"أرواد ...جزيرة متألقه بألف لون لا مثيل لها فى شرق المتوسط"
*جان هيرو
منذ منتصف الالف الثانيه قبل الميلاد كانت المدن الكنعانية تنتشر كحبات العقد,او كالمنارات على الشاطئ الشرقى للبحر المتوسط ,من خليج اسكندرون شمالا ,الى شبه جزيرة سيناء فى الجنوب .اضافة الى جزيرة ارواد .وقد شكلت كل منها مملكة مستقلة .وتبدو جزيرة ارواد اليوم,كآخر بلدة كنعانية كما كانت المدن الكنعانية الكبرى مثل اوغاريت و جبيل وبيروت وصيدا وصور و عكا وغيرها فى غابر الازمان . تبنى المراكب الشراعية وترسل برجالها الى اعالى البحار وهى اليوم الجزيرة الوحيدة المأهولة على الشاطئ السورى او الشاطئ الشرقى للبحر المتوسط.ويمكن مشاهدة جزيرة ارواد و بقايا سورها الفينينفى او الضخم او مينائها المزدحم بالمراكب والقوارب التى تنقل الركاب من طرطوس الى ارواد و بالعكس , كما تنتشر المطاعم والمقاهى على شاطئ ارواد , وتمتد جزيرة ارواد بطول يقارب (750م) وعرض بحدود (450م) وهى على بعد نحو ثلاثة كيلو مترات عن المدينة طرطوس الساحلية السورية.
عرف الكنعانيون سكان الساحل االسورى الجزيرة باسم (اراد) و (أرفاد) وعرفها الاغريق بأسم(ارادوسArados) واسمها يعنى (الملجأ) او (موئل المهاجرين) ومهما يكن من امر , فقد ورد ذكر ارواد عدة مرات فى رسائل كل العمارنة المصرية وفى التوراة , وحوليات ملوك آشور و غيرها .
زار جزيرة ارواد الؤرخ والجغرافى اليونانى هيرودوت فى اواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وتكلم عنها الجغرافى سترابون حوالى العام 25ق.م وقال عنها انها الجزيرة التى تشكل صخرة تحيط بها الامواج من كل جهة حتى تكاد تغمرها و انها واقعة بين ماراتوس (عمريت ) ومرفأ كارنوس (القرنة) .كما ذكر ان المبانى فى ذلك الحين ذات الطوابق المتعددة كانت تغطى سطح الجزيرة على قدر ازدياد السكان وكثافتهم .وقد ذكر بأنها تبعد عن اليابسة 25 ستاداً (حوالى 3كيلو متر) كما وصفها الشاعر دنيس بأنها قرية فينيقيا وأرواد فى منتصف بحر شاسع.
وزارها (القديس بولس( حوالى العام (64ق.م) وشاهد تماثيلها الرائعة.
وذكر العالم الفرنسي (ارنست رينان) فى كتابه (بعثة فينيفيا) عام(1860)بأن جزيرة ارواد كانت حصنا وقدسا لشعب غنى ونشيط ,كان يتصرف بمصير الانسان قبل خمسة الاف سنة .واحتفظ حتى العهد الروماني بطابعه الخاص و قال عنها ايضا انها " تبدو كصخرة قديمة ضخمة".
نشاة ارواد
كيف نشأت ارواد ...كيف تمددت فوق بساطها الازرق . هذه الجزيرة الجميلة التى تبدو كلوحة رائعة رسمتها الطبيعة فى زرقة المياه ! هذا ما تحدثنا عنه ارسطورتان اثنتان تقول اولاهما :
"إن صياداً شاباً ركب البحر في طلب الرزق . ومرت الايام فلم يرجع . فقلقت عليه خطيبته الحسناء . تسأل عنه في لهفة كل غاد ورائح , حتى التقت برفيق له انبأها أنه ذهب ضحية جنيات البحر ,فقد احطن ذات يوم بمركبه , واخذن يتجاذبنه حتى غرق.
