الثقافةُ العربيةُ مرآةُ العالَم العربيِّ، وذاكرةُ الأمةِ العربية. تراثٌ ضخمٌ للغاية، وإمكاناتٌ هائلةٌ وسوءُ إدارةٍ للأسفِ الشديد. الموقفُ أشبهُ ببناءٍ ضخمٍ بلا خريطة، ونهرٍ عظيمٍ بلا مَهد، وسفينةٍ بغير بَوْصلة !! ولا ننكر أن الأرضَ خصبةٌ، والبذورَ وافرةٌ، والماءَ دافقٌ، والجوَّ ملائم، فالثقافةُ العربيةُ ذاتُ روافدَ ما لها من آخِر، وفي عصرِنا هذا ما لا يُحصَىٰ من المواهبِ والأقلامِ الفارقة، فلماذا تكثُر لِمَاذاتُنا وحتَّاماتُنا وأيَّاناتُنا وكَيفاتُنا، والكرةُ في ملعب المثقف العربي؟؟!! علىٰ معاد الضادِ التي تشرفَتْ بإعجازِ لغةِ القرآنِ الكريمِ وأسلوبِه، يجدُ العربيُّ روافدَ أدبيةً وأسلوبيةً فيها مدارسُ شتَّىٰ وأعلامٌ عظامٌ من المتشددين والمغربين إلى المهلهِلين المؤْثِرين البيانَ والتبيين .. الجاهليون ثم المتنبي إلىٰ سامي البارودي، ومن إبن هانئ إلى نزار قباني ومحمود درويش.. مِن التوحيدي إلىٰ محمد البشير الإبراهيمي إلىٰ محمود المسعدي، ومن إبن ِ المقَفَّع وعبدِ الحميد الكاتبِ إلىٰ أحمد أمين والزيات وطه حسين والعقاد -رضي الله عنه- خمسةَ عشرَ قرناً من العطاء في جميع المجالات والاتجاهات من شُمِّ القممِ إلىٰ حضيضِ الانحطاطِ، كل المشارب و النزَعات والميول والأذواق... ولاشك أن الروافدَ الجديدةَ للثقافةِ العربيةِ، إلى جانب روافدِ الماضي يجد المثقفُ العربيُّ حلولًا كثيرةً عبر الفضاءِ الأزرقِ لتنموَ معارفُه وثقافتُه ما بين الشعرِ والنقدِ والأدبِ والمقال ...
و(الديوان الجديد) أنموذجٌ حيٌّ على أرض الواقع ،أنشأها الناقدُ المقتحمُ عمرو الزيات بمجهودٍ فردي، وبإخلاصٍ وتفانٍ لا مثيلَ لهما، نجحَ في أن يستقطب النخبةَ المثقفةَ من المحيطِ إلى الخليج نقادًا وشعراءَ وصحافيين أفذاذاُ. ولا يستطيع مُنصِفٌ أن يُنكِرَ فضلَ أستاذِنا الكبيرِ سعد مصلوحSaad Maslouh في تثبيتِ دعائمِ هذا الصرحِ الأدبيِّ المتفرد، وكذلك دور الشاعر محمد ناجي ، والشاعر علي الشيمي وغيرِهم كُثُر لهم الفضلُ كلُّ الفضل ...
أيضًا مجلةُ الجنِّ ويترأسُها الشاعرُ الدكتور السيد خلف أبو ديوان من مصر، ومجلة صدىٰ المستقبل الليبية، والجريدة السفيرة لنا بالولايات المتحدة الأمريكية (صوت بلادي) والتي يُديرُها المايسترو محب غبُّور( Moheb Ghabour
الصحافيُّ الذي لا يهدأُ، والذي يدعِّم الجريدةَ بجُهدِه ومالِه الخاصِّ لتصدُرَ باللغتين العربيةِ والإنجليزية...
وبطبيعةِ الحالِ كان لي شرفُ الانضمامِ لتلكُمُ الصحف ...
وخُلاصةُ القولِ أن الروافدَ كثيرةٌ، فقط علينا أنْ نقرأَ ونتابعَ ونحللَ وننقُدَ برؤيةٍ موضوعية، وألا يأخذَنا الهوىٰ لنزَعاتٍ وأهواءَ
ومآربَ شخصيةٍ رغبةً في الظهورِ على أكتافِ غيرِنا، أو لتصفيةِ خلافاتٍ شخصية، فهذا ما يلوِّثُ البيئةَ الثقافيةَ في أوطانِنا العربية، ولقد كنتُ حريصًا على أن تضمَّ صفحتي الصفوةَ والنخبةَ المثقفةَ من الماء إلى الماء وقد سعدتُ برأي صديقي الشاعر الكبير عبد العزيز جويدة الذي قال :
إن هذه الصفحةَ تمثلُ بالنسبة لي أهميةً أكبرَ من قناة النيلِ الثقافية بل أهمُّ من وزارةِ الثقافة ذاتها !!
كذلك كان رأي الشاعر الكبير ابراهيم رضوان الذي قال: إن كلَّ اختياراتِك تصِل بي حدَّ الدهشة، وأنا يوميًا أقرأ منها مختاراتٍ لزوجتي !!
أما الناقد الأستاذ الدكتور محمد أحمد فايد هيكل فيرى أننا غيَّرنا وجهَ الفضاءِ الأزرق بما نقدِّم للجمهور العربي من المحيط إلي الخليج ..
تحيةً لكل من غرسَ غرسًا في سبيلِ خدمةِ الضادِ، وشكرًا لكلِّ من تابَعَ معي كتابةَ هذه السطور ...