سعدت جدًا وأنا أقرأ خبر إعلان مجلس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية، ببدء تنفيذ "مشروع الجينوم البشري المرجعي للمصريين"، كانت، ولا زالت، وستستمر مقرونة بحذر وخوف شديدين، وهذا ما سأوضحه، وألقي عليه الضوء تباعًا، وهذا المشروع الهام سيكون ضمن الخطة التنفيذية للأكاديمية لعام 2020-2021، في 6 اكتوبر الماضي، مرتكزًا على ثلاثة محاور مهمة:
-الأول: بناء جينوم مرجعي مصري يحمل المتغيرات الجينية الطبيعية والأكثر شيوعًا بين المصريين.
-الثاني: دراسة جينوم المصريين القدماء.
-والثالث: عبارة البحث عن التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض الشائعة لدى الشعب المصري، كما أكد على ذلك محمود صقر - رئيس الأكاديمية - قائلًا:
-"إن الأكاديمية تنسق المشروع، مع تشكيل مجلس إداري من ممثلي عدة مؤسسات وطنية وعلمية، تنبثق منه لجنة علمية لوضع الخطة التنفيذية ومتابعتها، إضافة للجنة وضع معايير أخلاقية وقواعد خصوصيات المعلومات، وسيجري إنشاء المعمل المركزي للمشروع داخل مركز البحوث الطبية، والطب التجديدي التابع لوزارة الدفاع، وسيشرف المركز على التنسيق بين المجموعات البحثية المشاركة، المكونة من عدة جامعات ومؤسسات علمية مصرية".
فمشروع من هذا النوع الخطير، سيكون بالتأكيد أمن قومي مصري مليون في المائة، بل وعمل استراتيجي لا يستهان به، لأنه ببساطة، سيكون نواة لإنقاذ المصريين من الأمراض المعاصرة، سواء أكانت ذلك بفعل فاعل، أو طبيعية، كما سيستخدم لاكتشاف ومواجهة الحروب: البيولوجية، والجينية التي يمكن أن نتعرض لها، فضلًا عن إمكانية استخدامه لوقف عبث الصهاينة وعملائهم برفات أجدادنا، والتشكيك في حضارتنا، وكذلك لدحض الإشاعات والأكاذيب التي يروجونها ضد ملوكنا قدماء المصريين، ومحاولة الترويج بأننا كـ ( مصريين ) لا ننتمي لتلك الحضارة العظيمة والفريدة؛ التي علمت الدنيا كلها أبجديات العلوم: الإنسانية، والطبية، والهندسية، والفلكية، والفلسفية و....
وبذلك سنضمن سلامة أبحاثنا الجينية من تلاعب أصحاب النوايا السيئة الذين يخططون ليل نهار للإضرار بماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا ضمن مشروع عالمي مشبوه تقوده قوى البغي والظلم العالمية تحت مسمى "النظام العالمي الجديد".....!!
ما سبق كان مهمًا جدًا لاستكمالا مقالنا الأول تحت ذات العنوان، لذا نؤكد أن ادعاءات الأعداء وأكاذيبهم بحق حضارتنا، أصبحت في منتهي الخبث والخطورة، فجريمة سرقة خرطوش خوفو ذكرتني بجريمة لا تقل عنها "فُجرًا وسفالة ووقاحة"، لمُجرم فرنسي بدرجة عالم، قام هو الآخر بسرقة "شعر" مومياء جدنا العظيم رمسيس الثاني في حادثة تاريخية عام 1976 يندي لها الجبين، وهذه تفاصيل خطيرة يطول الحديث حولها، لكن باختصار غير مخل، سأذكر ما كتبته سابقًا عن واقعة طلب الرئيس الفرنسي ديستان من الرئيس السادات – رحمه الله - السماح لبعض العلماء بمصاحبة مومياء رمسيس الثاني لإقامة عرض مسرحي، والعلاج في باريس، وكانت تلك الحجة أو الحيلة المزعومة للتأكد من أنّ رمسيس الثاني هو نفسه فرعون الخروج، وذلك من خلال الفحص المعملي، لمعرفة ما إذا كان هذا الملك قد مات غريقــًا أم لا، وكانت النتيجة (بعد رحلة السفر المشؤومة هذه) هي تشويه المومياء .