ولكن الفتاه المسكينة لم تصدق , وأخذت تبتهل إلى الالهة , ان تعيد اليها حبيبها . ومضت الأيام وهي تندب حظها , و تنشد أغانية الحنين , وتنتظر الغائب الذى لا يعود ....
وكان الشاب اسيرا لدى عرائس البحر الماجنات فسمعت ملكتهن بحزن الخطيبة المسكينة ولهفتها فرثت لحالها . وبعثت مع طير الماء رسالة تقول فيها أن غائبها سيعود اليها قريبا . ثم طلبت الملكة الى اله البحر , ان يصنع للخطيبين مكانا , يلجأن إليه , في امن من حادثات الزمن , فصنع الاله جزيرة اليس في بلاد الأحلام أجمل منها , ومن موقعها ...... وهكذا وجدت ارواد .
أما الاسطورة الثانية فتروي :
" أن ارواد كانت ابنة شرعية لبعل و وهو اله اليابسة .
وقد قام بينه و بين يم (اله البحر)صراع طويل . اعجبت (أرواد) بنت بعل خلاله ب (يمّ) الاله الشاب القويّ , فهربت اليه , وارتمت بين احضانه , مؤثرة البقاء عنده الى الابد ,,,, ومازال ابوها بعل (الأرض) يناديها اليه ,,,,وسوف يظل يناديها حتى النهاية , ولا تجيب ".
الوضع الجغرافي
تمتد جزيرة ارواد من الشمال الى الجنوب وهى تشكل مع الجزر الصخرية اللأخرى المتممة والموازية للساحل محدباً. ينفصل عن الشاطئ بمقعد تباينت أعماقه , حتى اصبحت على بعد (600_700 متر) من اليابسة , لتصل الى نحو عشره أمتار ,ثم يتناقص العمق , لتعود الصخور المارنية الكلسية ’ التى انغمرت تحت اللحفيات السابقة , والى الظهور من جديد , ليصبح العمق قرب الجزيرة ما بين (2_4) امتار . و تستبد حواف الجزيرة مثالا تعتبر للسواحل الصخرية ,وقد لعبت الأمواج دورها في الصخور الطرية , فشكلت جوانبها الثلاث متسعا من اليابسة , لا يعلو الا قليلا ,فوق مستوى سطح البحر .
والجزيرة برمتها تمتاز بقلة تعرضها للرمال , الأمر الذى جعلها منذ اقدم الأزمنة ,من أحسن المرافق البحرية ,في زمن لم يعرف المرافئ الانسان فيه المكاسر البحرية التي تبنى تحت الماء . وتتميز جزيرة ارواد بموقع فريد , كونها الجزيرة الوحيدة الأهلة بالسكان على الساحل السوري وتقع الى الشمال والجنوب من ارواد ,بعض الجزر الصخرية الصغيرة موازية للساحل و هي :
_جزيرة النمل , التي تقع الى الشمال أرواد . وتبعد عنها (15كم) بالقرب من قرية البصيرة .
_جزيرة الحبّاس , وهى تقع الى الجنوب من جزيرة أرواد
_جزيرة أبو على ,ثم جزر المخروط الثلاث ,مقابل قرية المنطار , وهى جزر صخرية صغيرة , خالية من السكان
وحيث يقل الانحدار في شمال الجزيرة و جنوبها . فقد تعرضت المنطقة الى تسوية صناعيه , وبهذا اتسعت مساحه اليابسة . اما في الغرب فتضيق الفسحة لانحدار الجزيرة . وفى الشرق تصبح الجزيرة أقل إنحدراً , وتميل أرواد للانحدار نحو اليابسة شرقا وقد طغى البحر على الجزيرة من الشمال أكثر من الجنوب . وتكثر البرك الصخرية موازية لخط الأبنية الجديدة . أما الجنوب فهو ضحل.
