تعددت العلاقات النسائية في حياة فنان الشعب سيد درويش، فقد كان لا يطيق أن يمر عليه وقت لا يكون فيه امرأة يغرم بها، إذ كان سيد درويش كما يقول الدكتور محمود أحمد ألحفني في كتابه سيد درويش الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي عام 1962 من سلسلة أعلام العرب صفحة 184:
كان سيد درويش ملتهب العاطفة مسرفاً فيها، وكان لا يعرف في حياته توسطاً ولا في تصرفاته اعتدالا حتى أنه كان يحب فيغرق في حبه، بل أنه كان يستطيع أن يجمع في ذلك بين أكثر من حبيبة في وقت واحد، والواقع أنه لا ينبغي أن يقاس الفنان بالمقاييس الهندسية والمعايير المنطقية التي تخضع لها طبائع الناس، فالفنان مصور، ولا يمكن أن يصور حتى يتصور هو أولاً، وحتى يكون قلبه لوحة أولية للرسم الذي يريد إظهاره والتعبير عنه، وهكذا كان سيد درويش هائماً بأكثر من "محبوبة " واحدة في القاهرة والإسكندرية التي كان يتردد عليها من حين إلى آخر، سواء أكانت " حبيباته " من الوسط الفني أم من خارجه، وقد بلغ في هيامه بإحداهن – والكلام مازال للدكتور محمود أحمد حفني – أن أغمى عليه حين تلقى نبأ خطبتها لغيره بعد أن يئست من اقترانه بها.
وعلى الرغم من عدم اتفاقي مع هذا الرأي لكونه أقرب " للبوهيمية " في حياة الفنان الغالبة على إنسانيته لا أتفق أيضاً مع الدكتور محمود حفني في إغفاله أثناء تقصيه لسيرة درويش ونبشه في كل صغيرة وكبيرة عن ذكر إحدى أقصر زيجاته مثله في ذلك مثل كل من تناول سيرة سيد درويش بالسرد والقص والتحليل وهي زواجه من الفنانة الاستعراضية " حياة صبري " وأسمها الحقيقي "عائشة عبد العال " رغم أنها أهم شخصية وربما أهم امرأة في حياة وسيرة فنان الشعب سيد درويش !.
ربما المؤرخ الوحيد الذي ذكرها بشكل غير مباشر في كتاب يعتبر من أمهات الكتب في فن المسرح كان الدكتور على الراعي في كتابه " مسرح الشعب " قسم " الكوميديا المرتجلة" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2006 بطريق نشر سيرة حياة الفنان محمد إدريس ( 1895 – 1970 ) كما حكاها بصوته ورآها الدكتور علي الراعي سيرة جديرة بأن تنشر لكونها تحكي في تفاصيلها القصيرة فترة من أهم الفترات التي مر بها المسرح المصري في بداياته الأولى وكان من ضمن تلك التفاصيل أن ذكر " محمد إدريس " حياة صبري " زوجة فنان الشعب سيد درويش بقوله صفحة 163:
"وفي عام 1933 ولأول مرة برأس البر، التحقت بفرقة السيدة حياة صبري ( زوجة ) فنان الشعب المرحوم سيد درويش، وقد عملت في فرقتها مونولوجست ومطرب وممثل وكان ذلك بتياترو المرحوم فؤاد برعي"
وفي تقديري الشخصي أنه لا يمكن بأي حال أن ينشر الدكتور علي الراعي هذه الفقرة في كتابه على لسان الفنان محمد إدريس لو لم يكن واثقاً كل الثقة من دقتها وصحتها إذ أنه يُعد نموذجاً فذاً، ليس فقط للناقد الأدبي، ولكن للناقد الثقافي عموماً، الذي يلم بحقول معرفية ذات طابع موسوعي، فهو إلى جانب موقفه الاجتماعي المنحاز للشعب والموصول بالحرية والاستنارة والعقلانية كانت كتاباته كلها مثالاً على تحري الدقة والبساطة العميقة والرغبة العارمة في توسيع دائرة الثقافة إلى نطاق أبعد من دائرة النخبة الضيقة.
كما أنه في تقديري أيضاً أن ما ذكره الفنان محمد إدريس كحقيقة مفروغ منها وهي إلتحاقة بفرقة ( زوجة ) سيد درويش تدل على أن حياة صبري أو عائشة عبد العال كانت زوجة شرعية بزواج شرعي ولم تكن مجرد أمرآة هامشية أحبها سيد درويش في علاقة عابرة أو زوجة رغبها بزواج سري وإنما كانت زوجة شرعية مائة بالمائة، وتقول بعض الروايات التي لم يؤكدها أو ينفيها مؤرخ لسيرة حياة الفنان أن هذا الزواج أثمر عن أبن شرعي أسمه "جميل" صار فيما بعد ضابطاً بالجيش المصري وأستشهد في حرب 1956 والعدوان الثلاثي على مصر، فهل كان هذا الابن "جميل درويش" أم أنه "جميل" من أب آخر؟!.
التقى سيد درويش بحياة صبري مابين عامي ( 1917 – 1918)، وأغرم بها منذ أن رآها أول مرة تغني في فرقة عكاشة، حتى أنها أصبحت ملهمته الأولى والأخيرة واستوحى منها معظم ألحانه المميزة بل واختار لها الاسم الفني «حياة صبري» بدلًا من اسمها الحقيقي عائشة عبد العال.
