبات.
1-المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها.
2-أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أم معينين.
3-المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون.
4-كل شخص مكلف بخدمة عمومية.
5-أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.
حيث إن جريمة الرشوة لا تتم إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشي والمرتشي أو الوسيط بينهما في ذلك.
أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته ، ويستفاد ذلك من نص المادتين ١٠٣ ، ١٠٣ مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة ، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد ، وكان الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه ، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.
جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق، ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف، وما دام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركنًا في الجريمة، ولأن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقًا للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء.
المشرع قد نص في المادة ١٠٤ من قانون العقوبات - التي عددت صور الرشوة - على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف ومن في حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته فكل انحراف عن واجب من واجبات الوظيفة أو الامتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة ، ومن المقرر أنه لا يلزم في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .
ويتوافر القصد الجنائي في جريمة الرشوة بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو إستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الإمتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وأن العطية إذا قدمت للمتهم تنفيذاً للاتفاق السابق الذى إنعقد بينه وبين المجنى عليه لقاء اقتراف جريمته فهذا مما يتحقق به معنى الاتجار في الوظيفة ويقوم به القصد الجنائي.
ولأن جريمة الرشوة جريمة خفيه نص القانون علي حالات للإعفاء منها حتي يتم كشفها ، حيث تنص المادة ١٠٧ مكرراً من قانون العقوبات علي أنه "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها" ومفاد هذا النص أن إخبار الراشي أو الوسيط بالجريمة، وكذا اعترافه بها. صنوان في تحقيق العذر المعفي من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر في ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، وعلة هذا الإعفاء هي أن الراشي - أو الوسيط - يؤدي باعترافه أو بإخباره على السواء - خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذي ارتكابها وتسهيل إثبات الجريمة عليه.
إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فالقانون لم يشترط له أي شرط بل جاء لفظه فيه مطلقاً خالياً من كل قيد زمني أو مكاني أو كيفي فلا يجوز أن يضع له القاضي قيوداً ، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أي أمر آخر.
اما إذا حصل اعتراف المتهمين بالجريمة لدى جهات التحقيق ، ثم أنكروا التهمة أمام المحكمة ولَم يعترف بها، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره.
عقوبة جريمة الرشوة السجن المؤقت، وغرامة لا تقل عن مئة الف جنيه مصري ولا تزيد عن مبلغ الرشوة، وفي جميع الأحوال مصادرة مبلغ الرشوة.
وقد أكدت المادة 108 عقوبات إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون.
وتنص المادة 108 مكرر كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشي أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به وذلك إذا لم يكن قد توسط في الرشوة.
وتؤكد المادة 109 مكرر عقوبات أن من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام، فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين او غرامة لا تجاوز مائتى جنيه.
وتنص المادة 109 مكرر ثانياً عقوبات "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول..".
لمحاربة الرشوة لابد من نشر الوعي بين أفراد المجتمع: للتوعية الكاملة بأضرار الرِّشوة بآثارها الخطيرة على الفرد ذاته وعلى مجتمعه من خلال وسائل الإعلام أو المدارس أو الجامعات ودور العبادة ، الاهتمام بتعيين الموظف المناسب في المكان المناسب وجوب المُساواة في التعامل مع الجميع، ولم يُفرق بين أحد عند وقوع جريمة الرشوة ويجب مواجهة تلك الجريمة بكل حزم وفقاً للقانون ، تسهيل الإجراءات المُتبعة في المعاملات في المصالح الحكومية والميكنة إحدى طرق الحد من تفشي الرشوة في المجتمع ، العمل على تحقيق التوازن الاقتصادي وعدالة توزيع الثروات بين أفراد المجتمع: إنَّ توزيع الحقوق على أصحابها دون أي مُحاباة ، وتحقيق العدالة والحيادية من الأمور الهامّة في التّخلص من الرشوة بشكلٍ قاطع.