إيران دولة إرهاب بحسب التصنيف الأميركي. وإذا حدث وقرر الرئيس الأميركي جو بايدن أن يُفرج عن عشرات المليارات من الأموال الإيرانية المجمدة، ويفتح أمامها طرق الحصول على المزيد من البنوك الكبرى وأن تستفيد من قنوات النظام المصرفي العالمي، فإنه سيكون أكبر ممول للإرهاب على مر التاريخ ومن دون منازع.
لو كانت الإدارة الأميركية تحترم قواعدها، فإنه يتعين عليها قبل أن ترسل دولارا واحدا، أن ترفع إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب،على الأقل لكي تحترم معاييرها الخاصة.
أما إذا كانت الأدلة التي تتوفر للإدارة الأميركية تقول إن هذه الدولة هي أكبر راع للإرهاب في العالم، فإنه سيكون من الجريمة أن تحصل على مكافآت الكل يعرف إلى أين ستذهب.
لا يمكن حمل هاتين “البطيختين” بيد واحدة. “تجفيف منابع الإرهاب” لا يمكن أن يعني تحويل الأموال إلى الدول الراعية للإرهاب.
قد يستطيع الرئيس بايدن أن يراهن على دعم حزبه في الكونغرس، على أساس من مسالك القطيع المألوفة في البرلمانات، إلا أنه سيواجه معارضة شديدة من جانب الكثير من نواب وشيوخ الديمقراطيين أيضا. كما أنه سوف يمنح الجمهوريين سلاحا قويا للهجوم عليه وعلى سياساته المتخاذلة تجاه إيران.
فإذا ظن أنه سوف ينجو من الانتقادات، فإنه سوف يكمل سنوات رئاسته وهو جريح، بل ويعطي الرئيس السابق دونالد ترامب ولكل منافسيه الجمهوريين ذخيرة حية لإطلاق النار عليه.
النواب الجمهوريون في لجنة الأمن القومي بالكونغرس دعوا الرئيس بايدن إلى عدم التراجع عن العقوبات المفروضة على إيران باعتبارها واحدة من أقدم الدول التي أدرجتها الخارجية الأميركية كدولة راعية للإرهاب. وذكروه بكل “أنشطة إيران الخبيثة، بما في ذلك برنامجها النووي، وتطوير الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، ودعم الإرهاب واحتجاز الرهائن والهجمات الإلكترونية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
الموقف الهزيل الذي يتبناه الرئيس بايدن تجاه الغطرسة الإيرانية وأعمال ميليشياتها هو بحد ذاته يشجعها على المزيد لأنها فهمت مغزى رسائل الضعف التي يقدمها لها. وسيكون من حقها الطبيعي أن تستفيد منها.
ما لا يريد الرئيس بايدن أن يفهمه هو أن إيران ليست دولة يمكن التوصل معها إلى اتفاقات. إنها جمهورية عصابة. تمارس أعمال الابتزاز والتهديد مثل أي عصابة أخرى. والولايات المتحدة واحدة من ضحاياها.
قائمة أعمال الإرهاب التي نفذتها إيران ضد الولايات المتحدة طويلة للغاية. وأنقل بعضا منها:
في عام 1982 تم اختطاف 96 مواطنا أجنبيا في لبنان بينهم 25 أميركيا مما أثار “أزمة رهائن” استمرت 10 سنوات قام بها “حزب الله” في لبنان.
وفي عام 1983 تم تفجير السفارة الأميركية في بيروت من قبل “حزب الله” وتسبب بمقتل 63 شخصا في السفارة.
وفي عام 1983 قام الإيراني إسماعيل عسكري الذي ينتمي للحرس الثوري بتنفيذ عملية انتحارية في بيروت على مقر مشاة البحرية الأميركية نجم عنها مقتل 241 وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأميركيين. وبالتزامن مع هذه العملية تم تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت نجم عنه مقتل 64 فرنسيا مدنيا وعسكريا.
