أعلاه عُرْف عالمى براجماتى تمامًا، يصلح تفسيرًا لمدخل الإدارة الأمريكية على خط أزمة السد الإثيوبى، (ودَعت الخارجية الأمريكية إلى استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة على وجه السرعة، وتحت مظلة الاتحاد الإفريقى، مع التزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم السياسى والفنى لتسهيل التوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات).
صحيح أن المفاوضات لا تزال تحت مظلة الاتحاد الإفريقى، ولا مجال للرباعية الدولية كما اقترحت السودان ودعمتها مصر، ما يعنى تغليب الرغبة الإثيوبية فى البقاء تحت مظلة الاتحاد الإفريقى، ولكن هذه الجولة الفاصلة (برقابة أمريكية)، هذا كافٍ لقطع الطريق على المراوغات الإثيوبية وتبضُّع الوقت، وإطالة أمد المفاوضات حتى يحين موعد الملء الثانى، وفرض الأمر الواقع على دولتى المصب كما تهيئ الخيالات المريضة لدى قادة إثيوبيا.
وجود المبعوث الأمريكى الخاص للقرن الإفريقى، «جيفرى فيلتمان»، على الطاولة يضمن جدية المفاوضات، ويُلزم الطرف الإثيوبى المراوغ مكانه على الطاولة، ويدفعه إلى التعاطى بالجدية اللازمة والإيجابية المفترضة، سيما أن هناك محاولة أمريكية سبقت لإنضاج اتفاق ثلاثى أنجزته وزارة الخزانة الأمريكية تعاونًا مع البنك الدولى، وأشرف عليه شخصيًا الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وهربت من توقيعه إثيوبيا فى ساعاته الأخيرة، بمعنى أن الإدارة الأمريكية على علم بما جرى ويجرى هناك فى منابع النيل الأزرق، الأمريكان أرجلهم فى النهر كما يقولون.
أهم ما ورد فى البيان الأمريكى «وزارة الخارجية الأمريكية تبحث التوفيق بين مخاوف مصر والسودان بشأن الأمن المائى مع احتياجات التنمية فى إثيوبيا، من خلال مفاوضات موجهة نحو النتائج فى إطار قيادة الاتحاد الإفريقى».
والترجمة أن واشنطن باتت مدركة تمامًا مغزى الخط الأحمر، الذى قررته القيادة المصرية حفاظًا على الحقوق المصرية/ السودانية التاريخية فى مياه النيل الأزرق، ولمست الإدارة من خلال مبعوثها «جيفرى فيلتمان» صلابة الموقف المصرى، وتصميم القيادة المصرية على ألا تنقص حصة مصر كوب مياه، وحقوق مصر تحميها إرادة مصرية سعت بكل السبل لجبل الجانب الإثيوبى على التعاطى الإيجابى لصالح التنمية المستدامة فى حوض النيل.
وعليه ستلتئم جولة مفاوضات عاجلة، جولة أخيرة فى الوقت الضائع، ستدخلها مصر بخطها الأحمر، والسودان بمخاوف حقيقية من تبعات الملء الثانى، وستراوغ إثيوبيا مجددًا، لكن الإدارة الإثيوبية ستجد نفسها فى مواجهة الحقيقة، موقف مصرى سودانى صلب، محدد المعالم والمواقف، وموقف إفريقى ضاغط لأن الفشل فى هذه الجولة يعنى فشل الاتحاد الإفريقى، ونقل القضية إلى مجلس الأمن، ما يؤثر على فعالية الاتحاد مستقبلًا فى حل النزاعات الإفريقية داخل القارة، فضلًا عن الضغط الأمريكى العالى، الخارجية الأمريكية أرسلت إشارات واضحة باتجاه اتهام القيادة الإثيوبية وتورطها فى «جرائم حرب» فى إقليم تيجراى، واحتمالات تفكُّك الوحدة الإثيوبية الهشّة فوق الهضبة، نصًا من البيان «القرن الإفريقى يمر بنقطة انعطاف، والقرارات التى ستُتخذ فى الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون لها تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة ومصالح الولايات المتحدة»، ترجمته حرفيًا «تصالح المصالح» فوق الهضبة الإثيوبية!.