محمد فتحي عبدالعال يكتب: علي بابا.... قصة من مصر

محمد فتحي عبدالعال يكتب: علي بابا.... قصة من مصر
محمد فتحي عبدالعال يكتب: علي بابا.... قصة من مصر

جميعنا ونحن صغار  سمعنا بقصة علي بابا الرجل الرقيق الحال الذي يعمل ببيع الحطب والذي  تقوده الصدفة ليسمع مجموعة من اللصوص عددهم أربعين يتحدثون عن مغارة مليئة بالذهب والجواهر والأموال وأن كلمة السر لها هي : "افتح يا سمسم" فيسرع علي بابا إلى المغارة ويستولي على الكنز ويهنأ مع زوجته مرجانة في نهاية المطاف بالكنز بعدما خلصه القدر من أخيه قاسم ومن اللصوص معا... الحقيقة أننا بالشرق تشربت عقولنا بأن علي بابا رجل صالح ولكن الهنود كانوا أكثر وعيا وفهما لحقيقة القصة وأن علي بابا لم يكن بتصرفه هذا وعدم تسليمه الكنز للشرطة سوى لصا سرق لصوصا ومن هذا الفهم نستطيع أن نصل إلى أصل الحكاية.

في عصر الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي كان المصريون العاملون في المناجم  لاستخراج الذهب والجواهر الكريمة بالصعيد على حدود مصر بالقرب من بلاد النوبة يتعرضون لغارات مستمرة من قوم  محاربين يسمون (البجة) يسكنون الصحاري  اختلف في أصلهم بين المؤرخين فمنهم من يعتبرهم أحباشا أو من الشعوب الأفريقية القديمة وأخرون يرجعون أصولهم للجزيرة العربية ويسكنون شرق السودان منذ القدم  !!.

مستشاري المتوكل اشاروا عليه بصعوبة مواجهة محاربين كهؤلاء مدربين على الكر والفر  ويقطنون مناطق وعرة لذلك تقاعس المتوكل لبعض الوقت عن نجدة أهل مصر ولكن حينما وجد أن الغارات قد أثرت بالسلب على حصة الخلافة من دخل المناجم أرسل جيشا بقيادة محمد بن عبد الله القمي ويقال أنه  استخدم سلاح الحيلة فوضع الاجراس على أعناق الخيل  حتى تحدث ضوضاءا مما جعل جمال البجة تنفر  وأمام التفوق التنظيمي لجيش المتوكل انهزم ملك بلاد البجة وكان اسمه (علي بابا أو علي أولباب) وحمل أسيرا إلى المتوكل حيث أكرمه وأعاده إلى بلاده معززا مكرما بعدما تعهد بعدم الإغارة مجددا على مناجم الذهب المصرية.

ذهب البعض إلى أن كنوز المناجم المصرية والتي حصل عليها علي بابا وقومه من البجة كانت ملهمة لبعض الكتاب لاختلاق أحداث  قصة علي بابا والأربعين حرامي ذائعة الصيت .

ولأن الشئ بالشئ يذكر  فحياة الخليفة المتوكل كانت اشبه هي الأخرى بحكايات ألف ليلة وليلة فلقد جمع القدر بين قلب الخليفة وبين حب حياته الجارية الرومية (قبيحة) والتي داعبت فؤاد الخليفة حينما كتبت اسمه  “جعفر" على خدها الأسيل بمسك بنكهة الزعفران.. الطريف أن اسم قبيحة هو الاسم الذي اختاره المتوكل لها ليواري خلفه شدة جمالها وحسنها عن أعين الحاسدين!!.

أنجبت قبيحة من المتوكل ابنا هو المعتز بالله وراحت تمارس ضغوطا على المتوكل لاحلال ابنها المعتز بالله بدلا من نجله الأكبر المنتصر في ولاية العهد مما أوغر صدر المنتصر خاصة مع إلقاء المعتز لخطبة الجمعة  نيابة عن المتوكل  أثناء مرضه فنال استحسان الجميع  فاشتعلت نيران الغيرة لدى المنتصر   فقتل أباه بمعاونة القادة الأتراك الذين تزايد نفوذهم ويمرض المنتصر فجأة ويموت ويخلفه المستعين بالله أخو المتوكل ومع مؤامرات قبيحة يخلع المستعين نفسه عن الخلافة لكن لم تقنع قبيحة بذلك فأرسلت تطلب من أحمد بن طولون قتله فلما رفض  طلبت من سعيد الحاجب قتله فقتله وكان طلب المستعين الأخير أن يصلي ركعتين لله وحملت رأسه للمعتز وهو يلعب الشطرنج فكافأ قاتله.

وتدور الأيام وتجني قبيحة ثمار ما زرعت من قبح و كراهية ودماء حيث يقع الخلاف بينها وبين زعيم الجند الأتراك صالح بن وصيف فتحاول أن تألب الأتراك عليه بمنع رواتبهم حتى يقتلوه لكن ابن وصيف كان أذكى منها فأعلم الجند أن قبيحة وابنها الخليفة ممتنعان عن دفع الرواتب. حاول المعتز بالله احتواء الأمر فطلب من قبيحة خمسين ألف دينار لدفع رواتب الجند فرفضت وهنا جانبها الصواب والحكمة التي تقتضي الانحناء للعاصفة فتركت ابنها لقمة سائغة بين الجند الأتراك الذين أوسعوه ضربا ولطما حتى تنازل عن الحكم ومع ذلك استمروا في تعذيبه حيث منعوا عنه الطعام والشراب وجعلوه في بيت وسدوا بابه حتى مات عطشا  .

حاولت قبيحة تهريب أموالها عبر سرداب بالقصر  وتوارت عن الانظار في شعبان ثم عادت في رمضان بعد وساطة مع ابن وصيف والذي حصل منها على ألف ألف دينار وثلاثمئة ألف دينار وسفطا من زمرد وأخر من لؤلؤ فقال مندهشا من حجم ثرائها الكبير : "قبح الله قبيحة عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ولديها كل هذه الأموال ".

لم يكتف ابن وصيف بالمال بل عذب غريمته السابقة واغتصبها ثم تركها تذهب لمكة لتدعو عليه صارخة :  "هتك صالح ستري وقتل ولدي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني" بالطبع نال صالح عقابه بعد ذلك حيث قتل وحملت رأسه إلى الخليفة المهتدي.

بقي أن نعرف ما خلفه أبطال قصتنا فالمتوكل له جامع الملوية أو جامع الجامع بسامراء بمئذنته الملوية المميزة كما شيد مدينته المتوكلية أما قبيحة فكان لها  دار  بشارع باب  الصفصاف بطرسوس أوقفتها  لضيافة المجاهدين في سبيل الله أو طلاب العلم.

المراجع والمصادر

1-تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي

2-تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري

3-هجرة القبائل العربية إلى وادي النيل مصر والسودان لضرار صالح ضرار

 

 

د. محمد فتحي عبد العال

كاتب وباحث