كانت الأمور طبيعية جداً , إلى أن وقع صوت الانفجار , الذي هزَّ أرجاء المكان ذهبتُ مسرعاً نحو الصوت , لكن لَم أهتديِ إلى مصدره كان الوقت ليلاً أظنه تخطى منتصف الليل بقليل , ذهبتُ يميناً و يساراً و لَكن لَم يكن هناك أي شيء يدل على وقوع انفجار أو حريق و كأن شيء لَم يحدث أبداً عدتُ إلى منزلي و أنا في قمة الأندهاش و حاولت النوم مرة أُخري و لكن دون جدوى , ساعة واحدة أظننى فزُتُ بها طوال الليل , قمتُ من فراشي و أنا أعاني ألماً شديداً في الرأسِ من التفكيرِ طوال الليل و لكن ذهبتُ لأخذ حماماً ساخناً ثم كوب شاي و أخيراً الأفطار , لَم يفارقني أبداً صوت الفرقعة و الانفجار القوي ليلة أمس و المدهش لَم أرى أحد من الجيران يستطلع الأمر مثلي . أرتديت ملابسي و خرجتُ إلى الشارع الواسع جداً هكذا هي شوارع المدن الجديدة و أشتريت الجريدة و سألت بائع الجرائد عن سبب الانفجار لعله يعرف شيء فهو دائم الوجود في الكُشك ليل نهار , أخبرني أنه لا يعرف شيء . عُدتُ إلى البيت و بقيتُ بضعة دقائق أنتظر, نزل أحد الجيران و بصحبته زوجته و سألته أيضا غضب مني جداً و ربما ظن أني أُعاكس زوجته أو متطفل ثقيل الدم , سَمعته يقول لزوجته بصوت مسموع (هو كان في حاجة إمبارح , أنا زهقت منه و دا راجل ...........
و حزنتُ جداً فلماذا هكذا ينعتني؟
صعدت إلى شقتي و كلي حزن و ألماً شديد للرد القاسي و عدم معرفة مصدر الصوت ؟
طرقتُ باب جارتي , كانت سيدة أنيقة جميلة رقيقة و فاضلة هي الوحيدة التي تهتم بي و كثيراً ما تنهي الخلاف بيني و بين جيراني .
سألتها عن سبب الهزة العنيفة و الانفجار العظيم صمتت , قالت لي لا عليك تعال و أستريح . أعدتُ عليها السؤال مرة أخري , هل رأيتِ أو سمعتِ شيء ليلة أمس هزت رأسها بدون كلامِ وأمسكت يدي و ربتت على كتفيِ و قالت لي ( تعالي يا سيدي واسترح لا تخف ) كررت السؤال هذه المرة بعنف وعصبية , لماذا أنا هكذا . نزلت دموعها من عيونها دمعة تلوى الآخرى حاولت ضمي إليها رفضت و نهرتها و رحلت . خرج أبنها الكبير على صوتي العالي و كان يرمقني بعنف و نظرات حادة أشعر فيها مرارة شيء مجهول . لكن لماذا هَكذا يرمقني ؟ حاولت أمه جذبي للداخل تركتها و إلى شقتي ذهبتُ .
دخلتُ بيتي و فكرتُ كثيراً و داخلي أفكار مشوشة كثيرة لَم أعد أنظم أفكاري أصابني شلل دماغي مفاجئ . أعددتُ فنجان القهوة حاولت أن أعيد ترتيب أفكاري من جديد ِ أيهما الأول صوت الانفجار أم وصول الخطاب أم مشاجرة مع جاري أم طردي لشاهد الإثبات أم وصول قفص التفاح كلها تداخلت مع بعضها البعض . و لا سبيل لتنظيمها ,
لم يشغل بالي سوى صوت الانفجار هذا ومن أين جاء ؟ تتوه أفكاري من جديد هكذا كل مرة .
طرق جرس الباب دخلت الفتاة المبتسمة الجميلة بنت جارتي الجميلة التي أحبها جداً هي الوحيدة التي تأتيني كل يوم تُحضر معها كل الأطباق الجميلة من عند أمها الجارة الجميلة الرقيقة التي دائم الاحتكاك بها و دائما تصفح عني .
