دعم فلسطين لا يحتاج حنجوريين أو مُدَّعِين. ومصر والمصريون ليسوا فى حاجة إلى تقديم إثباتات تبرهن على أنهم الأكثر دعمًا لها فعلًا قبل أن يكون قلبًا، فهوى القلب معروف ومجروح. والعالم اليوم لا يحتاج حنجوريين ولا يعترف بهم أو حتى تنطلى عليه حركاتهم. لذلك فإن حروب الهاشتاج- التى يبتدعها ويبدع فيها البعض، بعدما أصبحت حرفة وصنعة، وينخرط فيها البعض الآخر سواء بحسن نية أو سوئها- لن تقدم أو تؤخر فى ساحة الأحداث الدائرة رحاها حاليًا. كما أنها لن تؤثر فى مجريات الأمور الجارى التخطيط لها حاليًا. فرق كبير بين أن تمضى الساعات الطويلة فى ابتكار هاشتاج تسب فيه مصر وتلعن شعبها وتلوم على جيشها، وبين أن تمضى نفس هذه الساعات فى اكتساب معرفة حقيقية للقضية. القضية- التى هى ليست وليدة الأمس أو الانتفاضة الأولى أو الثانية- عمرها 73 عامًا. وما أفسدته سبعة عقود لن تحله محاولات عقيمة لإلقاء اللوم هنا أو تعليق الشماعات هناك. وعلى الرغم من أن مصر والمصريين لم يتخلوا يومًا عن إيمانهم ودعمهم فعلًا وقولًا للحق الفلسطينى والعربى، فإن استمراء تحميلهم مغَبّة ما وصل إليه الحال- وافتقاد الفلسطينيين أنفسهم وحدة الصف، وتوجيه البعض منهم جهد النضال والكفاح صوبنا، وانتظار الحلول السحرية الخيالية لتأتى عبر الخرافة- أمور لم تُجْدِ نفعًا. النفع الحقيقى هو التفكير المنطقى والتصرف الواقعى. واقعيًا، مَن كان ينتظر عودة الحزب الديمقراطى الأمريكى إلى الحكم لنصرة القضية فهو واهم. ومَن كان يعقد الأمل على جماعات وجمعيات حقوق الإنسان والسلام فى الخارج لترجيح كفة المظلوم فهو واهم. ومَن يستغل وقت انتظار تحرير القدس وإلقاء إسرائيل فى البحر فى الدعاء على الظالم والتنقيب فى جعبة مواعيد عودة المسيح الدجال ونهاية الكيان الصهيونى ونصرة المسلمين... إلخ، فهو متقاعس ومسهم فى توريث التواكل والتعتيم على مبادئ وقواعد استرداد الحقوق.
ومَن يعتقد أن النظام الحالى فى أمريكا سيهرع لنجدة الفلسطينيين وإنقاذهم من براثن موجات الدكّ والقتل الإسرائيلية فهو غارق فى الوهم. ومَن يتابع «دعوة» الرئيس الأمريكى بايدن لـ«الطرفين» للتهدئة يعى أن أمريكا لن تمد يدها لتضمد الجراح الفلسطينية لأن المصالح السياسية والاقتصادية الكبرى فى الكوكب لا تستوى هكذا. وحتى لو كانت الشعوب هى الأكثر تضامنًا وإنسانية ودعمًا للمظلومين والمقهورين، فحَرِىٌّ بنا أن نعلم أن قلة قليلة فقط فى الولايات المتحدة الأمريكية مَن تؤمن اليوم بأن على حكومة بلادها أن تبذل قدرًا أكبر من الضغط على إسرائيل لتوقف عدوانها، وذلك بحسب استطلاع للرأى أجرته شركة «بيو» المتخصصة فى أبحاث الرأى العام قبل أيام. وإذا أضفنا إلى ذلك صفقة الأسلحة بالغة التطور التى وافقت أمريكا على تصديرها إلى إسرائيل، بينما الأزمة الحالية فى أوجها، فإن الصورة تكون جَلِيّة. حل القضية لا يحتاج حنجورية.