محيى الدين إبراهيم يكتب: مواقف ومطبات طريفة في حياة علي الكسار واسماعيل يس

محيى الدين إبراهيم يكتب: مواقف ومطبات طريفة في حياة علي الكسار واسماعيل يس
محيى الدين إبراهيم يكتب: مواقف ومطبات طريفة في حياة علي الكسار واسماعيل يس

في كل طلة عام جديد نحلم بالبهجة، وأن يكون عاماً أفضل ممن سبقه، ولا شك أن عام 2020 كان عاماً صعباً على العالم كله، لذلك نحن نستقبل عام 2021 بكل الأمل أن يكون عاماً سعيداً مليئاً بالإشراق والتفاؤل، ولأن الضحكة هي أداة الأمل في تطلعنا لعام جديد سعيد، فلم نجد أفضل من الحديث عن نجمين من نجوم الزمن الجميل والكوميديا الراقية والضحكة المفعمة بالحب وهما الفنان العصامي ملك الكوميديا "علي الكسار" وأبو ضحكة جنان الفنان "اسماعيل يس"، كلاهما مازالا يعيشا في وجداننا بأعمالهم التي ستظل خالدة وستظل ترسم الضحكة في قلوبنا وسنظل نتفاءل بها كلما شاهدناها خاصة في يوم كهذا اليوم الذي نستقبل فيه عامنا الجديد.

علي الكسار:

علي خليل سالم، أو حضرة صاحب الرفعة الوجيه علي أفندي الكسار، ابن حي البغالة بالسيدة زينب، وواحد من أهم رواد فن الكوميديا الشعبية في الشرق العربي، بدأ حياته في سن 5 سنوات بمساعدة أبيه في صناعة سروج الخيل والبغال والحمير حتى سن التاسعة، ولكنه كان كثير الغياب عن ورشة والده بسبب محبته للأراجوز حيث كان يصنع أراجوزًا من الورق ويقلد بعض الأصوات بشكل كوميدي لأطفال الحارة والحارات المجاورة، الأمر الذي كان أغضب والده إلى حد الضرب مما دفعه لأنيستنجد بخاله أن يبحث له عن عمل آخر بعيداً عن صناعة السروج وملازمة الحيوانات، فجعله يعمل معه طباخاً وسفرجياً، حتى سن الخامسة عشرة من عمره، حيث اعتاد إلى جانب تعلقه بفن الأراجوز وخيال الظل، على مشاهدة فناني الارتجال الجوالين في موالد السيدة زينب والحسين وغيرهم وأحب تقليدهم لدرجة أنه كان ينتهز فرصة الموالد والأفراح ويقوم بعمل نمر ارتجالية كانت تبهج الناس ويستحسنونها منه بصفته شخص محب للفن ولكنه غير مشهور.

بداية النجومية

يقول الدكتور "علي الراعي" في كتابه فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني" ولد "علي الكسار" في أحضان المسرح المرتجل، وفي احدى المرات وفي مولد السيدة زينب عام 1907م كان "علي الكسار" يقوم بما يحبه من تقليد فناني الارتجال الجوالين، وأثناء اندماجه في التقليد والفكاهة فوجئ بمتفرج شاب يصفر أثناء التمثيل ويعلق على "علي الكسار" بتعليقات فكاهية ونكات، فدخل معه علي الكسار في قافية يحافظ بها على كبريائه الفني ما لبثت أن تحولت لمباراة حامية بين "علي الكسار" والمتفرج استمرت لمدة ساعتين وسط ضحك الجمهور الهيستيري وتصفيقهم الحاد وطلبهم المزيد، وبعد نهاية الليلة كان "علي الكسار" قد أصبح نجماً مطلوباً في كل الحفلات الشعبية لما يضفيه بفنه من بهجة على الحضور حتى عام 1908 قابله تاجر الأقمشة اسمه " فؤاد السويسي" الذي أراد أن يستثمر شهرته ونجوميته  في الحي لينشئ معه فرقة اسمها "دار التمثيل الزينبي"وبدأ بعدها صيت الفنان الشاب "علي الكسار" ينتشر عندما عينته "مدام مارسيل"صاحبة «كازينو دي باريس»، وقد قال نجيب الريحاني عن هذه الفترة في مذكراته، «عندما هدى التوفيق مدام مارسيل إلى الأستاذ علي الكسار»، بدأ كازينو "دي باريس"، يحتل مكانا مهما في شارع عماد الدين، كما بدأ نجم الأستاذ الكسار يتلألأ في ذلك الحين وصارت بيني وبينه منافسة أشعلت شارع عماد الدين.

