أعيدوا للمعلّم الشريف في وطني ماسُرق أو خُطِف من حقّه...
أعيدوا له كرامته المسلوبة وحريّته السجينة...
كانت مدارسنا من سنين بيوت أدب وتربية وثقافة وفتوّة ووطنيّة وكان المعلّم فيها مُعلّماً مُربّياً و الطالب طالباً مُطيعاً....
أعيدوه إلى الصفّ التعليميّ شامخاً بهامته المنيرة....
لاتضحكوا عليه بقروش تنثروها فوق فراش راتبه المريض...
أعيدوا له هيبته من صحراء الضياع ودافعوا عن رأيه وقلمه وصوته...
أبعدوه عن الذلّ الخصوصيّ في منازل الأثرياء ومعاهدهم...
دافعوا عن قلبه الطيّب الوفيّ ولسانه الناطق بالحقّ....
أعيدوا له هيبته التي نُهبت منه لسنين وصوته الذي بُحّ وقلمه الذي كُسِر فلا رأي لمن لا يُطاع ولا صدى لمن خُنق صوته ولا كتابة لمن كُسِر قلمه...
آلاف المعلّمين استقالوا من وظائفهم ومنهم من ينتظر حالماً بالاستقالة....
استقالوا ليبحثوا عن كرامتهم المفقودة لعلّهم يعثرون عليها في مكان خاصّ قد يبحثون عنه زمناً طويلاً وقد لايستقبلهم وقد يطردهم إن وجدوه....
آلاف المعلّمين المتقاعدين الفقراء تركوا كهولتهم وأمراضهم جانباً و غطسوا في أعمال لاتليق بهم ولا بأعمارهم ولا بأدوارهم ولا بخبراتهم التي يجب أن تكون حيّة مُقدّرة....
والمعلّمون الصابرون في خنادق التعليم العامّ محسودون على عطلتهم الصيفيّة التي يقضون أيامها في منتجعات المراقبة الامتحانيّة وملاهي ومسابح تصحيح أوراق الامتحانات لدورتين فاخرتين....
والمعلّمون الصابرون في جبهات الدروس الخصوصيّة محسودون على ليراتهم المتورّمة التي غشّاها الذلّ بردائه المؤلم ولوّنها التعب بلونه القاتم....
أعيدوا للمعلّم اعتباره وأرجعوا له اسمه المعلّم المربّي وحرّروه من اسم الموظّف المُلبّي....
قوانينكم أغلبها في السنوات العجاف الماضية أرهقته وجعلته عارياً من لباس الحماية وألبسته طرائق وأساليب ومناهج استعراضيّة مزركشة مستوردة ليست على مقاسه....
مناهج أبهرت تلميذ المدرسة الاتّكاليّ بلغتين انكليزيّة وفرنسيّة لدرجة أنّ عينيه الحالمتين بالهروب من بلده للعيش في جنّة الغرب وحضارته لم ولن تريا لغتنا العربيّة( لغة الله) التي أصبحت هي ومعلّمها رمزاً للتعاسة والجاهليّة والتخلّف والبعد عن العصريّة....
علّموا التلاميذ في المدارس كيف يكونون طلّاب أخلاق قبل أن يكونوا طلّاب علم....
علّموا التلاميذ (أنّ المعلّمين بناة حقيقيون) بالفعل وليس بالقول فقط....
علّموهم كيف يحيّيون المعلّم بالتبجيل كما يحييون علم وطنهم....
علّموهم قبل أن تتسابقوا لنيل رضاهم بأنّ المعلّم الشريف مقدّسٌ دورُه كما علم الوطن المقدّس...
علّموهم أنّ أهمّ مادّة دراسيّة في مناهجهم هي احترام المعلّم واجب قبل احترام العلم.
المنتجب علي سلامي