سفر مومياء رمسيس الثاني لفرنسا بإلحاحP وقف خلفها طبيب مغربي يهودي يدعي موريس بوكاي، كان يُعالج محمود أبو وافيه - عديل السادات - وللأمانة فإنّ دكتور جمال مختار - رئيس هيئة الآثار فى ذاك الوقت ديسمبر1975 - رفض عرض الرئيس الفرنسي وقال له:
- "هذا شىء صعب، فهذا الملك هو من ملوك مصر العظام، ومن غير المقبول أنْ تـُسافر الجثة لتـُعرض فى فرنسا، وهل تـُوافقون سيادتكم على أنْ نأخذ منكم تابوت أو حتى غطاء تابوت نابليون لنعرضه هنا فى مصر"؟!.. وذكر مختار أنه اتصل بيوسف السباعى - وزير الثقافة وقتها - ونقل له مخاوفه عن ردود الفعل التى يمكن أنْ يُحدثها سفر رمسيس الثاني إلى باريس، ولكن السباعي لم يفعل شيئــًا، وحتى ممدوح سالم - رئيس الوزراء - لم يهتم بعدما شرح مختار القصة كاملة، بينما اهتمتْ بالأمر أستاذة فرنسية بكلية العلوم وعارضتْ رئيسها، قائلة:
- "إنّ هذا عبث، وأنّ هذه المومياء التي يُريدون إخراجها من مصر لعرضها فى فرنسا، هى لواحد من أعظم ملوك مصر، وأنها سوف تقود مظاهرة تـُندّد بهذا العبث إذا لم يتراجع الرئيس ديستان"، وكان لإثارة القضية على هذا النحو أثره الكبير، فتراجع ديستان، وبعث برسالة إلى الرئيس السادات أعلن فيها أنه تراجع عن فكرة عرض المومياء فى باريس، ونشرتْ الصحف الفرنسية رسالة ديستان إلى السادات.
ولكن بعد تدخل أبو وافيه تغير الموقف، ووافق السادات على سفر المومياء، وكان أكثر المُتحمسين على خروج المومياء من مصر هو الطبيب الفرنسي بوكاي الذى كانت تربطه علاقات واسعة بشخصيات عربية وإسلامية شهيرة، مما ساعد على إصدار توصيات من بعض معارفه بالاحتفاء به ومساعدته وتلبية طلباته وتسهيل مهمته العلمية......!!، بينما لم تهتم الثقافة السائدة فى مصر بخروج المومياء ، فإنّ صحيفة الهيرالد تريبيون كتبتْ أنّ "الضجة التى أثيرت فى الإعلام الفرنسى حول مرض رمسيس الثاني وضرورة علاج المومياء.... إلخ، لم تكن سوى حيلة لإخراج المومياء من مصر، لوضعها تحت الفحص والبحث والدراسة لمعرفة أسرارها.....!!
وقد تعمّد الصهيوني موشيه ديان - وزير الدفاع الإسرائيلي في هذا التوقيت - أنْ يزور مومياء رمسيس الثاني بمستشفى باريس، وأخذ ينقر على أصابع قدميه بعصا المارشاليه، وقال له بكل حقد اليهود:
- "أخرجتنا من مصر أحياءً، وأخرجناك منها ميتـًا"، ووصلتْ ذروة المأساة فى التقرير المصوّر بالتليفزيون الفرنسى ومدته 20 دقيقة أن ظهرتْ المومياء عارية تمامًا بعد أنْ نزعوا اللفائف الكتانية التى كانت تحميها، وكان المذيع الفرنسى شديد التعصب لمزاعم بنى إسرائيل فقال للمشاهدين:
- " إليكم فرعون مصر الشهير، إليكم ملك ملوك الفراعنة، إليكم رمسيس الثانى، إليكم الفرعون الذى طارد اليهود قبل ثلاثة آلاف عام" إلخ التقرير الذي هزّ ضمير الفرنسيين عامة، والمثقفين الذين توجهوا بأعداد كبيرة منهم إلى السفارة المصرية فى باريس خاصة ليسجـّلوا رفضهم واستنكارهم لهذا العمل المُشين الذى أساء إلى شخصية تاريخية عظيمة مثل رمسيس الثاني".....!!