وفي عام 1983 قام عناصر من “حزب الله” وحزب الدعوة (الآن بقيادة نوري المالكي صديق بايدن كما يزعم المالكي) بمجموعة هجمات طالت السفارة الأميركية والسفارة الفرنسية في الكويت ومصفاة للنفط وحي سكني نجم عنها مقتل خمسة أشخاص وجرح ثمانية.
وفي عام 1984 قام “حزب الله” بهجوم على ملحق للسفارة الأميركية في بيروت الشرقية نتج عنه مقتل 24 شخصا من بينهم أميركيون.
وفي عام 1985 قام النظام الإيراني بتدبير عملية اختطاف طائرة خطوط TWA، واحتجاز 39 راكبا أميركيا على متنها لمدة أسابيع وقتل أحد أفراد البحرية فيها.
وفي عام 1989 اختطاف وقتل عدد من الدبلوماسيين الأميركيين في لبنان.
وفي عام 1996 تم تفجير أبراج سكنية في مدينة الخبر نفذه “حزب الله الحجاز” ونجم عنه مقتل 120 شخصا من بينهم 19 من الجنسية الأميركية.
ووفرت إيران منذ العام 2001 ملاذا آمنا لعدد من زعامات القاعدة بمن فيهم سعد بن لادن وسيف العدل وآخرون، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر ورفضت تسليمهم إلى بلدانهم.
وفي عام 2003 وقعت تفجيرات الرياض بأوامر من أحد زعامات القاعدة في إيران نجم عنها مقتل العديد من المواطنين السعوديين والمقيمين الأجانب ومن بينهم أميركيون.
وما كل ذلك إلا غيض من فيض الأعمال الإرهابية الأخرى التي مارستها دولة العصابة ضد بلدان أخرى. ولو شاء الرئيس بايدن أن يكلف بعض موظفيه بإعداد قائمة بكل أعمال الإرهاب والجرائم التي مارستها إيران وعصاباتها في كل أرجاء العالم، فإنه سوف يحصل على قائمة يمتد طولها إلى عدة كيلومترات.
لقد أظهر بايدن لإيران أنه ضعيف ويميل إلى المساومة ومستعد لتقديم تنازلات. وإيران تستفيد من كل ذلك.
دولة العصابة هذه قد تهدد بإنتاج أسلحة نووية، إلا أنها تريد أن تقايض هذه الأسلحة لكي تحافظ على نشاطات العصابة الأخرى. ولهذا السبب فإنها ترفض بحث أعمالها التخريبية في المنطقة.
- في صدد التصريح بنظرية "عودوا فنعود" لمعالجة العودة إلى الاتفاق النووي ليست مجرد غطاء وهمي لتلبية مطالب حكام إيران بل هي استعداد مجاني للتواطؤ مع إيران تحت ذريعة التخلي عن تطوير قنبلة نووية.
- هل يعرف الرئيس الأميركي جو بايدن حقا ماذا يريد من إيران؟
الجواب الذي تستطيع توقعه من المتحدثين باسمه هو أنه يعرف. ولكن ضع ما يريد، في مقابل ما يقدمه لإيران من تنازلات، وستخرج بإحدى نتيجتين هما: إما أنه يتخبط أو أنه يعاني من اضطراب في التفكير المنطقي المتوازن العاقل .
