أمينة خيري تكتب: الجمهور عايز كده!

أمينة خيري تكتب: الجمهور عايز كده!
أمينة خيري تكتب: الجمهور عايز كده!

ما إن قرأت خبر وفاة الفنانة الجميلة دلال عبدالعزيز حتى أيقنت أننا مقبلون على حرب. أجيال جديدة من الزملاء الصحفيين واقعة تحت شقى رحى «الترند» من جهة و«الجمهور عايز كده» من جهة أخرى. كتبت بدورى تدوينة تقول: «يا رب الزملاء الأعزاء الصحفيين والمصورين يخِفّوا شوية الصراع من أجل السبق الصحفى وتصوير المكلومين والمُعزِّين، ومين جه لابس إيه ومين ماجاش. قليل من الرحمة لا يضر».

وقد حدث ما توقعه كثيرون، فقد غزا مكان الجنازة والدفن والعزاء زملاؤنا الأعزاء وأبناؤنا وبناتنا من الصحفيين والمصورين، وبعضهم يقوم بالعملية، وغالبيتهم العظمى من الشباب أمل مصر وبناة مستقبلها. وبالطبع جرت رياح وداع الفنانة الجميلة بما لا تشتهى سفن المهنية من جهة والرحمة والإنسانية واحترام رهبة الموت من جهة أخرى. ويمكننى الدخول فى نقاشات حول معايير الخصوصية وقواعد السبق وأصول صناعة «الترند».

وحيث إننى لا أنتمى إلى النوع المتحجر، فإن تغيرات الحياة والصحافة والثورة الرقمية والعوالم الافتراضية تحتم علينا التحديث والتطوير. لكن فرق شاسع بين التحديث والتطوير من جهة، والتطويع والتفصيل من جهة أخرى.

تطويع الأخلاق والسلوك وألف باء الرحمة لتناسب مقاسات الترند والترافيك هو أشبه بما يفعله تجار الدين من الضحك على الذقون بالذقون. وتفصيل قواعد العمل الصحفى لتتناسب مقاساتها ورغبات «الشباك» أو الجمهور يُدخلنا فى جدلية هل تقدم الدراما أحيانًا أعمالًا رديئة لأن فئة من الجمهور رديئة وعايزة كده، أم أن الفئة الرديئة من الجمهور اكتسبت رداءتها من رداءة بعض الأعمال الدرامية؟ المؤسف أن عمليات التطويع والتفصيل- التى غالبًا تُفرَض على شباب الصحفيين لدواعٍ اقتصادية- تحولت من استثناء إلى قاعدة. وبدلًا من قيام البعض بها وهو يستحى، أصبحت منهجًا يدافع عنه البعض بـ«الفم المليان».

وتابعت البعض من الزملاء الشباب وهم يؤكدون أنه لا خصوصية للشخصية العامة، وأن تصوير الجنازات ومَن حضر ومَن بكى، بل تحليل مَن ذرف دموعًا حقيقية ومَن ذرف دموع تماسيح، وإفساح صفحات لسرد أسباب عدم حضور الفنان الفلانى وأغلبها تكهنات تخضع لمعايير صناعة الترند أيضًا، ونصائح استخدام الزووم لالتقاط لوعة ابنتى الفنانة الراحلة وغيرها يخضع تحت بند الحق الأصيل للصحفى.

وذهب آخرون إلى القول بأن الفنان الذى يتوق للتغطيات الصحفية فى حياته عليه أن يسمح للتغطيات الصحفية فى مماته وممات زملائه! والأعجب من ذلك أن هناك من الزملاء مَن قدم النصيحة لزملائه قبل التغطية بأن يتبعوا قواعد عمل «الباباراتزى» (ويسمونهم مطاردى أو صائدى المشاهير) ظنًا منهم أن عملهم مدرسة صحفية تُحتذى، وليسوا فئة كثيرًا ما تُتهم بانعدام الوازع الأخلاقى.

مهن كثيرة ضرب قواعدها التجريف الأخلاقى والقيمى والتعليمى لمجتمعنا على مدار عقود. وأكبر المتضررين هم الأجيال الأصغر سنًا التى لم تعاصر قيمًا أصيلة. هم ضحايا وليسوا جناة، لكن تَرْك الضحية دون إنقاذ يُحولها إلى جانٍ.