الغبطة التى تُلوِّن وجوه التنويريين المصريين بهزيمة السلفية فى موطنها الأصلى (السعودية)، مهضومة تمامًا، ولكن من غير المهضوم توزيع الغنائم قبل غمد السيوف. درس «موقعة أحد» ماثل، ليس هذا وقت توزيع الألقاب وشرب الأنخاب، طبول المعركة التجديدية تصم الآذان، أخشى تلهينا البشارة عن خوض معركة الاستنارة.
الثابت هو تحقيق حديث رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» وسيكون التجديد هذا القرن مؤسسيًّا، عبر مؤسسات التفكير، ما يطلق عليه غربيًّا Think Tanks (النسخة العربية) فى إطار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
تجديد الخطاب الدينى فرض عين على الدولة المدنية ومؤسساتها، وفرصة وسنحت لطلائع التنويريين لتتقدم خطوات واثقة فى كسب معركة المدنية، لا نملك رفاهية التقاعس تنظيرًا، ونقعد مرحرحين على الكنبة فى الصالون نتحدث عن تضحياتنا فى معركة التنوير، والتعويض الواجب، والقصاص من رموز السلفية الفارين من سيف ولى العهد!
ليس هذا وقت الحساب على ما سبق، الحساب يوم الحساب، والحساب بأثر رجعى يشدنا إلى الخلف، أيضًا ليس هذا وقت إعلان انتصار لم يتحقق بعد، كسبنا حربًا، ولكن المعركة طويلة مع خصم غاشم متسلح بالدين، ولن يسلم بسهولة ويجيد التلون كالحرباء، والكمون كالفقمة، تنام بنصف عين. فى هذا الطريق الواعر يستوجب استصحاب طروحات التجديد التى يتحدث بها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بل تستوجب دعمًا تنويريًّا لفضيلته فى إطار المشروع التنويرى المؤسسى للدولة المصرية، فلننحِّ الإحن والمحن الماضوية جانبًا، ونذهب جماعة إلى معركة التنوير الحقيقية التى بدأت للتو، صحيح إرهاصاتها منذ زمن، ولكن الدخول إلى قلب المعركة يستوجب شجاعة من نوع خاص لا تتوفر إلا فى المخلصين للفكرة، من نسميهم الخلصاء.
خلاصته، مستوجب الاصطفاف خلف دعوات تجديد الخطاب الدينى التى يؤذن بها الآن على منابر شتى، أضعنا سبع سنوات سِمَان، كنا أولى بها زراعة لأفكار تنويرية كثيفة الإنتاج، لو حدث لكان الحصاد وفيرًا ولوفرنا جهدًا ووقتًا واستيرادًا للمنتوج المتوافر مصريًّا.
للذكرى، والذكرى تنفع التنويريين، الرئيس السيسى أطلق دعوته التجديدية فى «ليلة القدر» فى (٢٤ يوليو ٢٠١٤)، وكانت مفاجأة سارة، ومحل احتفاء تنويرى شكلانى، لم تتنزل إلى الأرض، ظلت معلقة فى السماء، تجليس الدعوة التجديدية لم يتم على الوجه الأكمل، احتفوا ثم انصرفوا إلى حال سبيلهم.
وألح عليها الرئيس إلحاحًا حميدًا فى (٦ا) مناسبة آخرها، خلال مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامى (٢٨/٢٧ يناير ٢٠٢٠)، ولم تكن الاستجابة الأزهرية (وقتها) على مستوى الدعوة الرئاسية التجديدية لأسباب معلومة، ويستوجب تلافيها فى ظل موجة تجديدية عارمة تضرب الشواطئ السلفية.
معلوم الدعوة الرئاسية كانت صاعقة، وجاءت من خارج المؤسسة الأزهرية، وكأنها تتنزل من عل، من فوق العمائم، فتمايل أكثرها رفضًا، لأسباب أزهرية داخلية، أخطرها استئساد رموز مدرسة النقل السلفية الأزهرية بدعم إخوانى على صدى عام الاحتلال الإخوانى البغيض، فضلًا عن نزوع أركان المؤسسة العتيقة للاستئثار الدينى، التجديد حصريًّا فى المشيخة، نحن المجددون ورثة المجددين، وأرباب التجديد وأبواب التجديد!
مناهضة تيار النقل الأزهرى للدعوة الرئاسية التجديدية مفهوم، دعوة السيسى تجهز على مدرسة النقل لصالح مدرسة العقل، وهى مدرسة لم تمكن لا داخل المؤسسة الأزهرية ولا خارجها، بل طوردت مطاردة عقورًا نفيًا وتشريدًا فى أقصى الأرض.
دعوة السيسى على وقتها صدمت قاطرات تيار النقل التى تسير على قضبان السلفية (الوهابية).
ناهيك عن الحقد السياسى الإخوانى الأسود، وإنفاق التنظيم الإرهابى الدولى إنفاق من لا يخشى الفقر على إجهاض الدعوة الرئاسية ضمن مشروع الإرهابية لتدمير البنية الأساسية للجمهورية المدنية الجديدة.
فضلًا عن رفض السلفية المتسلفة (وهابيًّا) بكافة أطيافها للدعوة الرئاسية، وإشاحة الوجوه، وإدارة الظهور، والانصراف عنها، كما برهنوا فى رفض توثيق الطلاق الشفاهى، رفض بفجاجة سياسية ليست مستغربة منهم، وهذا تقوقع طبيعى، مثل تقنفذ القنفذ ويشرع أشواكه دفاعًا، وشحذ الغربان مناقيرها شرسة لنقر الرؤوس، دعوة تجديد الخطاب الدينى مستنيرة تخشاها طيور الظلام.
دعوة السيسى، وقتئذ، لم تكن طقّ حَنَك، أو كلام ساكت، كما يقول إخوتنا فى أم درمان، بل دعوة تحرث الأرض (المطبلة) من نشع السلفية، تهويها وتعرضها لشمس التنوير، وتذهب إلى ضرورة صياغة العقل المسلم الذى احتلته السلفية بجيوشها الملتحية التى تسلطت على العقل المصرى فعطلت خلاياه التفكيرية، وعطبت قواه الإبداعية طويلًا.
نعم زامر الحى لا يطرب، لو صادفت دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى (على وقتها ٢٠١٤) الدعم الأزهرى الكافى (وقتها)، لكان لمصر وجه آخر، وجه نضر من أثر المدنية!