وعند الطرف الغربي من السور الشمالي ,تقع احدى بنات أرواد , وتتصل بالجزيرة الرئيسة , بواسطة رقبة صخرية غاطسة. وكانت هذه البنت تتصل بالجزيرة .وربما انفصلت عن أمها نتيجة هزه ارضيه . وقد اظهر التصوير الجوي خطأ من التصدعات المغمورة على عمق تسعة امتار بين الجزر وقاعدتها الغربية , ويبلغ عمق الماء بين جزيرة أرواد وجزيرة الحبّاس ستة امتار فقط.
الأرواديون
قيل عن الأروادي , أنه احبّ البحر فعاش في وسطه وتحدّى عوامل الطبيعة , فانحنى امامه التاريخ . اراد ان يجعل من اليمّ مملكته , فنصب عرشه على صخرة و والاروادي يتعلم السباحة , قبل القراءة والكتابة ,و معظم شباب ارواد اليوم ,يعملون على سفن تجوب بحار العالم .
ولا يخفى ان جزيرة أرواد كانت اهله بعشرات الالوف من السكان . ينزلون في داراتها و قصورها المتعددة الطبقات.ولهم المراكب الفخمة والمتاجر الواسعة والمدن العديدة على الساحل والارواديون الذين ذكرهم سفر التكوين في الكتاب المقدس بين مواليد كنعان , عمروا الجزيرة واليابسة . ومارسوا تأثيرهم على وادى العاصي بل حتى نهر الفرات . ناثرين على الشاطئ سلسلة من المدن الجميلة . عرفت باسم (بنات أرواد) من اشهرها عمريت أو ماراتوس وبانياس و جبلة و بالتوس (عرب الملك اليوم) وكارنه (القرنين) الى الشمال من طرطوس و انهيدرا (غالبا تل الغمقة) الى الجنوب من طرطوس . وليزياس (مكان قلعة برزة) وغيرها مما لا يعرف الا بالاطلال والذكريات .
ورفع الأرواديون في الجبال الهياكل والمزارات والقلاع , كهيكل بيتوخيخي (حصن سليمان قرب بلدة الإريكيش وسيفون اوصيون . ومريحين التى ذكرها المؤرخ أريان (القرن 4ق.م) وانها كانت تابعة لمملكة أرواد
وارتاد الأرواديون مجاهل البحر المتوسط , حتى اقصى حدوده , متسلمين على مدة مقدرات العالم القديم , كاتبين في تاريخ المغامرات والتجارة و انشاء المؤسسات ,وتنظيم الحياه الانسانية ,صفحات لازال حفدتهم يتهجؤون حروفها الأولى .
يقول حزقيال (Ezekiel) النبي القرن (7ق.م)مخاطبا صور الجبّارة:
"سكان صيدون وأرواد,كانوا جدّا فين لك .
بنو أرواد مع جيشك ،كانوا على أسوارك من حولك .
والابطال كانوا في بروجك ، وعلقوا تراثهم على اسوارك ومن حولك ، هم اكملوا جمالك ....
وهو يشير هنا الى شجاعة الأرواديين ,ودفاعهم عن اشقائهم في صور , ولعل الاتفاق بين الأرواديين وبين الصيدونيين , للدفاع عن صور العاصمة الكبرى كان مما دفع استرايون الى القول :"ان بناة أرواد , هم المهاجرون من صيدون في قديم الزمان ".
وقد كانت أرواد في اول امرها خاضعة لصور على ما يظهر , الا انها لم تلبث ان استقلت .فانتشر اربابها ينشئون المدن على الشاطئ ,في الجنوب والشمال خاصة . حتى امتدت رقعتها من عمريت جنوب طرطوس ,الى ما وراء اللاذقية بل الى طرطوس في اسيا الصغرى , وقد اشتهرت جزيرة أرواد ببيوتها ذات الطوابق الخمس , ومعابدها كما اشتهرت بأروقتها الفخمة وبالتماثيل الجميلة وغيرها .
