تعطّلت سيّارةٌ فخمةٌ مُكيّفةٌ (مُفيّمَة) لأحد التجّار وسط الصحراء، بعد أن أضاع هذا التاجر المسافر طريقه الأساسيّ حينما هبّت عاصفة غبار عنيفة حجبت عنه الرؤية،وانقطعت التغطية عن نقّاله الحديث ،واضطرّ أن يغادر هذه السيّارة الفارهة التي أصبحت سجناً مُنفرداً له مُلتهباً بدفء تمّوز، وبعد أن هدأت رياح الغبار العاتية، وبعد أن أحسّ بعطش شديد لساعات وساعات وباءت محاولاته جميعها للتغلّب على مشكلته العويصة المفاجئة بالفشل خاصّة عندما شرب قليلاً من العطر الفرنسيّ العريق الذي جعله يستفرغ مافي جوفه...
وراح يمشي مسافة طويلة باحثاً عن مصدر للماء، و الحرارة مرتفعةٌ أجبرته على نزع ربطة العنق والرداء الأنيق الذي يلبسه والحذاء الإيطاليّ غير المناسب لوعورة الدرب أثناء المشي ونزع ساعته السويسريّة والعقد الذهبيّ حول رقبته والخاتم الألماسيّ في إصبعه والنظارة الشمسيّة المُذهّبة والنقّال الأسود الحديث...
وطرحهم جميعهم فوق الرمال المحترقة.....
وشفتاه جفّتا ،والتّعب أرهق جسده ،والتشاؤم ملأ عينيه والخوف خيّم على صدره وكاد يسقط على الأرض من دُوَار أصابه ووجع داهم رأسه و عصر معدته الخاوية....
وبينما هو على هذه الحالة من السير بشكل بطيء وغير متوازن لفتت نظره حقيبة جلديّة كبيرة ظنّ أنّها سقطت من إحدى المركبات العابرة بالخطأ.....
فعاد له بصيصُ الأمل بأن يكون في هذه الحقيبة وعاء مملوء بماء يخفّف من حرقة جسده....
لكنّه حينما أسرع في فتح الحقيبة أخفقت عيناه وحزن قلبه و ثقل الهمّ على صدره وعاد اليأس إلى فكره وخارت قواه وراح يحتضر وحيداً بعد أن فُوجِئ بأنّ هذه الحقيبة قد مُلئت بمجوهرات برّاقة و رزمات من الأموال الورقيّة، وقد خلت من وعاء فيه ولو قطرات من الماء النفيس الغالي الحيّ ...
ماء نجاته وحياته وفرحه وراحته.
بقلم المنتجب علي سلامي
تحياتي أصدقائي المحترمين.