وأخيرا استطعت أن أكتب هذا العنوان بعد أن كتبت خمسة مقالات سابقة تحمل عنوان " من يعيد مصر إلى مصر " بدأت منذ الفترة الأخيرة وما حدث بها من فساد أثناء حكم الرئيس السابق حسني مبارك ، مرورا بالأيام السوداء التي حلت على مصر بعد ما قيل عنها ثورة 25 يناير ونهاية بالحكم الإخواني لمصر الذي تربع على مصطبته محمد مرسي ولا كلمة رئيس تسبقه لأنه لم يكن رئيسا بعد أن حول الرئاسة إلى مصطبة في أحد الكفور ، وقتها كنت أشعر بأن روح مصر تنسل من جسدها ، لكن العناية الإلهية التي دائما تحفظها أبقت على حياتها إلى أن فاقت وخرجت من الإنعاش مع ثورة 30 يونيو ، لم أشأ أن أكتب هذا المقال العدد الماضي لسببين أولهما أن 30 يونيو وهو اليوم الأهم في تاريخ مصر لم يكن قد حل بعد ، ثانيهما كنت لم أزل غارقا في اعداد رواياتي التي يجب أن تكون جاهزة مع بداية معرض القاهرة للكتاب ولم أكن قد تجولت في القاهرة والإنجازات الساحرة التي تمت وقد يكون بالنسبة لي أهمها تلك المباني المخالفة التي أزيلت والتي لا يزال العمل على إزالتها والمخالفة للقانون بطريقة مستفزة وترمز إلى سوسة الفساد التي كانت قد استشرت في مجالس الأحياء وغيرهم من أسس الفساد منذ زمن طويل فشوهت المعالم وتسببت في الكثير من الكوارث ، العشوائيات كانت لوحة قبيحة تخفي كل معالم الجمال . اطلاق مسمى "" الجمهورة الجديدة " لهو مسمى عبقري بالفعل ، حقيقي " اللي سمع غير اللي شاف " وغير اللي جرب ، واللي عاش ومشي ورأى " بالفعل وليس مجرد الحديث غير المبني على أٍساس ، تغير الكثير في بلدنا وأصبحت مصر جمهورية جديدة ، كما تمنينا أن نراها والسنوات العجاف تأكل فيها ، نحن لسنا في أي عصر من عصور الأبواق الإعلامية الكاذبة ، لأن المعلومات أو الاخبار تأتي مباشرة من المصدر ، وتدخل وتتشابك مع معلومات ومناقشات وأراء على مواقع التواصل وهذا يكشف الحقيقة لأقرب نقطة منها ، لأنه لا يمكن لأحد أن يدعى أنه يملك المعلومة أو المعلومات الكاملة في أي ملف أو قضية من القضايا الكبرى فنحن الآن في زمن الصراحة والشفافية وكم أسأل الله أن يدوم ولا جدال في أنه من حق المجتمع ومن حق الشعب أن يعرف كل ما يحدث بالنسبة للوطن وعلى قدر ما تتيحه المصلحة الوطنية والهدف دائما ، وهو الهدف الذي كان غائبا طوال فترات الحكم السابقة وهو تفهم المواقف بالشكل الذي يتيح قدرا من الاطمئنان والثقة ، هذه الثقة هي أهم عناصر التوازن الاجتماعي ، ومن خلال أحداث وسياسات الدولة خلال السنوات السبع الأخيرة ، توصل أغلبية المصريين الذين يبحثون عن مصلحة الوطن إلى قناعات تقوي من حجم الثقة فى الدولة والسياسات الداخلية والخارجية ، هذه الثقة تقوم على حقائق وليست على عواطف ، وتدعمها نتائج وليس مجرد كلام عام أو تصريحات هدفها التسكين أو الإقناع أو مجرد التصفيق وأبواق الإعلام الكاذب ، وللحق فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى ، كان حريصًا من البداية على اشراك المجتمع فى كل خطوة ، بعد عرض المشكلة ، وشرح الخطوات التى سيتم اتخاذها والسياسات المتبعة ، بدأ هذا مع الإصلاح الاقتصادى وهيكلة الدعم (( من باب الحق ومن منطلق حرية التعبير أقول أنه تأثرت به بعض الفئات في حينها تأثرا كبيرا )) واعتقد أن هذا يحدث دائما عند علاج الأمراض التي تصيب أي دولة نتيجة لفترات الحكم السابقة سواء الفاسدة أولأي سبب من الأسباب دون الدخول في تفاصيل . بالتأكيد أن صورة مصر خلال السنوات السبع الأخيرة اختلفت تماما عن أي صورة سابقة أو في أي وقت من