 

مواقف ومطبات طريفة في حياة علي الكسار

عثمان عبدالباسط في مواجهة كشكش بك

كان تنافساً مهنياً وفنياً في غاية الطرافة بين الكسار والريحاني فإذاقدم الريحاني عملًا بعنوان «الدنيا جري فيها إيه» يرد عليه الكسار بعمل يحمل عنوان «الدنيا بخير»، وحينما يقدم الكسار عملًا بعنوان «أحلاهم» يرد عليه الريحاني بمسرحية «ولو»،وحين يؤدي الكسار مسرحية عنوانها «إحنا اللي فيهم» يرد عليه الريحاني بمسرحية عنوانها "فشر" حتى ملأوا الدنيا فناً مفعماً بالضحك والسعادة .

ويذكر الممثل والمخرج المصري زكي طليمات:

في إحدى مسرحيات علي الكسار كان يمشي علي المسرح كما تمشي الدجاجة وهي تلتقط الحب من الأرض فحدث ذات مرة أن علق أحد المشاهدين بصوت عال وهو يقول: «الراجل ده فرخة ولا ديك؟» فإذا بالكسار يمد عنقه ويصيح «كوكو.. كوكو» لتضج القاعة بالضحك.

يدخل مستشفى المجانين بسبب خروف !

في تسجيل إذاعي نادر عام 1956م، حكى "علي الكسار" حكاية في غاية خفة الدم عندما سأله المذيع عن أغرب موقف يتذكره، فقال له الكسار أنه اشترى خروفا وكان سببا في دخوله مستشفى المجانين، فبعد أن اشترى الخروف بيومين قبل العيد وضعه فى الحمام، لأنه لم يكن لديه مكان لوضعه فيه، فدخلت حفيدته الحمام ووجدته وخافت وتركت الباب مفتوحا فدخل الخروف غرفة النوم، فوجد مراية وتخيل أنه خروف آخر وكسر المرايا، ثم قام بشرب الجاز، فلما خشى على الخروف من شرب الجاز،نصحه صديقه بأن يتصل بالإسعاف ليعمل غسيل معدة للخروف، واستكمل: «أخذت تاكسي وذهبت إلى الإسعاف وطالبت بعمل غسيل معدة للخروف لأنه شارب جاز وضحكوا في المستشفى، وقال لى اركب أنت والخروف مع الإسعاف وبصيت لقيت نفسى في مستشفى معرفهاش، ولقيت دكتور يعرفنى قاللى: إيه جابك هنا .. إنت عارف أنت فين .. قلت لا.. قال: أنت في مستشفى المجانين .. خد خروفك وروح بيتك قبل ما يثبتوا عليك الجنان.

على الكسار صاحب أول فيلم مصري صامت:

أول مرة يقف فيها الكسار أمام كاميرات السينما كانت في عام 1920م عندما شارك أمين صدقي شريكه في الفرقة المسرحية وانتاج صديقه "فوزي منيب" بفيلم "الخالة الأمريكانية، وهو أول فيلم صامت مصري على الإطلاق لكنه لم يأخذ حظه الكامل في التوثيق السينمائي، وقد كان مأخوذاًعن المسرحية الانجليزية "الخالة تشارلي"، ومن اخراج المخرج الايطالي "بونفيلي"، ومدة عرض الفيلم كانت 32 دقيقة فقطولعب علي الكسار فىهذا الفيلم دور إمراه، ولأن علي الكسار يعتمد في أدائه بالمسرح على الحوار واللغة المباشرة بينه وبين جمهوره لم تستهويه السينما بعد هذا الفيلم ومن ثم انقطع عن السينما التي كانت في بدايتها ولم يبد حماسا لهذا الفن الجديد، حتى عام 1935م بدأ الكسار يدخل عالم السينما.

كوميديانحتى قبل أن يغادر الدنيا في لحظاته الأخيرة:

يحكىابنه "ماجد الكسار" مشهد وفاته قائلا: «ذهبت أنا ووالدي متكئاً على عصاه إلى مستشفى قصر العيني لإجراء عملية البروستاتا، ودخلنا الغرفة حتى انتهى موعد الزيارة وتهيأت للرحيل تعانقنا وقبلني وقبلته وكان الوداع الأخير ثم قال لي: «اسمع يا ولد .. خد معاك العصايا دي وخلي بالك منها».

ستة جنيهات سبباً في ولادة نجم إسماعيل يس !