إيران، بحسب تصنيف الخارجية الأميركية، هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. الأدلة على ذلك كثيرة إلى درجة أنها تكفي لكي تجعل الأعمى بصيرا. إلا أن الرئيس بايدن لا يراها. وهو يحرك مسؤولي وزارة الخارجية لكي يقدموا التعهد تلو الآخر بأن الولايات المتحدة تعتزم رفع العقوبات عن إيران. وهو ما يعني إيصال عشرات المليارات من الأموال لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. فهل يظن السيد بايدن أن هذه الأموال ستذهب للأعمال الخيرية؟
“الحوار الاستراتيجي” بين مسؤوليه وبين العراق انتهى إلى الإقرار بأن يكون العراق خاليا من “القواعد الأميركية والأجنبية”. أي أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من قواعدها في العراق، وألا تكون هناك “قواعد أجنبية” أيضا، وهي إشارة خجولة إلى أن إيران أو تركيا لن تقيما قواعد في العراق. وهو ما يشير إلى تشوش ذهني حقيقي. ذلك أن لإيران قواعد أينما وجد الحشد الشعبي. وهو جيش تابع للحرس الثوري الإيراني. فهل يجهل السيد بايدن ذلك؟
تقديم الخدمات بين الدول لا يقتصر على تنازلات مجانية. يكفي فقط أن تترك فراغا يحتله الآخر، أو أن تقدم تسهيلات يستفيد منها الآخر، أو أن تتذرع بمطالب واهية فتحصل عليها، بينما تقدم للطرف الآخر ما يريد الحصول عليه. وهذا ما يجعلك متواطئا عن عمد أو مجنونا.
- ماذا يعني انسحاب القوات الجوية الأميركية من العراق ؟ !
كان بمثابة إعلان لا يرقى إليه الشك بأن الرئيس بايدن يريد أن يُخلي الساحة في العراق لإيران وميليشياتها. ولم يمض وقت طويل حتى انتهى “الحوار الاستراتيجي” إلى إخلاء كل ما بقي من قواعد أميركية في العراق.
- هذا الفراغ من سيتكفل باحتلاله؟
وما كان ذاك الحوار إلا حوارا تحت غطاء رسمي بين ميليشيات إيران وبين واشنطن، وانتهى بأن كرّس اتفاق العام 2008 الذي كان بمثابة اتفاق تسليم وتسلم بين واشنطن وطهران لإدارة السلطة في العراق، مع بقاء المصالح الاقتصادية الأميركية قائمة فيه.
ليس هذا فحسب. نظرية “عودوا، فنعود”، لمعالجة “العودة إلى الاتفاق النووي”، ليست مجرد غطاء وهمي لتلبية مطالب إيران. إنها استعداد مجاني للتواطؤ مع إيران تحت ذريعة “التخلي عن تطوير قنبلة نووية”.
قد يبدو الرئيس بايدن وكأنه يتصرف بدوافع غبية، ولكنها في الواقع دليل على تشوش ذهني لا يتناسب مع الزعم القائل إنه “يعرف ما يريد”. فهو من الناحية العملية يقدم خدمات لإيران، ولكنه يحاول إيجاد تبرير “إجرائي” لها لكي لا يبدو تصرفه فاقعا.
- الاتفاق النووي الماجن ما بين بايدن وايرن يهدد مصير واستقرار المنطقة بل والعالم :
معاداته المكشوفة للسعودية هي وحدها مؤشر كاف إلى أنه يسعى إلى تقديم مكافآت لعصابة الولي الفقيه. تلك المعاداة تتخذ من جريمة مقتل شخص واحد ذريعة لتعديل استراتيجي تاريخي في العلاقة بين حليفين يعود تاريخ التحالف بينهما إلى زمن الرئيس روزفلت، بينما يتجاهل جرائم القتل اليومية التي ترتكبها عصابة الولي الفقيه تلك داخل إيران وخارجها.
بايدن، إذا كان واعيا بما يفعل، فإنه بكل أسف يتصرف كشخص وفيّ لتواطؤاته السابقة مع إيران، ويريد أن يجددها بأن يضيف إليها خدمات جديدة.
السؤال الكبير الذي يواجه دول المنطقة هو: ما العمل حيال متواطئ يهدد الاستقرار الإقليمي ويتجه إلى أن يكون أكبر ممول للإرهاب في التاريخ، وذلك بأن يُفرج عن عشرات المليارات من الأموال لجمهورية الحرس الثوري وهو يعرف جيدا أين يمكن لهذه الأموال أن تذهب.
بايدن يعرف إيران جيدا. ومثلما أنه لم يسع إلى تغيير مسالكها في السابق فإنه لا يسعى إلى تغيير مسالكها الآن.