الأوقات ومنذ قيام ثورة 23 يوليو وحتى ثورة 30يونيو ، وسيُعرف التاريخ قدر التحديات التي خاضاتها كبطل من أبطال الأساطير يقفز بكل قوة ولكي يصل إلى هدفه عليه أن أن يعبر البحور ، وأن ينتصر على الوحوش والتنانين ، ويلتف حول البراكين ويخترق الغابات الملغمة بالوحوش وفي النهاية السعيدة كان البطل ينتصر بقوته وإصراره على كل هذا . يخطئ من يظن أن الأمر كان سهلا كانتصار بطل الأساطير المحاط بالخيال دائما ، لأن مصر خلال هذه السنوات كانت في حرب الخروج من عنق أضيق زجاجة ، فمن يطلق النار ومن يفجر ، ومن يضع العراقيل ، من يطلق الشائعات ويستهدف نفسية المجتمع ، ويزرع الشك في أنها لن تستطيع حتى أن تستعيد مجرد حياتها ، وكم من مراهنات لأصحاب النفوس الضعيفة على أن الفشل حتمي في ظل العجز والارتباك بعد جنون الاحداث التي حدثت قبلها وتسببت فيها فترة الحكم الإخواني لا أعادها الله . كان التصور أنه إذا حاولت مصر أن ترمم اقتصادها وتبنى قدراتها الداخلية سوف تستغرق عقودا لا يمكن التكهن بعددها وقد يفشل الاقتصاد المصرى في «أن يشم أنفاسه» ، نعم لقد راهنت النفوس الضعيفة وراهنت وكلما عبرت مصر وقفزت فوق أحد حواجز السباق نحو الانتصار يسارعون برهان آخر وكان الرهان هذه المرة منصبا على أن انشغال مصر بإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا ، لن يترك لها وقتا لبناء قوتها العسكرية والسياسية والخارجية، أو تأثيرها الإقليمى، ما يجعلها دولة ضعيفة فاشلة أو منكفئة على نفسها لسنوات قادمة ، ما يمنح الدول الأخرى فرصة لبسط نفوذها والسيطرة على المنطقة بما فيها مصر، وإذا حاولت مصر بناء دورها الإقليمى ، وهو أمر يبدو وقتها مستبعدا ، فإنها سوف تواجه صعوبة الوضع الداخلى ، وتفقد قدرتها على إصلاح الداخل ، واقتصاد منهار يفتقد إلى ثقة المنظمات الدولية ، التى تتشكك وترفض اقراض البلد فى وضعه ومع تقييمات سلبية من منظمات التقييم ، كهرباء مقطوعة ، أزمات فى الوقود والخبز ، بنية أساسية متهالكة، بطالة، ومجتمع يغرق فى الشك وينظر للمستقبل بخوف وتردد . خارجيا، كانت مصر معزولة، الدول الكبرى تنظر بشك وريبة ، ومنصات الدعاية المتربصة ترسم صورة سوداء، هذا واقع كان معروفا ومحفوظا بالصورة والفيديو والمعلومة والأرقام . المفارقة أن مصر اختارت الطريق الأصعب ، ونجحت وسط ذهول المراقبين بل والأعداء أن تحل المعادلة الصعبة ، عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، لم يقدم وعودا بالرخاء ، لكنه قدم شرحا صريحا وافيا للوضع داخليا وخارجيا ، مع تأكيد بأنه يتحمل المسؤولية ويثق فى قدرة الشعب المصرى على التحمل والصبر، بدا الرئيس السيسى صادما ، لكنه مصمم على حل المعادلة الصعبة ، داخليا وخارجيا، وكان واضحا أن الرجل درس كل الملفات بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة وأعد الخطة مستندا على قدرات الشعب المصرى، لم يلتفت لتحذيرات من قالوا إنه يمكن أن يفقد شعبيته ، أو أن مصر ليست قادرة على مواجهة المتربصين وهم كُثر، ومعروفون ،كانت كلمته «هنتعب ونسهر ونبنى بلدنا»، وكان لسان حال المراقبين والمتابعين أنها مجرد أحلام يقظة ، لا يمكن أن تتحقق ، وكان السؤال " من أين يمكن أن تأتى التمويلات والأموال مع اقتصاد متهالك بهذا الشكل؟ "، بدأت عملية التنفيذ الصعبة التى لم تكتف بالإنقاذ لإبقاء الدولة المصرية ، لكن دفعها نحو الأعلى بخطوات أسرع من المتوقع . ولا يمكن لأكثر الناس تربصا أن ينكر أن ما جرى فى مصر خلال 7 سنوات أقرب لمعجزة.
