المسرح الاستعراضي هو مسرح يجمع بين التمثيل والغناء و لغة الجسد كالرقص , أما مسرح الفنون الشعبية فهو جزء يقع تحت مظلة المسرح الاستعراضي لكنه يتخصص فقط في لغة الجسد كالرقص مرتبطاً في فكرته العامة بكل ما له صلة بالفولكلور والتراث الشعبي، أما فرقة رضا على وجه الخصوص فهي أيقونة الفن الشعبي المصري التي لم نر لها مثيلاً حتى يومنا هذا رغم انشاء المعاهد العليا التي تضم الكثير من الدراسات لهذه الفنون وتمنح فيها أيضاً شهادات الماجيستير والدكتوراه ولكنها بالرغم من ذلك لم تستطع تقديم "محمود رضا" آخر أو "علي اسماعيل" جديد!
ولا شك أن فرقة رضا وحدها مظلة استعراضية عالية القيمة ومعهد عالي للفنون الشعبية قائماً بذاته، وعلامة فنية شعبية مصرية لن تتكرر أو كما قال محمود رضا في احدى لقاءاته :أن اليوم لا توجد بيئة جيدة لاكتشاف المواهب كما اكتشفناها بشكل فردي ومجهود شخصي، ومن ثم لن يستعيد الفن الشعبي نجاحه إلا عندما يكون هناك من يقدره.
البدايات وحجر أساس فرقة رضا
البداية كانت في فرقة الفنون الشعبية الأرجنتينية لصاحبها ألفريدو تعرض فنونها على مسرح ( الأوبرج ) فى شارع الهرم كل عام لمدة شهر أو شهرين , وذات مرة ذهب محمود رضا للتعرف على أعضاء الفرقة وقام بأداء بعض الرقصات فأعجب به "ألفريدوآلاريا" وضمه للفرقة فقدم معهم عروضا كثيرة في الإسكندرية بفندق سان ستيفانو وفى روما وباريس وبعد ستة أشهر عاد إلى مصر عام 1954م وفى رأسه سؤال, ( أنا أرقص فلكلور أرجنتيني .. لماذا لا أرقص فلكلورا مصريا؟ ), وكانت بداية الفكرة ، فكرة إنشاء فرقة فنية تقدم الفنون الشعبية المصرية.
بعد عودته لمصر كان مرتبطاً بأبنةالدكتور حسن فهمي "نديدة" كان قد خطبها قبل سفره ويريد أن يتزوجها مما اضطره للعمل بوظيفة ثابتة ذات راتب ثابت بشركة بترول بالسويس ليتعطل مشروع انشاء الفرقة حتى جاءته رسالة من الأديب يحيى حقي عام 1956م وكان صديقاً لأخيه علي رضا ورئيساًلمصلحة الفنون يدعوه للاشتراك في أوبريت "يا ليل يا عين" والقيام بدور البطولة مع الفنانة "نعيمة عاكف" بخمسين جنيه بالشهر، فوافق علي الفور، وبالفعل قام لأول مرة بتصميم رقصات الأوبريت الشعبي وتم عرضه على دار الأوبرا المصرية لمدة أربعة أشهر متواصلة والتذاكر كامل العدد حتى قامت حرب 56 وتوقف كل شيء وتبقى فقط بزوغ نجم جديد هو "محمود رضا" كفنان شامل وأول مصمم رقصات مصري نابغة.
55 جنيه أول اكتتاب لإنشاء فرقة رضا !
بعد حرب 1956م رفضت أي جهة حكومية تبني فكرة انشاء فرقة رضا التي تقدم بها محمود رضا لكنه لم ييأس وفي عام 1958م أقترح "محمود رضا على أخية على رضا والسيناريست محمد عثمان الفكرة فأعجبوا بها على أن تكون بأسم فرقة محمود رضا للفنون الشعبية ثم استقر الأسم على فرقة رضا وحينها أخرج السيناريست محمد عثمان 20 جنيه من جيبه وعلى رضا 20 جنيه من جيبه ومحمود رضا 15 جنيه من جيبه وكانت الحصيلة 55 جنيهاً هي أول استثمار للفرقة الوليدة على أن يبحث محمود رضا عن الراقصين والراقصات.
