من طريف ما يذكر في القانون الصيني ان القاضي يطلق المراة اذا ثبت اهانتها لاحدى والدي الزوج وكذا حينما تكون ثرثارة ..
هذه ليس مقدمة للضحك او الامتزاج القصدي لاعادة صياغة وتراكيب الجمل وتسويقها .. بقدر ما هية التعرف والتوغل والتقريب بين جمالات الحضارة ومعاناة واقع قيمي خطير .
في احدى روائع الوعي الإنساني والتواضع العلمي سؤل كونفوشيوس عن مصير الأرواح بعد الموت فأجاب : ( إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت ) !
هو ذاته ذلك القديس الذي ما زالت الصين تتمسك مبادئه الأخلاقية منذ الاف السنين وحققوا من خلالها سلاماً وأمناً طويل .. حينما مات كونفو ظل عدد كبير من اتباعه يزورون مرقده وبعضهم اتخذ من قبره موطنا لم يغادروه حتى ماتوا فيه وهم يحسون بطعم الحب وانموذجية الفضيلة .
التطرف سيء فيما الوسطية دين يدان به ، هذا ما جعل أصحاب الفكر الخلاق يمقتون العصبية وينحون نحو التسامح الذي فيه الكثير من الوسط الذهبي ( ارسطو ) وخير الأمور اوسطها ( الإسلام ) ..
( قد أكون مختلفا معك في الرأي، ولكني مستعد للموت دفاعا عن حقك في إبداء رأيك ) .. تلك كانت من اشهر روائع فلوتير ردا على جان جاك رسو برغم المعارك الفكرية الضارية بينهما .
( مذهب الحبيبة هو الأفضل ) .. هكذا ردد باروخ - تعني المبارك - في نفسه حينما خطب بنت مدير المدرسة ورفض طلبه فيما زوجوها لغريمه الغني الذي تخلى عن كاثالوكيته مفضلا مذهب خطيبته .. لم يكن ذلك مدعاة للنكوص عند سبينوزا بل مضى قدما في البحث عن الحقيقة ومحاربة التلقين والبباغاوية كما انه رمى الكثير من الموروث خلفه .. من هنا بدأت مأساته بل اتسع ميدان حربه .. وتم طرده وتكفيره وهدر دمه .. لكنه حينما كتب ( رسالة في اللاهوت والسياسة ).. مع تعرضه لحملة تهديد ووعيد .. حاول شرح ما ذهب اليه قائلا : ( هنا تتم البرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على الدين أو سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاء على سلامة الدولة والتقوى ذاتها في آن واحد ) .
فكرت كثيرا فيما جاء بمحكم القران الكريم ( تفكروا بخلق السموات والأرض ) .. لم أرى فيها الا ثورة على الجهل والذل والعبودية ... بكل اشكالها ) . كما ان فهمي وتحليلي لفتوى ذلك الحاخام الذي افتى بشرعية عزل وقتل سبينوزا لا تخرج الا من ذات المنظومة المتطرفة التي سمت سقراط وقتلت المسيح واغتالت علي بن ابي طالب اثناء معراجه ... هو ذات الجهل الذي كان يتقرب الى اماء – كما يزعم - بقتل رجل ولد وآمن ومات في محراب الله ..
انهم يفسرون الدين حسب ما تمليه عليهم مصالحهم وهو يتعارض مع جوهر فلسفة سبينوزا التي سالته مؤجّرته يوما : ( هل أجد نجاتي بديني وممارستي لشعائره .. فقال : إن دينك جيد يا سيدتي، ولست بحاجة إلى دينٍ آخر شريطة أن يكون ذلك من خلال التُقى وأن تعيشي حياة هادئة مسالمة وألا تؤذي أحدا) .
حينما سؤل نبينا محمد - عليه وعلى آله وصحبه وبقية الأنبياء والرسل الف صلاة وسلام - عن جوهر الإسلام قال : ( ان تسلم الناس من لسانك ويدك ) أي انه السلام لا غيره ..
بعد موت سبينوزا بخمسين سنة كتب أحد اللاهوتيين المسيحيين العبارة التالية كي توضع كشاهد على ضريحه : ( هنا يرقد سبينوزا.. ابصقوا على قبره ) . لكن بعد ذاك بقرن تقريبا القى المفكر الفرنسي أرنست رينان ثناء حارا في خطاب التدشين وهم يحتفلون بنصل تذكاري لتمثال سبينوزا وكان قد دعي إليه مع حشد كبير من العلماء والمفكرين، وختم خطابه قائلا : ( ربما لم ير أحد الله عن كثب مثلما رؤي هنا من قبل سبينوزا، فهذا الشخص الذي اتهموه بالإلحاد كان حتما أقرب إلى الله من معظم رجال الدين في عصره، وكان في استقامته ونزاهته وزهده في الحياة مثلا أعلى على الفكر الفلسفي ).