لكل مجتمع تقاليد وأعراف تميزه عن غيره... ومع وجود سمات حضارية قد تجمع بين الشعوب وتقربها إلا أن السمات الجغرافية والتاريخية واللغوية والإقتصادية.. والسياسية تنتج عنها ثقافات وإتجاهات فكرية وسلوكية تختلف من بلد لآخر..
لذلك فمن المنطقي للمهاجر أو المغترب أن يفاجأ بثقافة وطبيعة البلد المسافر إليه والتي تُعرف من خلال التواصل والإحتكاك بقاطني ومواطني ذلك البلد.. فإذا كان الغرض من سفره هو السياحة أو الزيارة لفترة محدودة سيكون أكثر حماساً للتعرف على بيئة ومعالم ذلك البلد مستمتعاً بالتعامل مع كل معطياته كتجربة شيقة للتجديد والتغيير.. بينما المهاجر أو المقيم لفترة طويلة ينظر للأمر بتأني وتفكر أكثر منذ البداية.. هذا لأنه سيحتاج للإندماج والتفاعل مع مجتمع جديد مختلف وعليه تقبله واستيعاب ثقافته بما ينفعه ويخدم أهدافه بشكل متوافق مع الثوابت التي نشأ عليها.. وللوصول لهذا التوافق يتعرض لمايعرف ب" الصدمة الثقافية"؛ حيث يمر بعدد من المراحل حتى يصل للتقبل التام والإندماج بشكل إيجابي داخل ذلك المجتمع .. وكلما زادت الفجوة بين مجتمعه الأصلي والمجتمع المهاجر إليه تكون الصدمة الثقافية أعمق.. وتتفاوت مدة كل مرحلة منها حسب طبيعة المهاجر كونه إجتماعياً أو يميل للعزلة، ومدى تقبله للإختلاف وقدرته على التواصل مع الآخر، وقدرته على تجسيد ثقافة مجتمعه من خلال تعامله.
ويٌذكر أن مراحل الصدمة الثقافية تتمثل في:
_مرحلةالإنبهار والإعجاب بكل مايكتشفه داخل المجتمع الجديد وحماسه لمعرفة المزيد عنه .
_مرحلة التفكر في الفوارق الثقافية والمقارنة بين المجتمع الجديد ومجتمعه الأصلي.
وهي أهم المراحل حيث يكون بعدها الشخص إما أكثر تقبلاُ وتكيفاً مع المجتمع الجديد.. أو قد تطول مدة تلك المرحلة لما قد يصيبه من ميل للعزلة أو نفور الإختلاف والتشبث بعادات مجتمعه الأصلي.
_"مرحلة التكيف" التي يستطيع فيها الشخص تقبل الإختلاف والإندماج داخل المجتمع الجديد وإستيعاب طبيعتة وثقافتة والتعامل معها .
_مرحلة "التمكن والقبول" التي يكون فيها الشخص أكثر مرونة إيجابية في التفاعل معطيات المجتمع الجديد.. وأكثر دافعية للإلمام بكل مايعينه على التميز والنجاح داخل هذا المجتمع... ولكن عليه في كل الأحوال أن يُعبر عن ثقافته الأم ولايتخلى عنها.. فمن الطبيعي عند عودته لوطنه أن يصاب ب"صدمة ثقافية عكسية" نتيجة إندماجه في المجتمع الآخر ورغماً عنه يجد نفسه في مجال لمقارنته بمجتمعه الأصلي..
وفي كل الأحوال يمر المغترب بكل تلك المراحل.. ولكن الصدمة الثقافية يتفاوت أثرها ومدتها الزمنية.. فعليه إدراك العوامل التي تعينه على تخطي تلك الحالة لينجح في تحقيق أهدافه مع إبراز ثقافته الأم والتمسك بها مثل:
* معرفة مدى الإختلاف الحضاري بين البلد الأصلي والمهاجر إليه.. حتى يسهل عليه التكيف والإيجابية في التعامل مع هذا الإختلاف.
*إطلاع الشخص وإلمامه بطبيعة وثقافة البلد المهاجر إليه..
ويمكنه الاستعانة بمواقع التواصل الإجتماعي ل:
--التعرف على أحوال الجاليات الموجودة به.. ومايواجهها من عقبات ليستطيع تفاديها، والإستفسار عما يحتاجه.
-- إمكانية التواصل مع مواطنين ووافدين داخل هذا البلد يساعده على التعرف على لغته وتقاليده بشكل أسرع.
* المرونة وتقبل الآخر والقدرة على التواصل مع الثقافة المغايرة..
* تمسكه بهويته وحرصه على التعبير عنها بشكل إيجابي عند التعامل مع الغير.. لأنه يمثل نموذجاً حياً لمجتمعه، ومن خلال سلوكياته يكتسب الآخرون الانطباعات عن ثقافة وتقاليد بلده سواء بالسلب فالنفور، أو الإيجاب والإعجاب..
فكلما زاد وعي المغترب بدوره كرمز لحضارة مجتمعه أصبح أكثر حرصاً في اختيار نمط حياته وسلوكياته.
أما عند عودته لوطنه_ خاصة بعد مرور فترة زمنية طويلة_ يظهر عليه التأثر بما عايشه خارج بلده.. وكلما كانت الفروق الحضارية والثقافية بين البلدين كبيرة فإنه يمر ب"صدمة ثقافية عكسية " أكثر حدة وعمقاً لأنها لا ترتبط فقط بالمقارنة والتكيف مع المجتمع،، بل يختلجها دوماً مشاعر وأفكار متداخلة تؤرقه وقد تستغرق وقتاً لمواءمتها مع واقع المجتمع.. هذا نتيجة انتماؤه وميله تجاه تقاليد وثقافة نشأ عليها وأمله في نشر إيجابيات عاصرها بالخارج.. وربما أصبح ناقماً على معتقدات رُسخت لديه من قبل ولم يدرك تأخره بها إلا بمعيشته خارج إطار مجتمعه.
#المغترب_بين_الصدمة_الثقافية_والحفاظ_على_الهوية
#زهرة_يونس