صحيح ان الورق والقلم ..او ما يسمى بالصحافة الورقية قد افل نجمها بشكل رسمي مع عدم تحديد مراسم التشيع والدفن والحداد .. الا ان الفكر الصحفي والمداد القلمي لا يموت و لا ينمط ولا يقيد .. وسريعا ستحتاج وسائل تقنيات التواصل تجليات القلم بصوره والمتعددة .. هنا تكمن روح يجب ان تعيش وتتنفس ..
اكتشاف الكتابة برغم ادعاء ابوتها المتعدد الا ان محوريتها مجمع عليها بسومرية الرحم والمخاض والولادة .. تلك المرحلة الأهم في تاريخ البشرية التي استطاعت اكتشاف وسيلة لحفظ المعرفة ونقلها الى مساحات اكبر مما ساعد على انتشار الثقافة ..
عام 1450 شهدت مدينة ماينز الألمانية ولادة معجزة علمية كبرى اذ ظهرت الة الطابعة الحديثة على يد الألماني جوتنبرج .. لتولد من رحمها الصحافة بحلتها الجديدة وتاثيرها الكبير على الراي العام .. بعد ان تربعت صاحبة الجلالة على الراي العام لقرون عدة .. ثم ظهرت الإذاعة وبعدها التلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين بصورة مؤثرة لكنها لم تسحب بساطة السيادة من الصحافة الورقية .. ثم ظهر الانترنيت والشبكة العنكبوتية مطلع الثمانينات ..
الصحافة الورقية بكل حيادية ومنطقية وواقعية تعرضت لاكبر هزة بتاريخها على يد تطبيقات الانترنيت ومواقع التواصل التي نسفت فكرة انتظار او شراء جريدة ورقية لمطالعة الاخبار.. حتى اصبح من اندر النوادر ان تجد شابا سائلا عن صدور صحيفة ورقية . ليُعلن بصدق عن افول نجم الصحافة الورقية وسيادة عالم النت والالكترون ومواقع التواصل في ظل هيمنة عصر العولمة والقرية العالمية ..
هذه الصدمة لجيوش الصحفيين في العالم ( من كتاب ومراسلين ومصورين ومحررين ورسامين ومصممين ...) وغيرهم بالملايين يعدون من النخب العالمية التي رفع عنها الغطاء بصورة مفاجئة ، لم يعد يمتلكون بها لا النخبوية الثقافية ولا المكانة الاجتماعية ولا الاعالة المعاشية .. فاغلب الصحف ( بلا نفاق وتبرير ) قد أغلقت او في طريقها لذلك .. ومن كان يطبع ملايين النسخ يوميا لم يستطع بيع عشر الكمية مع كل التحسينات التي أجريت .. فيما الكتاب والعاملين لم تعد لهم مرتبات تليق بهم كنخب ولا جهد ولا راي مسؤول .. مما جعلهم في حيرة وازدواجية غير معهودة .. واشكالية حضارية لا تحل بالترقيع ولا بالتبرير والسفسطة والشعارات ...
بكل صراحة .. لقد انتهى عهد الصحافة الورقية .. وبدا تبلور الصحافة الالكترونية والتواصلية .. وهي لا تختلف كثيرا عن سابقتها لو احسن المعنيين التنظيم والهيكلة ... فضلا عن الايمان المطلق بالتغيير الجذري بكل اليات العمل التي انبثقت منذ قرون وآن لها ان تصلح حالها قبل ان تصبح شيئا من التاريخ .