د. سيد شعبان يكتب: يا صاحب المدد!

د. سيد شعبان يكتب: يا صاحب المدد!
د. سيد شعبان يكتب: يا صاحب المدد!

السكون يسيطر على الدنيا من حولي، أشعر بأن العالم ينتظر عاشور الناجي؛ روى عازف الربابة حكايته في مولد سيدي إبراهيم الدسوقي؛ ترتج الساحة بأصوات المبتهلين: مدد يا أولياء الله الصالحين، في الليلة الكبيرة حضرة وشهود، ذكر ودراويش؛ أنتظر بركة سيدنا تفيض علينا، والمدد شربة ماء من حوض زمزم.

آه !

عند المقام عجزة ومساكين، أرواح سكنها المرض، وإتاوة على أهل الطريق، حب العزيز اختفى في زحمة المولد، يجري غجر المدينة وراء الغريب؛ لا يفلحون إلا في السلب والنهب، يراقصون الأفاعي، يصبغون الحمير، يسرحون بالقرود، بنت تاهت يا ولاد الحلال، لا يسمع أحد، التمساح ابتلعها، مد  سيدنا يده وأخرجها من بين أسنانه!

مدد مدد، مولد وحكايات، حين تكون هناك عليك التصديق وإلا !

فينك يا سيدي إبراهيم؟

ألف صنم حول المقام، نذرت لله أن أصنع سبعة سيوف؛ لتكون في يد الظاهر بيبرس، خذني معك، يأتيني الصدى مجيبا: سيدنا في برزخه لن يسمعك.

  قال خليفة مولانا المقدم.

يا بني:"كلنا بهاليل لا حول لنا ولا قوة".

ستنا زينب تحب المساكين، نظرة يا أم العواجيز!

يحطمنا الخوف الرابض داخلنا يجعل منا قردة تقفز على الحبال، فالحارة تنام على ترقب، يدفع كل واحد منا ما يملك ليعيش ساعة أخرى، تراقص الذباب الأزرق في الزوايا، لا يد لنا في مقاومته؛ العجز يتنامى داخلي، أنا لا أهل لي هنا، حتى عصاي صغيرة لا تساعدني في عراك ولا تشد ظهري في رقص.

تخيلت نفسي أبوزيد الهلالي؛ دائما كنت أسمعهم يقولون: الخلاء واسع، هل يكون فقر وذل ولا حلم؟

جلبابي يظهر فقري، تقتلني الحاجة إلى سند، حارة المقدم تأكل نفسها؛ تطحن الغرباء بلا رحمة؛ وأقسى حياة فيها أن نعيش مهمشين، عالة وإن كنا نحمل الطين على رؤوسنا، ما باليد حيلة، لو أن لي مالا!

 أشتري حصانا وأتبختر به، ألبس جلبابا من صوف "كشمير أبو عكازتين" أتنعل بحذاء جديد، أستند على عصا قوية، أخطب بنت الحلواني؛ بهية!

ياه حلم يسيطر على، أصل المال عائلة لمن حرم من الظهر، خيب الله الوهم، قدري أن أكون عتالا في شارع الحدادين، صباح كل يوم أدق بمطرقة لا تعرف الصمت، ساقية وأنا حمارها الأعمى، لا يسمع بي أحد، لو مت الآن؛ لن يحسوا برحيلي، لا أم لي تندبني، ﻻ صغيرة ورائي تلطم خديها، وحده الذباب يطن في عزف لا ينتهي.

تبحث حارة المقدمين عن آخر تكمل به مسيرتها البائسة، تسخر منا أقدارنا في ساعة لا انتظار لها.

يدوي الكرباج في الهواء، يستبد المعلم كرموز كبير فتوات الحارة التي خنعت له، يندفع نحوي هائجا والشرر يتطاير من عينيه، تغيظه عضلات جسدي المنتفخة؛ ضربه الزمن، أشبه بشجرة الجميز تسكنها النمل،أدركت هذا حين أطحت به، يكره أن يكون مثلي هنا، لا أتذكر أنني مسحت له حذاءه، تحاشيت أن يراني، هربت من قدري ألف مرة، الآن جاء إلي والحارة تترقب ضحية تتصبر بها، تمصمص شفتيها، تتسلى بحكايات كرموز حين يفترس واحدا منا، نلعن عجزنا سرا، نرقص طربا حين يسوي بنا الأرض، ما الذي جاء به إلي؟

أتكون تلك خاتمة حياة الذل في حارة تنغمس في الفقر والموت، أم هي لعبة الحياة تستمر إلى الأبد وأكون أنا ضحيته التي يستمد من دمائها قوته؟

تتجمع كل القطط  البرية، حتى الكلاب تداعت وراءه، نسوان الحارة يقفن في هلع، لم يحاول واحد من هؤلاء أن يبعده عني؛ إنه الحبل على الجرار، ينتظرون قدرهم الذي استبد بهم، توقف كل شيء لأجل تلك اللحظة، إنه الخوف الذي يقهر الأجراء،

يقهقه ولصوته فحيح الأفعى التي ابتلعت فراخ جارتنا أم الأيتام، يومها مزقتها بأسناني؛ يبدو أن فعلي أغضبه، سبابه يملأ أذني، تفل في وجهي، أمرهم أن يربطوني في حمارته السوداء؛ ستكون تجريسة لم تشهد حارة المقدمين مثلها؛ يزداد خوفي، تسود الدنيا في وجهي، ﻻشيء ورائي أبكى عليه، أقفز ناحيته، يتطاير الرعب من عيني، أفترسه في لحظه، أغرز أسناني في جسده، لا أجد غير عظم يتكسر؛ إنه هش لدرجة الوهن.

تصيح الحارة في نفس واحد: عاش عاش!

يأتون إلي بحمارة كرموز، أخلع عنه جلبابه؛ أضعه على كتفي، يعلونني سيدهم.

يخطو بي الزهو؛ أول مرة أمتلك لقبا أنادى به، يتمسح بحماري من كانوا من ساعة يركلونني بأقدامهم، حارة المقدم

غريبة الحال، لا تبكي على راحل، تخنع لمن يطيح فيها بعصاه، بنت الحلواني ظهرت أمامي، ابتسمت في دلال.....