استمعتُ إليه في أحد المجالس وهو يحدّث الجالسين المُنصتين إليه بإسهاب، عن إقامته الفخمة الراقية في إحدى الدول الغربيّة لعشر سنوات، وقد قال بأنّ تلك الدولة التي لجأ إليها وسيعود إلى ربوعها بعد إجازته القصيرة ،آمّنت له الإقامة و الرفاهية والرعاية الصحيّة والراتب الوظيفيّ المحترم والمسكن المريح والسيّارة الحديثة ووفّرت له الدخول إلى المنتجعات والمسابح والملاعب والمسارح ودور السينما....
ولكنّها لم تؤمّن له الحريّة كما في وطنه الأصليّ فهو يحسّ بالاختناق ويشعر بالضّجر والملل في غربته من مبالغة الدولة المُستضيفة له ولغيره بمراقبة مواطنيها والمقيمين على أرضها، وحثّهم دائماً على إطاعة القوانين بحرفيّتها....
وأردف قائلاً :
- أنتم محسودون في هذا البلد الغالي على ماحُرِمنا منه في غربتنا القاسية ، فيمكنكم أن تخالفوا إشارات المرور دون أن تُعاقَبوا ، ويمكنكم أن ترموا بفضلات الطعام والأوساخ في الشوارع دون أن يحاسبكم أحد، ويمكنكم أن تقتلوا العصافير والقطط والكلاب والحيوانات كلّها بدم بارد ،ودون أن يسائلكم أحد عن ذلك، ويمكنكم أن ترفعوا أصواتكم بالصراخ والسباب والغناء والشتم إلى أعلى درجات الصوت دون حسيب أو رقيب...
وتستطيعون أن تنفخوا دخان سجائركم في الأماكن العامّة دون أن تخافوا من العقوبة ، وتستطيعون أن تتسلّوا وتثرثروا بنقالاتكم وأنتم تقودون سيّاراتكم أو تسافرون في الحافلات العامّة، ويمكنكم أن تخرقوا جدار الصوت بدرّاجاتكم الناريّة وأنتم تقودونها بين المنازل والمشافي والأماكن العامّة مستعرضين مهاراتكم في استخدام السرعة في قيادتها وجعلها تتراقص على إطار واحد دون أن تحسّوا بقلق وخوف، كما يمكنكم أن تعملوا أكثر من عمل واحد في اليوم فتصلون ليلكم بنهاركم في الاجتهاد من أجل كسب الرزق دون أن تُمنَعوا من ذلك بحجّة القلق على صحتكم...
ويمكنكم أن تتجمّعوا في المناسبات العامّة والخاصّة في أيّام الوباء دون أن تضعوا الكمامات ودون أن يفرضها عليكم أحد...
ويمكنكم أن تمارسوا مهنة الطبّ والتداوي بالأعشاب دون أن تحتاجوا إلى شهادات تثبت جداراتكم في ذلك، ويمكنكم أن تقطعوا أشجار الغابات وتحرقوها متى شئتم وكيفما شئتم وأنّى شئتم....فما أجمل حرّيتكم في بلدنا الغالي المُتحضّر وما أقبح تقيّدهم بالقوانين في بلدهم الغربيّ الغريب المُتخلّف.