عمرو الزيات يكتب: سيادة العضو

عمرو الزيات يكتب: سيادة العضو
عمرو الزيات يكتب: سيادة العضو

أرسَلَ إلينا أحدُ المتابعين بطلب صداقة على حسابنا (فيسبوك)، ونحن لا نقبل طلبًا جديدًا إلا بعد تفكيرٍ طويل؛ لأننا – وهذا حقٌٖ لا مِراءَ فيه – لاقَينا من الناس –إلا قليلًا منهم– ألوانًا من الجحود والنكران، ولا ندري لأي سبب يقابِلُ المرءُ الإحسانَ بهذا الجحود؟!

نعود للطلب وصاحبه، ظل هذا الطلب معلَّقًا قرابة شهرين لم يبرَح مكانه، ولم نلتفت إليه لسببٍ واحدٍ نؤمن به إيمانًا لا يُزَحزِحُه مُزَحزِح، ولا يغيّره مغيّر خلاصته: أن من يُقَدِّمُ لاسمه بمثل هذه الألقاب ( الشاعر، الناقد، الأديب....) إلى آخر تلك الألقاب الجُوفِ إنما يخفي خلفها من النقص والمرض ما لا سبيل إلى علاجه إلا بتلك الألقاب التي تشبه المسَكِّناتِ التي يصفها الطبيب للمريض لتخفيف الآلام، وما أكثرَ المرضى!! وما أقسىٰ آلامَهم وأنينَهم!!

في ليلةٍ شديدةٍ الظُّلمة تشبِه كثيرًا الصدفةَ التي أوقعت صاحبَ الطلب في طريقي كنت أقلِّب في طلبات الصداقة، وقبلتُه صديقًا عن طريق الخطأ، وكأنه كان يترصَّدُني؛ إذ أرسلَ إليَّ رسالةً (في لحظتها) كما يقول الناقمُ الناقمُ، الشاعرُ الشاعرُ، المؤرَّقُ المؤرَّقُ (اللمبي الفخيم)، وظننتُ أنه يراقبني، فقلتُ لنفسي: لقد كسَبَ ذلك لنفسه!

- مرحبًا أستاذَنا الحبيب.

- مرحبًا سيدي كتبتها، وأنا أردد: لا مرحبًا بكَ ولا حُيِّيت.

- أنا (عضو).

ولا يدري هذا الأحمق أنه يمنحني سلاحًا لأصرَعه به في ميدانه وبكلماته، قلتُ له: ولديَّ أيضا عضو؛ لكنه لم يفهم وقال: أنا عضوٌ في جمعية كذا...

لكنك لم تخبرني هل مازلتَ عضوا عاملًا مؤثرًا؟ أم أنك عَنِين؟!

- ماذا تعني كلمة عَنِين تلك؟! قلتُ: إنها كلمة تدل على أنك لا تمارس الإبداع، أسرَعَ كالمحموم: لا يا سيدي، أنا مبدع!

قلتُ له: لم أفهم، هل أنت عضو أم مبدع؟! قال: عضو مبدع، فعقَّبْت على كلامه: أعلم أن جميع الأعضاء مبدعة.

- أريد أن أشارك في مجلة الديوان بنصٍّ أو نصَّين، بادرتُه: أو ثلاثين أو خمسين، ويبدو أنه ظنَّ الأمر جادَّاً فقال: تمام.

قلت له: وماذا تكتب؟!

- أكتب الشعرَ القديمَ والجديدَ والقصةَ القصيرةَ والطويلةَ  - يعني الرواية - والمسرحيةَ..

- الله، الله، لكن أيها (العضو) ما الشعر القديم هذا؟ وما الجديد؟ فهل تكرمتَ علينا وأنرتَ عقلنا وقلتَ لنا قولا جامعًا مانعًا في الفرق بين الشعرين أيها العضو الذي ما فتئ ينفذ بين كل دفين، ويغوص في بحار العلم؟!

- عيب دا حضرتك أستاذُنا وناقدٌ كبير، كيف أعرّف حضرتك؟!

- دعك مني؛ وخبِّرني بالله عليك! أنت عالِمٌ والعلماء لا يبخلون بعلمهم على الدَّهْماء أمثالي، لاقت كلماتي تلك منعطفًا رحيبًا لدي السيد العضو، وأخذ يشرح الفرقَ بين الشعر القديم – يعني الخليلي – والشعر الجديد، ومما فهمتُه منه أن الشعر القديم قد أصبح كالتحف النادرة وأنه يحتاج (وزنًا)، وأن الجديد لا يحتاج ذلك، فأسرعتُ قائلًا: تعني أن الشعر الجديد (بالمتر)؟! فضحك الأحمق، وقال: لا يا أستاذَنا، إن الموضوع كبير، وأكبر مما تتخيل حضرتك، قلت له: نعم ربما كان الموضوعُ أكبرَ من إدراكي أيها العضو، وحظَرتُه فلم أسمع له رِكزا.

يظن هذا (العضو) ومَن على شاكلته من (الأعضاء) أن الشعر العربي يجب أن يسري عليه ما يسري على غيره من التطوير والتجديد –وهذا حقٌّ– لكن الخطأ كلَّ الخطأ إذ يظنونه سلعةً يطوِّرها أصحابُها كالسيارات والحواسيب والملابس؛ إذ لكل فترة – في نظر تلك الأعضاء -من الزمن ما يناسبها من (الموديلات)، وهذا ما جعلهم يطوّرون في شكل وبناء القصيدة – أعني يحطمون بناءها – إننا نشفق على هؤلاء القوم "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".