أما إسماعيل يس، فلولا ستة جنيهات ( اقتبسها ) من جدته ولم يسرقها كما قال هو في سيرته الذاتية ما ظهر نجمه في سماء الفن، فبعد وفاة والدته تزوج والده من امرأة أخرى مارست مع اسماعيل يس دور زوجة الأب واضطهدته مما جعله يحلم بالهروب من البيت، لكن كيف له الهرب وهو لا يملك مليماً واحداً، وفي نفس الوقت لم يعد يمتلك قدرة على تحمل إيذاء زوجة أبيه، وفي احدى الليالي وجد جدته لأمه تفك مرتبة السرير وتضع في احشائها نقوداً ثم تعيد خياطتها من جديد كأن شيئاً لم يكن، وهنا لمعت في عقل اسماعيل يس فكرة أن ( يقتبس ) من جدته بضع جنيهات تمكنه من الهرب للقاهرة ودراسة الموسيقى ليصبح مثل المغني المشهور محمد عبد الوهاب، وحين يصبح في شهرته، يستطيع أن يرد المال لجدته بل يرد عشرات الأضعاف مما أخذه، وبالفعل انتهز فرصة خروج جدته من المنزل، وقام بفتح المرتبة كما تفتحها جدته، وأخذ جزءاً مما وجده فيها من نقود، فقط ستة جنيهات، مكنته وهو في عمر السابعة عشرة عام 1929م من الهروب إلى القاهرة لتحقيق حلمه في تعلم الموسيقى وليصبح في شهرة عبد الوهاب بل ومنافسه القوي، لكنه بعد أن هرب للقاهرة لم تصمد معه الـ ( 6 جنيهات ) سوى ثلاثة أيام فقط اضطر بعدها أن ينام في مسجد السيدة زينب ويأكل كما يأكل المتسولين حول المسجد، بعد أن فقد المأوى وإن كان لم يفقد حماسه في تحقيق حلمه كمطرب، حتى التقى بصديق عمره أبو السعود الإبياري أو كما كان يناديه اسماعيل يس بصديقي اللذيذ، الذي قدمه لبديعة مصابني حيث عمل في مسرحها منولوجست لتبدأ ولادة النجم اسماعيل يس.

مواقف ومطبات طريفة في حياة اسماعيل يس

بدلة رقص في كازينو بديعة كادت تقتله

في بدايات عمله بكازينو بديعة كان لا يترك احداً إلا وقام بممازحته بقفشه أو نكته وذات يوم سخر من الرقص الجماعي للراقصات أثناء أحد البروفات وتحداهم أنه يرقص أفضل منهن، فاتفقوا عليه وأجبروه على ارتداء بدلة رقص احدى الراقصات التي يناسب مقاس بدلتها جسده، وبالفعل أدخلوه غرفة وبالفعل ارتدى بدلة الرقص وخرج ليرقص ويتحداهم لكنه بعد دقائق بدأ يقفز في الهواء ويقوم بحركات غير منطقية ويصرخ بينما بديعة مصابني والرقصات من حولها قد اصيبوا بهيستيرية ضحك من حركات اسماعيل يس الذي أكتشف أن الراقصات أغرقوا بدلة الرقص التي يرتديها بودرة العفريت التي جعلته ينتفض من الحساسية والحكاك ليكون درساً في عدم التعرض لهم بالسخرية بعد ذلك.

عشقه لاقتناء الساعات السوداء:

كان اسماعيل يس يعشق شراء واقتناء الساعات السوداء فقط وكانت زوجته مدام فوزية" تغير عليه غيرة شديدة خاصة أنه تزوج قبلها مرتين، وذات ليلة دخلت عليه غرفته بالمسرح فوجدته يتحدث مع بطلة المسرحية ويجاملها بكلمات لطيفة فنظرت له نظرة تحمل الكثير من الغضب والغيرة وسألته: هي ساعتك ( السودة ) كام دلوقتي؟، فأدرك أنه في مأزق وطلب من بطلة المسرحية أن تترك غرفته فوراً وتستعد للفصل الثاني من المسرحية.

الملك فاروق يصدر فرمان ملكي بإيداع اسماعيل يس مستشفى المجانين !

عام 1950م استدعاه القصر الملكي لغناء بعض المنولوجات في عيد ميلاد احدى الأميرات، وأثناء اندماج اسماعيل يس توقف عن الغناء ليلقي نكته وهو ينظر للملك فاروق ويقول: مرة واحد مجنون زي جلالتك كده، وهنا انتفض الملك فاروق وقال له: انت بتقول إيه يا مجنون، فاغشي على اسماعيل يس ليحمله الخدم إلى احدى الغرف ويطلب الملك من طبيب القصر أن يكشف على اسماعيل يس فيكشف عليه الطبيب بالفعل ويقرر أنه في حالة صدمة عصبية، وحين يسمع الملك فاروق كلمة صدمة وعصبية حتى يقرر بإيداع اسماعيل يس مستشفى المجانين ليمكث بها 10 أيام يخرج بعدها محروما من اقامة أي حفلات تتعلق بالعائلة المالكة.

رحهما الله