مدحت بشاي يكتب: المبدعون والمواطنة الكاملة

مدحت بشاي يكتب: المبدعون والمواطنة الكاملة
مدحت بشاي يكتب: المبدعون والمواطنة الكاملة

جميل أن يذكر رجل الأعمال نجيب ساويرس بكل امتنان دور وزارة الثقافة ودعمها لأعمال المهرجان مقاطعا نبرة الهجوم على الوزارة و اتهامها بالتقاعس الذي تبنته محدثته الإعلامية صاحبة التوكيل والامتياز الوحيد لتغطية المهرجانات بكل أشكالها حيث تقام ، وأعلن الرجل عن بالغ تقديره للتعاون بين إدارة المهرجان والوزارة في حدود المتاح من الإمكانيات ، وعندما بدأت المذيعة وصلة إطراء و مديح للمهرجان و كيف أنه سحق مهرجانات سابقة ترعاها الوزارة ، قاطعها ساويرس أنه لم ينظم المهرجان لينافس أحد ولكن في إطار الدور الوطني والثقافي والاجتماعي الذي اعتادت مؤسسته أن تلعبه ..

أذكر ، أن صحفي شاب سألني عقب  الزيارة الأخيرة للرئيس السيسي للكاتدرائية كيف ترى وتصف تلك الفرحة العارمة بتكرار تلك الزيارة وأثرها الإنساني والاجتماعي وماتحمله من رسائل للرد على دعاة الفرقة من أهل الشر ؟ .. وأجبته في حينها إنني بالطبع أقدر وأثمن مثل تلك المبادرات والخطوات الإيجابية التي تحدث للمرة الأولى وأنها تمثل خطوات جادة في طريق السعي لتوطيد مفاهيم دولة " المواطنة الكاملة " بعيداً عن كل أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد ، وإن كنت أتمنى ألا يُكتفى بتهنئة المسيحي في عيد واحد فقط ..

 أذكر حديثي للصحفي حول تلك الزيارة الجميلة للرئيس ، و إن كنت أرى أن الاهتمام بالفعاليات  الثقافية والفنية القومية  الكبرى وتقديم الدعم المناسب بالحضور اللائق والمكثف من قبل كل رموز الدولة ومسئوليها  هي الأخرى من الأهمية بمكان بكل ما تحمل من رسائل وطنية وإنسانية ، ونحن في سبيلنا لتوطين مفاهيم جديدة داعمة لقوانا الناعمة القادرة على دحض مزاعم خزعبلات خفافيش الظلام نحو تحريم معظم أشكال الإبداع  ... 

لقد كان الرئيس السيسي رائعاً عندما اجتمع للمرة الأولى بالفنانين والمثقفين ، وصار يسأل عنهم بالاسم وعندما سأل عن الفنانة العظيمة الراحلة فاتن حمامة ورأها تتحرك تجاهه ، بادر بكل حب واحترام لتاريخها الرائع  بالذهاب إليها محيياً ومقدراً وجودها .. وعليه نحن في انتظار الرئيس في افتتاح الفعاليات الثقافية الكبرى ..

وبمناسبة موقف أهل التشدد من كارهي الجمال والحب والفعل الإنساني النبيل بتحريم الفنون و بعض أشكال الإبداع الفني ،  أذكر ما كتبه الكاتب الصحفي فهمي هويدي عقب حادث هدم طالبان للتماثيل ..              كتب " قدم إلى مصر وزير الصحة في حكومة طالبان، الحاج ملا عباس أخوند، قبل عامين للمشاركة في اجتماع دعت اليه منظمة الصحة العالمية ، التي تعد أنشط المنظمات الدولية العاملة في أفغانستان ، وأضاف هويدي "  زارني الرجل في بيتي، وبعد تناول الغداء رغب في أداء صلاة العصر، فقدته الى حجرة مكتبي ووضعت أمامه سجادة الصلاة باتجاه القبلة ، غير أنه وقف متململاً وهو يجول ببصره في أرجاء الحجرة، التي وجد فيها بعضا من التماثيل الخشبية والبرونزية الصغيرة ، التي كنت قد اقتنيتها من دول افريقية وأسيوية زرتها، ثم قال لي وعلامات الحرج بادية على وجهه، كيف أصلي وسط هذه الأصنام؟..قلت له أن هذه الفكرة لم تخطر على بالي، حيث ليس لها عندي أي تعظيم أو ذرّة من تقديس، وإنما أتعامل معها باعتبارها منحوتات وجماليات تعبر عن ثقافات وفنون شعوب وقبائل تعرفت عليها في ترحالي، فسكت الملا أخوند على مضض، ثم أدى الصلاة على عجل ، وانضم إلى مجلسنا بعد ذلك في هدوء. حين خرج هو ومرافقوه من عندي، لاحظت انه تأخر عنهم في مغادرة البناية ، وأنهم انتظروه لحظات حتى لحق بهم ، وعلمت من أحدهم في المساء ان الوزير الطالباني، الذي درس العلوم الدينية في قندهار وتمنى أن يتخصص في علوم الحديث، افترش الأرض في مدخل البناية وأعاد صلاة العصر مرة اخرى، بعدما اعتبر أن وجود التماثيل في حجرة مكتبي قد أفسد صلاته.حينذاك قلت انه اذا كان صاحبنا قد اعتبر ان وجود تماثيل صغيرة بحجم الكف يفسد الصلاة، فلا بد من أن تمثال بوذا الذي هو بارتفاع 55 مترا اي ما يعادل 20 طابقا تقريبا، كان مصدر قلق عظيم لحركة طالبان.." !! ولا تعليق بعد الكلام الهويدي !!

