احتفل جموع من المسلمين والمسيحيين فى كل أرجاء العالم بأعياد دينية خلال الفترة الماضية .. فقد احتفل الإخوة الأقباط بعيد القيامة المجيد كما احتفل المسلمون بحلول شهر رمضان المعظم ومن بعده عيد الفطر المبارك وتبادلوا التهنئة فى مناخ يسوده المحبة والصداقة لأننا لو اختلفت هويتنا الدينية حتما سوف نجتمع على حب الوطن والإنسانية وكما تقول المقولة الشهيرة " الدين لله والوطن للجميع".. فإذا اغلقت المساجد سنصلحى فى الكنائس وإذا أغلقت الكنائس فليأتى اخواننا الأقباط ليصلوا فى رحاب قلوبنا .. ودائما فى مصر الحبيبة يشكل المسلم والمسيحى نسيج متلاحم وبناء متماسك داخل ربوع الواحد لنعطى للعالم أروع مثل المحبة والصداقة التى تجمع المسلم بأخيه القبطى.
ولأن جوهر كل الأديان واحد فكل الكتب السماوية تدعو للحب والسلام والخير وعلى كل إنسان أن يحترم دين ومعتقد الآخر والوطن يتسع ليحتضن الجميع.. وفى الأزمات تظهر معادن البشر لنجد أن الجميع اتحدوا وتعاونوا كاليد واحدة ففى حرب أكتوبر ١٩٧٣م قد حارب المسلم بجانب القبطى للدفاع عن الوطن، فالوطنية نهر فى قلوب المصريين يروى أرواحهم كما يروى النيل أرضهم السمراء.
وقد عرفت الكنسية المصرية على مدار سنين طويلة بمواقفها الوطنية وحديثا قد شغلت قضية الوحدة الوطنية قلب وفكر البابا شنودة الثالث منذ توليه الكرسى المرقسى فى ١٤ نوفمبر ١٩٧١م وذكر له الكثير من المواقف الوطنية
نذكر منها حرب أكتوبر ١٩٧٣م حين عقد البابا شنودة الثالث اجتماعا مع الكنهة والجمعيات القبطية لحثهم على المساهمة فى دعم المجهود الحربى .. وفى عام ١٩٧٤م قام البابا شنودة بزيارة مقابر شهداء الحرب ووضع اكيلا من الزهور على النصب التذكارى للشهداء .. وقد قال عبارته الشهيرة والتى تعكس مدى حبه للوطن " مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" .. كما أعلن البابا شنودة الثالث وقال " لن ندخل القدس الإ وايدينا فى أيدى اخواننا المسلمين" وقد عرف البابا شنودة الثالث بمواقفه الوطنية والتى جعلت منه شخصية وطنية احبت الوطن بكل الصدق والإخلاص .
وقد تابع البابا تواضروس الثانى مسيرة الوطنية حاملا شعلة الدفاع عن الوحدة الوطنية ومن مقولاته الشهيرة " وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن " وقد عكست هذة المقولة حبه للوطن ومدى حكمته بعد واقعة حرق بعض الكنائس على يد بعض العناصر الإرهابية .. وقد أكد أن أى حوادث لن تمس النسيج الواحد للمصريين كما أكد على وقفة الكنيسة بجانب الدولة، وعقب الهجوم على مسجد الروضة بالعريش والذى راح ضحيته الكثير من المسلمين الأبرياء أعلنت الكنسية القبطية الأرثوذكسية عن دق جميع أجراس الكنائس تضامننا مع المسلمين وحزنا على أرواح الشهداء .. كما رفضت الكنيسة أى تدخل أجنبى فى شئون مصر الداخلية، فقد كانت كل مواقف الكنيسة المصرية تعكس عمق الوطنية والحفاظ على الوحدة الوطنية وهى مواقف تستحق كل الإحترام والتقدير..
وإذا انتقلنا للحديث عن الأزهر الشريف سنجد أن العلاقة بين مؤسسة الأزهر والكنيسة علاقة تتسم بالتوافق والمحبة والتعاون منذ ثورة ١٩١٩م حينما قاد الشيخ محمد عبد اللطيف مسيرة الأزهر وخطب وقتها من الكنيسة القبطية وظهر شعار يحمل " تحيا الهلال مع الصليب" .. وقد ربطت صداقة قوية بين شيخ الأزهر فضيلة الإمام محمد سيد طنطاوى والبابا شنودة الثالث، وبعد ثورة يناير ٢٠١١م برز الدور الوطنى للمؤسستين الأزهر والكنيسة وقد رأى الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس الثانى ضرورة إنشاء بيت العائلة المصرية ككيان يضم المؤسستين، وإذا رجعنا بالذاكرة ففى ٣ يوليو ٢٠١٣م عندما أعلن سيادة المشير عبد الفتاح السيسي آنذاك عزل الرئيس السابق محمد مرسى كان بجانبه الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة البابا وهذا يدل على التلاحم والتوالفق بين الأزهر والكنيسة ومدى دعمهم للدولة وحبهم للوطن، فالمؤسسات الدينية فى مصر الإسلامية والقبطية تسود بينها روح المحبة والمودة وتعمل من أجل نهضة الوطن ووحدة الأمة.
وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة يحرص على دعم كل أطياف الشعب المصرى وتوطيد الوحدة الوطنية وقد شارك سيادته فى قداس أعياد الميلاد المجيدة عدة مرات منذ توليه مقاليد السلطة حريصا من سيادته على تقديم التهنئة للأخوة الأقباط فى أعيادهم حيث أنه فى عام ٢٠١٥م وفى مبادرة مفاجئة منه كأول رئيس يحضر القداس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتهنئة الأخوة الأقباط وقداسة البابا تواضروس الثانى وكانت لافته مميزة وراقية من سيادته وسط تصفيق الحاضرين، وتوالت بعد ذلك زيارة السيد الرئيس للكنيسة لتقديم التهنئة إيمانا منه بضرورة نشر روح المحبة بين كل أطياف الشعب المصرى .. كما كان سيادته حريص على إفتتاح مسجد "الفتاح العليم" وكاتدرائية " ميلاد المسيح " فى العاصمة الجديدة، كما حرص سيادته على إصلاح وتجديد كل الكنائس التى تعرضت للتخريب على يد بعض العناصر الإرهابية.. تلك هى مصر يا سادة وستظل بلد جامع عمرو بن العاص والأزهر الشريف وبلد الكنيسة المعلقة وشجرة مريم ودير سانت كاترين .. بلد مرت بها رحلة العائلة المقدسة ... مصر ستظل تحتضن بحب الهلال مع الصليب.