بدأت الدولة عملية إصلاح اقتصادى مؤلمة، تعويم الجنيه ، وانهاء ازدواج سعر العملة ، وتعديل سعر الوقود وإعادة هيكلة الدعم ، بحيث يستفيد الأكثر احتياجا، مع علاج سريع للأعراض الجانبية، من خلال معالجات اجتماعية ومضاعفة التمويل المباشر ، معاشات تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة. فى نفس الوقت كانت مصر تواجه إرهابا مدعوما نجح فى إسقاط دول، توقفت التفجيرات، وتم إسكات البؤر الإرهابية، وانتهت أى ذكرى لانفلات أمنى، وعادت مصر آمنة، فى نفس الوقت كان الرئيس يعلن عن مبادرة علاج وإنهاء الفيروس الكبدى «سى»، الذى أكل أكباد المصريين على مدى عقود، حيث تم علاج ملايين المرضى بالمجان، ثم انطلقت مبادرة «100 مليون صحة»، وبالتوازى معها كانت عملية انتشال سكان العشوائيات وإنهاء عار بدا مستعصيا على الإنهاء، وتم نقل سكان العشوائيات إلى مدينتي الأسمرات. فى نفس الوقت كانت تتم عملية بناء محطات الكهرباء العملاقة، لتنتقل مصر من الظلام إلى عصر تصدير الكهرباء، توازيا مع شبكة طرق عملاقة وكبارى ومحاور وأنفاق ، ومدن صناعية وأخرى سكنية ، مع إسكان اجتماعى لمحدودى الدخل ، أما من الناحية الخارجية فلقد انتقلت مصر من دولة معزولة، إلى مركز للتأثير إقليميا ودوليا، وتمثل هذا فى دورها لإنهاء الصراع فى ليبيا ودعم حوار سياسى يتجه بليبيا إلى الاستقرار، والدور المصرى فى فلسطين ومبادرات وقف العدوان، وعلاج الجرحى وتمويل بدء الإعمار، وعلاقات قوية كانت محل ثقة كل مراكز التأثير والنفوذ فى العالم ، وعلاقات أفريقية وعربية ، ومع أوروبا وأمريكا واليابان والصين وروسيا، حتى صارت القاهرة محل ثقة للتدخل والحل .