ولو كان هناك من ينظر إلى إيران على أنها يمكن أن تعود لتتصرف كدولة لا كمجرد تنظيم ميليشياوي فهذا وهم لا يتوهمه بايدن أصلا. ذلك لأنه تعايش معه ولم يشكل مصدرا للقلق أو الضيق لديه على الإطلاق.
الجرائم التي كانت تمارسها ميليشيات إيران في العراق على امتداد سنوات حكم الرئيس باراك أوباما لم تقلقه هي الأخرى وتعمد الصمت عليها، لأن تلك الميليشيات ظلت تحافظ على حصة الولايات المتحدة من كعكة النهب والفساد في العراق.
- “عودوا، لنعود” ماذا تعني؟
هي لا شيء في الواقع. والجانب الإجرائي منها ليس معقدا إلى تلك الدرجة التي تحول دون التوصل إلى “خارطة طريق”. وها أن اجتماعات “5+1” في فيينا، تحدد لها الخطوات لكي تبدأ المليارات تنهال على إيران.
المشكلة لا تكمن هنا. فذلك ما سوف يحصل في النهاية. المشكلة الأهم هي أن دول المنطقة تحتاج إلى إطار استراتيجي جديد يحفظ لها حقها في الدفاع عن استقرارها، أو ينأى بها على الأقل عن عواقب أعمال التواطؤ التي تمارسها إدارة بايدن.
- تقليص وجود القوات الأميركية في الخليج :
خطوة اتخذها بايدن للتعبير عن موقف استراتيجي لا يمكن أن تغطيه المداهنات. وهذا ما قد يبدو وكأنه أزمة قيد الاتمام . إلا أنه يمكن في المقابل أن يكون مصدر فرصة قيد الاتمام أيضا.
الولايات المتحدة ليست في النهاية القوة العظمى الوحيدة في العالم ولا هي مصدر السلاح الوحيد. ولا التعاقدات معها إجبارية عندما لا تحترم التزاماتها الاستراتيجية
ما قد يبقى عالقا، دون حل، هو أن بايدن يقدم خدمات لـ”أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم” من دون أن نعرف بأيّ ممسحة سوف يمسح ذلك التصنيف أو كيف سيقنع الكونغرس بما يفعل أو ما إذا كان اضطراب تفكيره المنطقي سوف يتطور إلى أن يصبح حارسا لنفوذ إيران في المنطقة بدلا من مكافحته !!.
لو كانت إيران دولة، كباقي الدول، لما كانت حاربت بعصابات مسلحة !!. الدول تحارب بجيوشها، لا بميليشيات. ولكن دولة العصابة تعرف مسبقا أنها تستخدم هذه الميليشيات كما تفعل أي عصابة مافيا ومخدرات وخلافه . وتطلب منها أن تمارس أعمال الترويع والقتل لكي تفرض نفوذها من خلالها. العراق مثال صارخ على ذلك. ومصالح الولايات المتحدة المهددة في هذا البلد دليل صارخ في المقابل على مدى تخاذل الرئيس الأميركي وجبن قادته العسكريين، بل تواطئهم أيضا. فقد كانوا هم أنفسهم يمارسون أعمال الترويع لخدمة مصالح إيران لأنها أعطتهم جزءا من الكعكة لدى قيامهم بغزو العراق وسلب ثرواته .
-وفي النهايه قولا واحدا دامغا , ما من دولة في العالم ارتكبت جرائم إرهاب في الخارج أكثر مما فعلت دولة العصابة في إيران. ولكنها من جريمة إلى أخرى ظلت تنجو من العقاب. وها هو الرئيس الأميركي السادس والأربعون جو بايدن يبحث عن سبيل لتمويل قدرتها على مواصلة تلك الجرائم. لا ليكون أضعف رئيس عرفته الولايات المتحدة ، بل ليكون أكبر ممول للإرهاب على مر التاريخ.