لكن الغريب في هذه البنت لا تستغربني أبداً تلعب في كل أرجاء البيت , كأن البيت بيتها تلعب هنا و هناك و تنام على أريكتي المفضلة أجري خلفها تسبقني ,لا أستطيع الوصول إليها فهي الأرشق و الأخف و خلف جدران غرفتي تختفي , أين هي لا أجدها؛ من أي سرداب هي تهرب و في كل مرة أقلق عليها جداً لا أستريح إلا عندما أراها تختبئ عند أرجل أمها , قد وصلت. يبقى شيء خطير لماذا لَم ترحل من باب البيت ؟ لماذا تبخرت خلف الجدران ؟
و كان قلقي عليها هو من يرحمني من التفكير في أموري الكثيرة التي لا تنتهي و لا تترتب أبداً , يختلف الآمر كثيراً بين أبناء هذه الجارة من الطفلة الصغيرة عن أختها الكبيرة عن أخيهم الشرس . أحيانا ما أخاف منه على العكس من شقيقته الكبرى دائما تبكي كلما تراني هي و أمها فلماذا؟
أنا لا أعرف و لكن أشكر الله على هؤلاء الجيران الطيبين يهتمون بي كثيراً و ذات مرة خرجتُ إلى الشرفة و قد شرعت أُشعل سيجارة كانت الصدفة الجميلة حيث وجدتُ جيراني كلهم أيضا بشرفتهم فى الناحية الأخرى و البنت الصغيرة تلعب تملأ الدنيا فرح وسعادة عندي وعندهم , هذا الفتي الوسيم الكاره لي لأول مرة يبتسم و أن لًم تكن لي هذه الأبتسامة و الصبية الجميلة تنظر إلىَ نظرات عطف أم شفقة , ربما كانت أعجاب لا أدرك المقصود منها إلا رغبتي في متابعتها ,كان ما يسترعي انتباهي طوال الوقت تلك النظرات الشاردة للبنت الكبرى , كلما تراني تزيد النظر إلى و تحملق أكثر و أتوه أنا معها ؟
و كانت تبكي و تدمع عندما أطيل النظر إليها ثم ترحل . لَم تكن تدخل عندي أبداً مثل أخيها كثيراً ما يأتي عندي و يقطع نومي أو خلوتي متحججاً بالطبق أو التلفاز و لا أعرف السبب ؟
و لكن أُمهم الغادة الحسناء أجهل تماماً سر اهتمامها بي ؟
كنت أخجل منها جداً و لكن أراها لا تستحي مني أبداً و يمكن أن تفعل أي شيء أمامي بدون حذر أو خجل فرأيتهاذات مرة تخلع ملابسها أمامي بدون أي حياء و هي تراني أشاهدها من من خلف نافذتي و لَم تفعل أي شيء كأني لَم أكن على الرغم من أنها المشهود لها بالأخلاق و الأدب و دماثة الخلق .
لَم لا أستحق هذا الإعجاب , لَم لا والصفات الحميدة كلها امتلكها (وسامة رقة ذوق و أناقه ذكاء و شخصية )
أه و لكن رغم كل هذا أعيش وحيداً مغترباً في هذا العالم الباهت الضيق الرتيب الكئيب الممل و لكن أليس هناك نهاية لهذه الحياة المريرة ؟
تمر الأيام و السنون و الساعات أطول من كل الأوقات الغابرة و لا يؤنس وحدتي إلا هذه الطفلة التي حزنت جدا يوم عرفت أنهم سوف يقضون الأسبوع القادم كله عند جدهم , كيف لا أراها طوال هذه الفترة ؟
هي ينبوع حياتي و مصدر ضحكتي , رحل الجميع صرتُ وحيداً أين الجميع لَم يكن لي رفيق سوى سيجارتي و فنجان الشاي أو القهوة , أسهر حتى الفجر تشتعل رأسي من ضجيج الأفكار و الهموم و أعود مرة أخري مرتبكاً .كانت كلها متزاحمة فوقها فوق بعض كسلة ديكارت المليئة بالشكوك تدور سريعاً هي ساقية لا تعرف الأستراحة كثور يحرث في البحر نعم مرة بعد مرة تضيع الأفكار مني , لا أجدها أضرب الأرض بقدمي , أبكي و لا أحد يمسح دمعتي , أندم و لا أعرف سبب الندم سوى شعور بالذنب يطاردني . جاءني صوت غريب أختلفتُ في تحديد مصدره من أين يأتي ؟ من الداخل أو من الخارج و قد قال لي ( أخبرني لماذا أنت هكذا ؟ ) وطالبني بأن أعيد تنظيم أوراقي و أعيد ترتيب مهام حياتي و الحياة تحتاج إلى حب و عطاء بذل وتضحية هي طويلة و قصيرة ليست كلها للعب و اللهو و لا نعيشها في الجد و العمل كلها .هناك من لهم الحق و أن أردت أن تعرف أكثر أنظر هناك....................
اهتزت أرجاء البيت أصابتني لعنة الصوت . بحثت عن مصدر الصوت تركتُ كل الأشياء الجميلة النور و الحب الجمال و البهاء الخضرة والبحر الوادي والنهر الرمل و الصخر . أسرعت كالمجنون إلى حجرة نومي فتحتُ خزانتي و أسقطتُ كل أغراضي و حطمت سريري إلى أجزاء و إلي مكتبتي بحثتُ داخل كل الكتب و لَم أجده و مزقت كتبي . إلى حجرتي أطفال جارتي دخلت و حطمت أثاثها , كسـرت كل أغراضهم و حتى دميات الطفلة الجميلة
قطعت رؤوسها دخلتُ إلى حجرة جارتي أيضا كسرت كل ما فيها حتى جذبتني صورة استغربت منها جداً وجدتُ صورتي و برفقتي جارتي الغادة الحسناء؛
في الصورة كنت أعانقها واطبع قبلة مصنوعة علي مفرق جبينها وما هي إلا دقائق حتى هجم على أصحاب البيت و قفزت الطفلة الصغيرة أعلي هامتي و خلفها أمها و أشقائه و هي تهزني بقوة و تصرخ بكلمات حنونه ما إن سمعتها حتى سقطت على الأرض وهي تدور من حولي كدوامات البحر بدون نهاية