الآن بعد 7 سنوات تنتقل الصورة من اللون الداكن إلى الألوان المضيئة، وإلى واقع أكثر إضاءة ، انتهى الإرهاب بتضحيات وصمود وبطولات أبناء الشعب من الجيش والشرطة ، استعاد الاقتصاد قوته والثقة الدولية فيه ، ونجح فى الصمود بينما اهتزت اقتصادات دول كبرى مع كورونا . ، فضلاً عن استمرار عمليات تطوير الريف والقرى ومضاعفة برامج الحماية الاجتماعية من خلال تكافل وكرامة وحياة كريمة ، وكلها مبادرات تتطلب مليارات ، ما كان يمكن توفيرها لولا الإصلاح الاقتصادى ، وفى حالة انتهاء خطط تطوير القرى يمكن أن تظهر النتائج بشكل أكثر وضوحًا . الرئيس السيسي كان دائما ما يعلن في كل مناسبة ، أن الإصلاح الاقتصادى لم يكن ينجح دون موافقة ودعم الشعب المصرى، والذى دفع ثمن هذا، وتحمل آثار الإصلاح المؤلم، وأبناؤه هم من نجحوا فى هزيمة الإرهاب الذى هدد وأسقط دولا ، ويحرص الرئيس على شرح ما تقدمه الدولة من نتائج الإصلاح ، ولا يمكن تجاهل ما جرى فى ملف العشوائيات ، والإسكان الاجتماعى والحماية والاجتماعية، وكلها ملفات كان مجرد فتحها يبدو نوعًا من الحلم . اليوم هناك شعور كبير بالأمن ، وتراجع تهديد الإرهاب، بفضل جهود القوات المسلحة والشرطة، وأجهزة المعلومات، والشعور بالأمن، ينعكس مباشرة على شعور الناس وأعمالهم، بل ويفتح المجال لأعمال ومهن لا يمكن أن تستمر من دون أمن، ولا يمكن لأكثر الأنشطة الصناعية والتجارية أن تتسع وتستمر من دون الشعور بالأمن والاستقرار الاقتصادى، وعلى رأسها السياحة لأنها نشاط مهم للعوائد الاقتصادية المباشرة ، يمثل الأمن أحد عناصرها، خاصة مع استمرار جهود التوسع فى البنية الأساسية للسياحة، ممثلة فى شبكات الطرق والمحاور التى تمثل تأثيرا مباشرا ، مع سلسلة المتاحف الجديدة ومنها متحف الحضارات ، والمتحف الكبير، وتطوير القاهرة التاريخية لتصبح متحفا مفتوحا . وبالرغم من أن فيروس كورونا أدى إلى توقف السياحة بالعالم كله ، لكن مع تراجع الخطر، وعودة حركة السفر إلى طبيعتها، مع هذا التطوير فى نسبة السياحة والآثار، يمكن الرهان على تضاعف عوائد السياحة بشكل كبير، وهنا تبدأ الإجابة على سؤال: ماذا نكسب كمواطنين من هذا التطور والطفرة فى الطرق والبنية التحتية؟ ، كلما تضاعف عدد السياح تتوسع المنشآت السياحية فى أنشطتها، وينعكس فى صورة فرص عمل لمئات الآلاف وعوائد مباشرة ، وغير مباشرة على الاقتصاد الكلى، والحالة الاقتصادية للأفراد ، وعوائد غير مباشرة تتمثل فى عشرات المهن والأنشطة المرتبطة بالسياحة ، من طعام وشراب ونقل وخدمات ، وفى حالة عودة السياحة لمعدلاتها ما قبل الفيروس ، ينتظر أن تجنى مصر عشرات أضعاف العوائد الأعلى .
ظلت البلاد تحلم بمستقبل أفضل ، أبناؤنا والأجيال القادمة يروون ما حدث من ثورة حقيقية أبطالها أبناء شعب مصر العظيم ، فقد كنا شهود عيان على ما حققته الثورة العظيمة لأبناء هذا الشعب المصرى، والتى كانت القوات المسلحة هى الدرع الحامى لها، ثورة 30 يونيو العظيمة صححت المسار نحو الأمن والأمان الغذائى ولتحقق قيادة البلاد بقائد وطنى مخلص لمحاربة جماعات متطرفة كادت أن تقود البلاد إلى الهاوية لولا فضل الله علينا حتى تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد لتحقيق العديد من الإنجازات التى افتقدتها الدولة على مدار عشرات السنوات الماضية خاصة فيما يتعلق بالملف الأمنى والصحى والاجتماعى والاقتصادى والغذائى. الآن يمكنني أن أقول بكل سعادة وسرور وفخر لقد " عادت مصر إلى مصر " .
صورة من العاصمة الإدارية الجديدة
إدوارد فيلبس جرجس
********************