هَل تَوَسَّعَ الحُبُّ و خَرَجَ عن نِطاقِ الشُعورِ المَحض؟ هل باتَ يُعَرَّفُ على أنهُ عَلاقةٌ مُدَعَّمةٌ بالمادياتِ و مَبنيةً على المَظاهِر؟ أسئِلةٌ تَطرُقُ ذِهني في كل مَرّةٍ أتَصَفَّحُ فيها مِنَصّاتِ التَواصُل الاجتِماعي، أو كما أسَمّيها في قاموسي " مِنَصّاتِ التَباعُدِ الاجتِماعي "
لابُدَّ أن أقولَ أننا اليَومَ في زمَنِ التَنافُس، حيثُ يَخوضُ أبناءُ هذا العَصرِ مَعارِكَ يَوميةً على حَلَباتِ التَواصُلِ الاجتِماعي، كل شَخصٍ يَسعى لعَرضِ حَياتهِ بأفضَلِ صورةٍ مُمكِنة. أصبَحنا نُطعِمُ الآخَرينَ أكاذيبَنا المُحَلّاة عَبرَ تلك المَواقِعِ و الشَبَكات، نُحاوِلُ بشَتّى الطُرُقِ إثباتَ أنفُسِنا و إقناعَ الآخَرين بأنَّنا نَعيشُ حياةً مِثاليةً و مُرَفَّهة. في ذلك العالَمِ الافتِراضي المَحجو بالزَيفِ لا يَكونُ البَقاءُ للأقوى بل لمَن يُجيدُ تَمثيلَ السَعادةِ بشَكلٍ أفضَل، على الشاشاتِ يكونُ البَقاءُ لمَن يَعكِسُ أجمَلَ صورةٍ مُفَبرَكة.
و قَد تَسَرَّبَت تلك الفَبرَكةُ إلى الحُب، حيثُ أضفَت مَواقِعُ التَواصُلِ الاجتِماعي طابِعًا منَ الماديّةِ و الماركسيةِ على مَشاعِرِ الحُبِّ الواصِلةِ بينَ أغلَبِ الأحِبّة. أصبَحنا نَرى الكَثيرَ منَ العَلاقاتِ العاطِفيةِ المَبنيّةِ على حُبِّ الظُهور، باتَت أسعارُ الهَدايا المُتَبادَلةِ بين الطَرَفينِ دَليلًا على الحُبِّ و التَوافُق، غدَت فَخامةُ الأماكِنِ و المَطاعِمِ أهَمَّ منَ الكَلامِ الصادِقِ الذي يُقالُ على المائِدةِ في المَواعيدِ الغَرامية. و ماذا عن شَهرِ العسَلِ الذي باتَ فيلمًا وَثائقيًا مُجَزَّئًا يُعرَضُ كل يَومٍ على قِصَصِ الانستغرامِ و الفيسبوك؟ تُرى هل أصبحَ تَصويرُ اللَحَظاتِ و تَوثيقُها أهَمَّ من عَيشِها؟
يَجِبُ أن أقولَ أنهُ لا مانِعَ من بَعضِ التَصويرِ لتَخليدِ الذِكرَيات، لكن لا يَجِبُ أن تَطغى شَهوةُ الظُهورِ و الاستِعراضِ على لَذّةِ الحُبِّ الحَقيقي. لا يَجِبُ أن نَربِطَ دَرَجةَ حُبِّ شَريكِنا لنا بغَلاءِ الهَدايا التي يُقَدِّمُها، فالحُبُّ أعمَقُ منَ المَظاهِرِ السَطحية و أكبَرُ منَ الكَمالياتِ الزائِلة، قيمةُ الحُبِّ تَكمُنُ في الاهتِمامِ الذي يُغَلِّفُ هَديةً بَسيطة، في التَقديرِ المُتَجَسِّدِ على هَيئةِ كَلِمةٍ رَقيقةٍ أو وَردةٍ واحِدةٍ مُختارةٍ بعِناية. فمَتى نَعودُ إلى عَهدِ الحُبِّ الصادِقِ المُجَرَّدِ من الماركسية؟ مَتى نُقَدِّسُ الخُصوصيةَ في مُمارَسةِ شُعورِ الحُب؟ مَتى سنَعتادُ الاستِثمارَ في تَطويرِ عَلاقاتِنا بدلَ تَسويقِ حُبٍّ مُبالَغٍ به؟