عندما تتأمل المرويات والقصص التاريخي تجده مليئا بالعته واستخدام العنف العقلي في فرض مصداقية تفوح منها رائحة الكذب.
لم افهم حتى الآن كيف يكافئ الخليفة أو الوالي أو الحاكم احد الرعية بمنحه "كيس دنانير أو كيس دراهم" !
ما معنى كيس الدنانير هذا؟ وهل هو كيس يحتوي عملات ذات قيمة محددة مثل 10 او 50 قطعة أم "شوية" دنانير فيها البركة؟
وقد تصبح دنانيرا من الذهب وفق كرم الخليفة او عظم الحدث او دماغ راوي الحدث "متعمرة بكام حجر".
واحيانا تصاغ الرواية على انه كيس دراهم في نفس العصر وفي الروايات المتعددة لنفس القصة تجدها تارة بالدينار وتارة اخرى بالدراهم. الظاهر انه حسب سعر التحويل في بورصة الكوفة للأكياس الاستثمارية.
امتدت الهرتلة لتطال وصف احوال الأمة وازدهار العلم على يد الخليفة، مثلما جاءت الروايات تفيد بان هارون الرشيد كان راعيا للتقدم وازدهار العلوم، حتى ان كان يشجع الترجمة الى العربية من الامم الأخرى.
شيئ جميل طبعا، ولكن يتحول الجمال الى قبح عندما يجتر التاريخ كذبا رواية مفادها أن هارون الرشيد كان يشجع المفكرين من رعيته مثل ابو جعفر المنصور بمنحه وزن الكتاب المترجم ذهبا !! تخيل لو انه ترجم كتاب "العرب جرب - مثلا" من الفارسية الى العربية وهو مكتوب على جلد الماعز في نحو الفي صفحة - اقصد معزة، فيمنحه الخليفة طنا من الذهب للكتاب الواحد!!
كل هذا في كفة، وفي كفة اخرى تجسيد الصورة الخرافية للشيخ او رجل الدين او ما عرفوه بالناسك او الزاهد في قالب من الحكمة والورع يفيض معه الدمع.
في رواية من السلف "الطالح" ان رجلا ذهب لقاضي الكوفة، وكان القاضي وقتها يشغل وظيفة قضائية هل البت في الاحكام في الفترة الصباحية، وبعد الظهر لديه مكتب خاص يروج ويبيع فيه الحكمة. المهم ان الرجل قصد حكيم زمانه وطلب مشورته:
- يا شيخنا ... اتوق شوقا لرؤية النبي في المنام.
- حسنا يا بني، اذهب واجترع (اي ازلط) كيس ملح بملو كفيك (تماثل عبوة ملح كوكس في ايامنا) وسيطالك العطش وإياك ان تشرب الماء.
غادر الرجل كالبهيمة دون ان يستفسر لماذا الملح، وما العلة، ولا حتى اين الضرر. وفي اليوم التالي، ذهب الرجل للحكيم وقال له: لقد فعلت، ولكني لم أرى النبي في المنام، فقال له الشيخ: اذن ضاعف كمية الملح الليلة قبل نومك، وسيقتلك الظمأ، وإياك ان تروي ظمأك، فذهب الرجل واتي النصيحة واجترع الملح !
في اليوم الثالث ذهب الرجل للشيخ الناسك العابد الحكيم وقال:
- لقد فعلت ما امرتني ولكنى لم ارى النبي يا شيخنا.
- حسنا، وبماذا حلمت إذن؟
- كنت اتضور عطشا في منامي وحلمت انني اشرب النهر.
- هذا هو المراد .. ارأيت ان كنت تهيم بالماء، تراه في منامك. اذهب وصل على نبيك من صحوتك في اول يومك الى غفوتك في نهاية يومك، ستهيم حبا برسول الله، وستراه في منامك تماما مثلما طالك الشوق للماء فرحت تراه في الحلم.
يا خبر اسود يا مولانا .. قصدي يا شيخنا!!! طب والفشل الكلوي الذي مني به المسكين؟ وارتفاع الضغط الانفجاري الذي ينتظر الرجل؟
هذا هو القصص التاريخي لعبقرية السلف عبر المرويات التى وصلتنا في كتب التراث.
هذا الافراط في العاطفة الانفعالية لم يفرز الا الرفض، وكان الرفض لكل شيئ بدءا من المروية، مرورا بحامل العنعنة اي السند، وانتهاء بمتن القضية، فماتوا جميعا وماتت معهم جغرافيا الحدث وهي جزيرة الإفك، اقصد جزيرة العرب.
د. بهي الدين مرسي. Baheyeddin Moursy