إصرار إثيوبيا على المضي قدما في تنفيذ خططها للملئ الثاني لسد النهضة دون الاتفاق مع مصر والسودان طبقا لإعلان المبادئ، يعد تمهيدا لارتكاب حرب مياه متكاملة الأركان ضد ١٥٠ مليون مواطن مصري وسوداني فور بدء عملية الملئ.
والمؤكد أن تداعيات هذا الملئ ستتفاقم لاحقا، وهذا ما يعني بعبارة أخرى أن أديس أبابا بتعنتها وموقفها المتسلط بصدد شن حرب مياه ضد الشعبين المصري والسوداني بكل ما تعنيه الكلمة.
تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي بشأن بيع الفائض من مياه النيل بعد استكمال بناء السد ثم عدوله عنها بعد دقائق بزعم أنه لن يكون هناك فائض من مياه النيل الأزرق تؤكد أن حكومته بالفعل بصدد إرهاصات هذه الحرب،فالأمر لا يختلف بين استخدام أقوى أسلحة الدمار الشامل، أو بناء سد لحجب المياه إذا كانت النتيجة في النهاية واحدة.. ما انتهى إليه الموقف الإثيوبي تجاه مفاوضات سد النهضة يؤشر إلى أن أديس أبابا ماضية في مخططها لارتكاب أبشع الجرائم، فبعد أن كان حديث المفاوضات مركز على ضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم بشأن سنوات الملء، ومشاركة السودان ومصر في عملية إدارة وتشغيل السد كون نهر النيل نهرا دوليا، بدأت إثيوبيا تتحدث عن ضرورة إعادة تقسيم حصص مياه النيل ضاربة الحائط بكل الاتفاقات الدولية التي أبرمت منذ عام ١٩٠٢ وتضمن حصول مصر والسودان مجتمعين على ٧٠ مليار متر مكعب فقط من إجمالي المياه التي تجري في النهر والتي يتجاوز حجمها أكثر من ١٠٠٠مليار متر مكعب.
حكومة أبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام والمنخرط في عدة حروب أهلية ضد عرقيات مختلفة من أبناء شعبه والمتهم بارتكاب جرائم حرب في إقليم تيجراي وأقاليم أخرى، أعلنت بعد انتهاء الملء الأول أن نهر النيل بات بحيرة إفريقية خالصة، أي أنها وبعد انتهاء عملية الملء الثاني سيكون من يقرر الحصة التي تحصل عليها كل من مصر والسودان حال كانا قادرين على دفع ثمنها، وبتصحيح الناطق باسم خارجيتها دينا مفتي تصريحاته قبل أيام بشأن بيع الفائض من مياه النيل بقوله إن بلاده لن يكون لديها فائض تبيعه بعد الملء الثاني، لن يسمح أبي أحمد بجريان ولو قطرة مياه واحدة في مجرى النيل الأزرق أو هذا ما يمكن فهمه على الأقل من سياق تلك التصريحات والمواقف.
الاتحاد الأفريقي برئاسة دولة جنوب أفريقيا أضاع مائتي يوم على الأقل في مفاوضات عبثية بحسب التصريحات السودانية، ما أفقد الاتحاد قدرته على لعب دور الوسيط الحقيقي، وجعل التوصل لاتفاق قانوني ملزم للجانب الإثيوبي أمر مستحيل، وحتى لو تم التوصل لمثل هذا الاتفاق بات من الصعب الثقة في التزام أديس أبابا ببنوده دون وجود وسطاء دوليين كشهود عليه وهو ما دفع السودان إلى طلب وجود وساطة رباعية يمثلها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
ولأن أديس أبابا ترفض من حيث المبدأ وجود اتفاق ملزم قانونا حول سنوات الملء ومشاركة مصر والسودان في عملية إدارة وتشغيل السد لضمان الحفاظ على حصتهما من مياه النيل خلال أعوام الجفاف،رفضت الطلب السوداني المدعوم مصريا،بل ورفضت أيضا وجود ممثلين عن تلك الأطراف الدولية كمراقبين لا وسطاء في عملية تفاوض جديدة تتم تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وكان ذلك اقتراح مصري سوداني أثناء مباحثات كينشاسا الأخيرة التي عقدت في دولة الكونغو حتى يمكن إطلاق عملية تفاوضية جديدة.
التعنت الإثيوبي لا يؤكد فقط ما قاله وزير الخارجية المصري السفير سامح شكري عدم وجود إرادة سياسية جادة لدى الجانب الإثيوبي للتوصل إلى حل،وإنما يؤكد أيضا أن أديس أبابا لن تلتزم بأي اتفاق يبرم بعيدا عن الوساطة الدولية.
غير أن رفض دينا مفتي المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية الإجابة على سؤال ما إذا كانت بلاده ستبيع مياه النيل لإسرائيل، وعدم تأكيده على أنه لن يكون هناك فائض لبيعه على نحو ما أكد بشأن الحديث عن مصر والسودان يؤشر إلى أن الدولة العبرية وأطراف أخرى هي من تدفع أديس أبابا إلى كل تلك المواقف المتصلبة.
الرئيس السيسي قال في قناة السويس إن الرد المصري على محاولات المساس بحصتنا في مياه النيل سيدفع بكامل المنطقة إلى حالة عدم استقرار لا يتصورها أحد، هذه الحالة من عدم الاستقرار ستكون أفدح إذا لم تتحرك مصر بسبب ما ستتعرض له مصر والسودان جراء الملء الثاني للسد، لذلك تتوجه القاهرة والخرطوم بملف الأزمةً إلى مؤسسات المجتمع الدولي من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات والأطراف الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين رغم فشل مفاوضات الفرصة الأخيرة في العاصمة الكونغولية كينشاسا.
خيارات مفتوحة تمنح أديس أبابا بدائل جديدة وفرصة أخيرة قبل الخيار الأخير الذي ستكون انعكاساته على الاستقرار في المنطقة أقل فداحة بكثير عن ترك إثيوبيا تستكمل حرب التعطيش ضد شعبين عبر سد الخراب.