تمر هذه الأيام على المسلمين في جميع بقاع العالم شعيرة مقدسة تحمل مضامين شهر مبارك سمي بشهر الله وفقا للقران كتاب الله المقدس .. وبمعزل عن اختلاف الأديان في العالم لكن الجميع يحترم هذه الشعائر ويدعوا للمسلمين وبقية الأديان في الأمان والسلام خلال مدة أيام الشهر الذي ينبغي ان تكن اوقاته طاعة لله ومحبة للاخر ومراجعة الذات وتراجع عن المواقف التي لا تتسق مع طبيعة الإنسانية حيث الرحمة والصلة والتواصل والتقارب والتراحم والتعاون وزيادة الوعي المعرفي الانساني الذي يستهدف تطوير الحضارة الإنسانية عامة وضرورة التكامل في الطريق الى الله .
( ان الله غني عن العباد ) .. كلما تستوقفني هذه الكلمات المقدسة في عظم دلالتها اعيد النظر في تعريف بعض الطقوسيات التي نعدها ونعتقد انها جوهر الدين .. فيما نجد رسالة السماء واضحة عن غنى الله عما نأتيه تحت هذا العنوان .. فكل ما يريده الرب – وهذا من فضله على الناس اجمعين – ان جعل تعاليم دينه تصب في صالح الناس بدنياهم ولاخرتهم .. فكل شعيرة دينية ينبغي ان تصب في خدمة المجتمع وتتفاعل فيه وتنعكس إيجابا عليه كي تكون جزء حساس لا يتجزأ منه والا تفقد قيمتها ... هنا تكمن جمالية ورائعة وقدسية قول رسولنا الكريم محمد ص القائل : ( خير الناس من نفع الناس ) .. خيرهم بمعنى اكثرهم ايمان .. فلا يمكن زيادة ايمان ينقص العطاء فيه .. فليس للدين غير خدمة وتكامل الانسان في السير نحو الله جل وعلا .. وقد قيل ( ان الدين المعاملة ) .. أي بمعنى لا دين لمن لا يحسن المعاملة مع نفسه واسرته وبيته وبيئته ووطنه والناس اجمعين فهم ( اما اخ لنا بالدين او نظير لنا بالخلق ) وكلاهما يفرض الله حسن التعاطي معهم .. غير ذاك لا يمت للدين بالصلة ..
بدا الانحدار يظهر ويتجلى على جسد الامة الفتية منذ بواكير عقودها الأولى الذي نعاني من تبعاته الى اليوم حينما اصبح بعض افراد المجتمع المدني والمكي وتبعه نخب المواصر العربية الشهيرة في الثراء الفاحش حتى قيل ان البعض اصبح من أصحاب رؤوس الأموال التي يكسر ذهبها بالفؤوس فيما يبات بعض المؤمنين والمواطنين الاخرين طاوين من الجوع .. فكيف لكانز الذهب والفضة والدولار يقنع نفسه بانه مسلم ومؤمن والله يتقبل طقوسياته مهما تعددت فيما لا يشعر ببقية الاخوة ونظراء الخلق وهم كثر وقريبين منه .. كيف يسمع صوت الاذان ويصلي ويرى نور الهلال ويصوم ويخشع بايات القران ويبكي .. وهو بلا إحساس وطني وشعور انساني عن بقية اخوته في الدين ..
اليوم حل علينا شهر الله المبجل رمضان الكريم ونحن نعيش الجائحة والحصار والحظر والبطالة والمرض والكآبة ... غير ذلك الكثير مما تعانيه الشعوب الافقر في العالم منذ عقود طويلة حتى اصبح الفارق شاسع بين طبقاته النخبوية الارستقراطية وهي تملك السلطة والصلاحيات والمشاريع والرواتب ... بل تمتلك زمام الحياة ... وبين عوامه ممن لا حول ولا قوة لهم الا بالله العلي العظيم .. وقد خنقتهم العبرة وشطح براسهم وفكرهم بال الاعتبار غير الموجود.. وقد قال امير البلاغة والكلام علي بن ابي طالب ع : ( عليكم بتقوى الله وتدبير شؤون حياتكم ) .. أي ان العبادة والحياة متلازمتان لا يفترقان بل لا يختلفان بالمعنى وهم صورة لشكل واحد ..