من جانبها كتبتْ عالمة المصريات كريستين نوبلكو فى كتابها عن رمسيس الثانى، والذى طـُبع منه مليون نسخة بعد صدوره بأسابيع أنّ "التوراة ظلمتْ رمسيس الثاني، وكل ما قالته عنه غير صحيح، كما ظلمت هذه التوراة مصر والمصريين، وأنّ التوراة كتاب ملئ بالقصص والحكايات التى جـُمعتْ من هنا وهناك، وأنها لا يمكن أنْ تـُعد وثيقة تاريخية، وبصفة خاصة بالنسبة لمصر"، وأضافتْ:
- " إننى أرفض الافتراء على التاريخ، وعلى الملك رمسيس الثاني، وأنّ الادعاء اليهودى على الملك رمسيس الثاني محض افتراء، وليس له أى أساس من الصحة، لأن سِفر الخروج يُشير إلى وقائع لا يوجد لها أى أثر فى كل ما وجدناه من كتابات ونقوش مصرية، على الرغم من أنّ هذه الكتابات والنقوش كانت ترصد تفصيلات صغيرة جدًا لا تـُقارن بخروج مئات الآلاف من البلاد ، فهناك فى سجلات الحدود تسجيل لكل حركات المرور عبْر الحدود ، حتى إنّ راعيًا ومعه 40 رأس غنم يعبر الحدود كان عبوره يُرصد ويُسجّل"، وسأستشهد في هذا المقال بما كتبه الدكتور زاهي حواس – وزير الآثار الأسبق – عندما قال:
- "فرعون الخروج لم يكن رمسيس الثاني، وعندما سافرت مومياء رمسيس الثاني إلى فرنسا، في عهد الرئيس السادات عام 1976، فحصها اليهود بدقة للوصول إلى أي دليل على أنه فرعون الخروج، إلا أن محاولاتهم فشلت، ولكن وقعت حادثة خطيرة حيث سرق أحد الفرنسيين شعر المومياء، وتم اكتشاف الأمر بعد وفاة «السارق» بعد أن عرض ابنه «الشعر» في مزاد علني، فقمنا باستردادها بالقانون".. وهذا ما ذكرته وأثبته بـ : الدين والتاريخ والآثار في مؤلفي " توت عنخ آمون والحقيقية الغائبة.. فرعون الخروج هكسوسيًا وليس مصريا".
جريمة سرقة "شعر" رمسيس الثاني كانت – ربما - خارج إرادتنا لوجودها بفرنسا في إطار مؤامرة لا يمكن أن يغفرها لنا التاريخ، لكن سرقة خرطوش خوفو هنا، وعلى أرضنا، ومن داخل غرفة الملك، فهذا هو الإجرام بعينه، وكأننا بوقوع هذه الجريمة نرحب بأعدائنا ونقول لهم:
- " إن تاريخنا وحضارتنا ترحب بكل من يريد تزييفها"، ومن باب الفكاهة أيضا، مازلت أذكر تلك الواقعة التي سبق ونشرها الإعلام عندما حاول بعض اليهود إقامة حفل دينى لإقامة شعائرهم الخاصة داخل هرم خوفو، وذلك لمحاولة إثبات أن هذا الهرم جزء من عقيدتهم، وهو الحفل الذى تم إلغاؤه بعد كشف تفاصيله إعلاميًا بتاريخ 11 نوفمبر عام 2011.....!!