جمع أعضاء الفرقة من الراقصين:
كان محمود رضا عضواً في نادي البلدية وهو نادي القاهرة الموجود أمام دار الأوبرا الحالية، بدأ في تجميع الراقصين والراقصات من هناك، وبدأبالتمرين داخل فيلا الفنان حسن فهمي التي كانت تقع في مصر الجديدة في شارع بيروت، وبدأوا بتقديم أول عرض للفرقة في مسرح الأزبكية "مسرح العرائس حاليا" عام 1959م، واستعانوا لجلب الجمهور بالفنان كارم محمود والفنانة شهرزاد ونجحت الفرقة في أول عرض، وبدأت تتوافد على مشاهدتها العائلات مما دفعها لأن تكون أول فرقة رقص مصري تراعي العادات والتقاليد المصرية وتدفع الأسرة المصرية المحافظة لمشاهدتها.
بداية الشهرة الواسعة للفرقة:
بعد النجاح بدأ تقسيم العمل بين أعضاء الفرقة، فكان هناك من يكتب مذكرات الفرقة، ومن يسجل أعمالها بالتصوير الفوتوغرافي والسينمائي. وبدأت الفرقة جولة في الصعيد لدراسة الفنون الشعبية المصرية، وبدأت الرحلة من أسوان، وفي الطريق إلى القاهرة، توقفت الفرقة في كل محافظة أيامًا لدراسة فنونها، وقدمت هيئات المحافظات مساعدات للفرقة لاستكمال مهمتها. وكانت الفرقة تستلهم التراث وتقدمه بشكل جديد وبتقنيات فنية حديثة، دون أن تنقله حرفيًّا، حتى تم اختيار الفرقة للمشاركة في احتفالات الثورة عام 1961م بقصر عابدين أمام الرئيس جمال عبد الناصر.
البحث عن ملحن فوراً:
لا يمكن تقديم رقصات الفرقة بالطبلة وفشلت كل محاولات البحث عن ملحن بارع ومتفرغ ليقوم بعمل ألحان بدلاً من الطبلة، حتى جاء "علي رضا" بالفنان علي اسماعيل ليقدمه لأخيه "محمود رضا" الذي بدوره أخذ يشرح له عن أفكاره وكيف يجب أن تكون الموسيقى متزامنة مع كل خطوة من خطوات الرقص لا تسبقها ولا تتأخر عنها وأخذ علي اسماعيل يكتب ملاحظاته ثم خرج من مسرح متروبول الذي كانت تعمل بها الفرقة وقتها ولم يعد.
ظن محمود رضا أنه حدته في طرح افكاره واختلافه مع على اسماعيل في أول لقاء بينهما هو السبب في عدم عودته، لكن اتضح أن السبب في عدم عودة علي اسماعيل هي أن أبنه حسين وقعت فوق جسده مياه ساخنه فذهب به للمستشفى التي احتجزته لأيام لم يفارقه فيها علي اسماعيل، فذهب الثلاثي محمد عثمان وعلي رضا ومحمود رضا لزيارته وزيارة ابنه المصاب بالمستشفى فوجدوه في غرفة أبنه مع ثلاثة موسيقيين والغرفة مليئة بالنوتات الموسيقية التي التقطها في ملاحظاته مع محمود رضا في لقائهما منذ أيام وقد انتهى من كتابة الموسيقى كاملة لكل الرقصات ولم يتقاضى عليها أجر، ليصبح رغم علاقة القط والفار الدائمة بينه وبين محمود رضا أول قائد أوركسترا للفرقة حتى توفى عام 1974م، وأيضاً الصديق رقم واحد عند محمود رضا الذي قال عنه: إن 90٪ من نجاحنا ونجاح الفرقة يعود إلى موسيقى الموسيقار علي إسماعيل.
الرئيس جمال عبد الناصر مكتشف فرقة رضا محلياً وعالمياً
أعجب كثيراً الرئيس جمال عبد الناصر بفرقة رضا في احتفال اعياد الثورة بقصر عابدين لدرجة أنه وفي استقباله للرئيس تيتو رئيس يوغسلافيا ذهب به لمسرح نقابة المهندسين ليشاهد فرقة رضا للفنون الشعبية المصرية والمدهش أن بعد انتهاء العرض اصر جوزيف تيتو أن يصعد بنفسه على المسرح لتحية الفرقة كلها وهو الأمر الذي جعل جمال عبد الناصر أن يطلب من محمود رضا أن يكون جزءاً من مؤسسات الدولة الفنية بحيث يتفرغ لأبداعه الذي اشادت به شخصيات مهمة في العالم وأن تقدم له الدولة كل التمويل والدعم اللازم، وكانت البداية ارتباط الفرقة بمسرح التليفزيون، ورغبة عبد الناصر في الدفع بفرقة رضا لتجوب العالم بأسم مصر في كل احتفالية عالمية تقام بالخارج.