ومن منا ينسى  الخبر التالي الذي نشرته عدد من الصحف " تستعد الآن مجموعة من الشركات السياحية وائتلاف دعم السياحة لرفع دعوة قضائية ضد عبد المنعم الشحات المتحدث بإسم الدعوة السلفية بسبب الحديث الذي صرح به لقناة المحور والخاص بأن الحضارة المصرية حضارة عفنة . وكذلك الدعوة إلى تغطية وجوه التماثيل الفرعونية المصرية بالشمع مشيرا إلى أنها تشبه الأصنام التي كانت موجودة حول أسوار مكة فى العصر القديم .ومن جانبه أوضح إيهاب موسى مسئول ائتلاف دعم السياحة المصرية أنه عقب هذه التصريحات قام عدد من أتباع الدعوة السلفية بتكسير وجوه التماثيل الموجودة فى منطقة كرداسة معتبرين أن هذه دعوة إلى هدم التماثيل الموجودة . وأشار موسى إلى أن هذه التصريحات ترتقى إلى مرتبة الخيانة العظمى والعمل لصالح دول أخرى والتي تدعى أنها نظم إسلامية . ونحن نطالب بالتحقيق فى هذا الموضوع.. " .. هذه وغيرها من تصريحات وأحداث ولا وجود لأي رد فعل مستحق في حينها للأسف !!

وحكاية تحريم التماثيل قديمة ، ووصل الأمر إلى حد تقلص أعداد الطلاب في أقسام النحت بكليات الفنون ، بما يهدد استمرار إبداع ووجود ذلك الفن الجميل الذي ميز الحضارة المصرية بتفرد عبقري ، والجدير بالذكر أن إنشاء أول كلية للفنون الجميلة جاء بناء على فتوى مفتى مصر "محمد عبده " قبل وفاته عام 1905 بأن التماثيل حرام إذا كنتم تعبدونها، أى أن التحريم لعبادة التماثيل وليس للتماثيل ذاتها، وفى هذا الإطار ربما يكون هدم طالبان أفغانستان لتماثيل بوذا صحيحاً لأن هناك من يسجد لها من أتباع بوذا، ولكن هل رأيتم مصرياً ولو أيام الفراعنة يسجد للتماثيل، وهل رأيتم مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً فى أى مكان فى العالم يسجد للتماثيل أو يعبدها؟

فهل نتفق  مع تخوفات الكاتب الصحفي نبيل شرف الدين حول ماذا بشأن التماثيل المسيحية في الكنائس ، هل ننتظر عمليات هجومية لتحطيم تلك التماثيل ، والاقتتال حول تكفير أصحابها ، وماذا عن تمثال أبو الهول والتماثيل المصرية القديمة الضخمة ، هل سيتم تشويهها بشمع الشيخ الشحات ؟! ..

وعليه ، فلنطلق حرية الإبداع ونحفز أهل الاستثمار في الفنون لتقديم مساهماتهم وأن نقدم ما ييسر لهم دعم قوانا الناعمة ..واملوا الدنيا يا شباب مصر من المبدعين فرح وأغاني وتماثيل وفنون وأشعار ..

للمبدع الفنان والمخترع العالم والحرفي النادر ...لكل هؤلاء حقوقاً في دولة " المواطنة الكاملة ً" ..

 

مدحت بشاي

medhatbeshay9@gmail.com