وقد نقل (معجم الجبل الملهم) من قول استرابون (64ق.م-19م) وكان قد زار مدن الشرق حوالي عام (25ق.م):
"انه بينما كان قرصان جميع الشعوب على شواطئ البحر المتوسط ,يمخرون البحار ما لئينها حروبا ومفاجات , ليغتنوا بها . كان سكان كيليكيا في جنوب الاناضول , يعرضون مرات عديده على ملاحي أرواد – لأهمية أساطيلهم- ان يشاركوهم بالقرصنة ,كان هؤلاء يرفضون المشاركة بهذا العمل . وذلك لحسن اخلاقهم وحبهم للسلم . وقد تمكن ملوكهم بموجب معاهدات دولية مع ولاة الشرق , ان يحتفظوا بحقهم , في حماية كل من يلتجئ اليهم من البلدان المجاورة ,بحيث أوجدت هذه الحماية ثقه عند كبار المنفيين او الفارين من ظلم حكوماتهم , فليجؤون اليها في اطمئنان وسرور".
ويقال ان في الخليج العربي جزيرة تحمل اسم (أرواد) فيها معابد تشبه معابد الفينيقيين , ويقول سكان هذه الجزيرة ان صدقناهم – ان جزيرتهم وبعض الجزر الاخرى , تحمل الاسماء التي اطلقها عليهم الفينيقيون انفسهم , ونحن نقول : ان هؤلاء الفينيقيين , اما ان يكون اصلهم من الخليج العربي , وانتقلوا منه الى الساحل السوري , او ان بعضا منهم وصل من الساحل السوري الى الخليج العربي عن طريق بلاد الرافدين , عندما نقل الاشوريون بعضا من هؤلاء الفينيقيين ,الى بلاد اشور .
معالم الجزيرة
تشكل الشواطئ السورية مادة غزيرة للبحث العلمي و الاثري , ويستدل من النصوص بأن أرواد كانت مرفأ هاماً منذ أقدم العصور , وتضم أرواد مجموعه من الاثار التي تعود الى عهد الكنعانيين أو (الفينيقيين) , والعهود الهلنستي والروماني والعربي والفرنجي والمملوكي والعثماني .
ومن اهم الاثار الباقية في أرواد السور الضخم المحيط بها من الشمال والجنوب والغرب , وبقايا المرفأ القديم , والقلعة الشامخة , والبرج المنفرد المطل على البحر شرقا , وبقايا من الأعمدة الغرانيتية.
المرفأ
يقع المرفأ في الجهة الشرقية من الجزيرة , وهو ينقسم بواسطة سلسلة من الصخور الطبيعة الى خليجين
, وبحسب الأعراف المحلية ,كان الخليج الجنوبي في الماضي ,اكبر بمرتين في الشمالي , وهذه النظرية تؤيدها تضاريس الجزيرة مما يناقض حقيقة وجود الانهدامات , مالم يثبت بأن الردم , نشأ عن رغبة في توسيع المدينة , ويزعم سكان الجزيرة , بأنه عثر في هذا الحىّ و تحت أنقاض البيوت الحالية ,على بقايا أرصفة قديمة ومما يجدر ذكره أن الباحثة الأنكليوية هونور فروست(HonorForest ) اكتشفت في عام (1963) الجانب الاكبر من الميناء القديمة في حالة سليمة تحت سطح البحر , ويعود تاريخه الى حوالى سنة 2000ق.م عندما كان الساحل الكنعاني في شرق المتوسط منطقة التجارة الرئيسة في العالم , وخاصة الموانئ الكبيرة فى كل من مصر واليونان , وعليه فإن ميناء أرواد يعد اليوم الميناء الأساسي الباقي من العصر البرونزي .
وقد كشفت أبحاث الانسة فروست , أن معظم منشأت الميناء في حاله سليمة , ولكن كثير منها يوجد الأن تحت الماء . وقد تمكنت الانسة فورست باستعمال التصوير الجوي ,مع البحث تحت الماء . من الوصول الى صورة متكاملة للميناء ويعد جمعها بين التصوير الجوي , والبحث تحت الماء فتحا جديدا في طرق البحث الاثري
_يتبع_