واستطاعت حياة صبري إلى جانب غرام سيد درويش بها أن تحظى برعايته الفنية أيضاً حتى أنه خاض بسببها معركة مع شركة أوديون ووكيلها في مصر الخواجا " لينو باروخ " لفرض حياة صبري على غناء الألحان معه، وبالفعل أنتصر سيد درويش في فرضها على شركة أوديون رغم رغبة الخواجا " لينو باروخ" في أن تؤدي الألحان أمام سيد درويش منيرة المهدية أو فتحية أحمد أو نعيمة المصرية بدلاً من حياة صبري التي بالفعل سجلت عدداً كبيراً من ألحانه منها: "مين زيي"، "يا حلاوة أم إسماعيل"، "عين الحسود"، "عَ النسوان يا سلام سلم"، "يقطع فلان على علان"، "آن الأوان"، "يا مرحبا بك"، "والله تستاهل يا قلبي"، "دا بقى ف مين".
ويبدو أن علاقة الحب الشديدة تلك والتي كانت لا تخفى على الكل أصبحت محل انتقاد لسيد درويش نفسه خاصة وأنه أصبح ذا مكانة وشهرة واسعة تجعله محطة مهمة للغيرة والتشهير وافتعال المعارك حتى مع أقرب المشتغلين معه فقرر الزواج من حياة صبري عام 1919 لكنه كان زواجاً لم يدم سوى 36 ساعة فقط إذ علمت به أم سيد درويش السيدة " ملوك " بطريق أختها السيدة " لبيبة " التي حضرت هذا الزواج بناء على رغبة وإصرار سيد درويش وكانت السيدة "ملوك" لها كلمة لا ترد عند سيد درويش ولا يرفض لها طلباً فطلق حياة صبري واختارت له أمه السيدة "ملوك" عروس جديدة وهي السيدة "جليلة" التي أثمر زواجه منها عن أبنه "حسن" وإن ظلت علاقته بملهمته حياة صبري قائمة حتى وفاته التي أدعت أنه قبل يوم واحد من وفاته حسب " جريدة الأهرام" روت للصحافي الراحل يوسف الشريف كيف مات سيد درويش قائلة: إنه كانت هناك إحدى العائلات الثرية في الإسكندرية، وقدم أحد أبناء العائلة للشيخ مطربة كان يحبها لتدريبها على الغناء، ولكن درويش رأى أن صوتها سيء للغاية ولا تصلح للغناء، فغضبت هي بشدة وذهبت على الفور إلى عشيقها تخبره أن درويش خانه وقام بمغازلتها، فاغتاظ الرجل كثيرًا وقرر الانتقام من صديقه.ودعاه الصديق إلى العشاء ثم قدم له كأس خمر به مورفين، وبالمصادفة كان درويش قد استنشق جرعة الكوكايين التي اعتاد عليها قبل ذهابه، فأصيب بالتسمم، وعاد إلى منزله منهكًا وقال: «سموني»، وحينما همّت حياة صبري بإحضار الطبيب رفض وطلب منها السفر لأمه السيدة "ملوك" بالإسكندرية، وبحسب رواية الدكتور محمود أحمد حفني في كتابه سيد درويش صفحة 198، استقبلته شقيقته في محرم بك ( 11 شارع الأمير عمر ) وفي فجر ( 15 سبتمبر 1923م – 4 صفر 1343هـ ) مات سيد درويش ولم يكن للجنازة موكب حاشد يليق بقيمة هذا الرجل إذ كان موته مفاجأة غير طبيعية .
أما الدكتور فؤاد رشيد في جريدة الشعب، عدد 2 ابريل 1958، فقد كتب مقالا يحكي رواية مختلفة تماماً عما روته حياة صبري أكد خلاله أن سيد درويش توفى وهو لم يتجاوز العقد الرابع من عمره، بعدما تعاقد مع فرقة عكاشة على تلحين ثلاث روايات هى (هدى- عبد الرحمن الناصر- الدرة) مقابل أجر قدره 600 جنيه، وكان لهذا الاتفاق صدى قوى في كل الأوساط الفنية، حيث اعتبر ذلك الأجر قياسيا لأبعد حد، وأتم الشيخ سيد تلحين روايتي الافتتاح (هدى - وعبد الرحمن الناصر)، فلما جاء تلحين الرواية الثالثة حدث خلاف كبير بين سيد درويش وآل عكاشة، وفشلت الرواية فشلا ذريعا، وفى اليوم نفسه أبلغت الفرقة سيد درويش عدم التعاون معه مطلقا، وهنا أصيب درويش بصدمة كبيرة وتصبب جسمه عرقا وأغمى عليه وحمله أحد أصدقائه إلى داره، حيث تم إسعافه بالعلاج، فلما أفاق في صباح اليوم التالي قصد مسقط رأسه الإسكندرية، وما هى إلا أيام معدودات حتى نعاه النعاة، فقد مات فجأة
أما عن حياة صبري نفسها فقد كانت أكثر من عرف سيد درويش شعوراً بفداحة موته، وعجزت بعد موته عن الاستمرار متألقة كما كانت في حياته، بالرغم من تكوينها لفرقة خاصة باسمها استمرت حتى عام 1941م ثم أنطفأ نجمها تماماً وتفرغت لتربية أبنها "جميل" حتى صار ضابطاً في الجيش المصري وحين
استشهد في حرب العدوان الثلاثي على مصر هد موته كيانها فقاطعت الحياة الدنيا ولازمت قبر وحيدها لا تبرحه حتى ماتت !